ماري مطر لـ«البناء»: اللغة الأمّ حضور وثقافة واستمرار

حاورها: طلال مرتضى

أمّي قالت: «أعطِ الخبز للخبّاز لو أكل نصفه»، لم تكن المقولة عبثية بقدر ما هي ذات دمغةٍ في الحياة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بأطفالنا، وهنا تكمن حساسية وخصوصية الحكاية.

والسؤال البديهي، متى نعرف أنهم بأمان؟ الجواب، حينما نُدرك أنّ هناك يداً حانية، كرّست كلّ ممكناتها للوقوف على متطلبات نموّهم سلوكياً وتربوياً في البيت أولاً ثم المدرسة، من خلال إشباع عقولهم بإرشادات تقودهم نحو السبيل القويم.

ماري مطر، المعلّمة أولاً ثم المؤلّفة، لعبت دوراً مُهماً كمعلّمة احترافية إلى تبسيط إيصال المعلومة بطريقة سلسة من دون أن يُنكرها الطفل في مرحلتَي رياض الأطفال والابتدائية، من خلال مناهج تأليفية، حاملها الكلمة، الموسيقى، والصورة.

في حوارٍ منمنم معها، حدّثتنا عن مُنجزها الأخير «أغنّي بالعربية» الذي لاقى استحسان رياض أطفال كثيرة، كما كان له الحضور في معارض الكتب في لبنان والبلاد العربية.

نعرف ماري مطر الكاتبة… هلّا نتعرّف إلى المعلمة؟

ـ معلّمة للّغة العربية في الرّوضات والمرحلة الابتدائية ومنسّقة لها في مدرسة «لويس سيتي إنترناشونال سكول» في بيروت. مؤلّفة قصص أطفال مع دور نشر مختلفة. ولي تجربة سابقة في تأليف الأغاني للأطفال مع مؤسسة «مينتور» العربية.

في ظلّ الاحتلال القسري لأطفالنا من قِبل محطات التلفزة، كيف تبلورت فكرة كتاب «أغنّي بالعربية»، وهل فكرة التأليف التشاركي فاعلة؟

ـ لم تكن فكرة هذا الإنجاز «أغنّي بالعربية» وليدة الصدفة أو بعيدة عن واقع تعيشه اللغة العربية، فهناك أغانٍ عربية كثيرة للأطفال، والتي تحاكي أهدافاً معيّنة، لكنّها مبعثرة وموزّعة هنا وهناك، وقد تمتاز بالصعوبة أو ببعدها عن المطلوب أو برتابتها… ومن خلال تجربتنا التعليمية، واستدراكنا عطش لغتنا ومناهجنا لوسائل تعليمية كاملة أو شبه كاملة، عملنا على إغناء حقائب هذه اللغة ودعمها لتصبح قريبة من الأطفال، ومساندة في العملية التعليمية.

وما ساعد في تبلور الفكرة واكتمالها وتنوّعها، هو العمل المشترك مع الزميلة الشاعرة ليندا نصّار، والتي تشاركني مهنة التعليم والاتجاهات الفكرية نفسها، فكان العمل مبنيّاً على الاستشارة وتبادل الآراء والمراجعة والتنظيم.

فكرة المشاركة التأليفية، إغناء للمنجز، هل لك أن تعرّفينا بالكتاب بإيجاز؟

ـ «أغنّي بالعربية» كتاب يضمّ مجموعة أغانٍ مبسّطة تحاكي مواضيع مختلفة ومطلوبة في مرحلة الروضات أو الحلقة الأولى من المرحلة الابتدائية. وهي ملحّنة بأسلوب عصريّ يحاكي حاجة جيل اليوم، فتبثّ الحياة والحركة في اللغة في قرص مدمج مرفق مع الكتاب. ومصوّرة برسومات جذّابة تجسّد كلمات الأغاني فتنقل مضمونها إلى عقل الطفل بشكل أفضل. يمكن اختصار ما سبق على الشّكل التالي:

أغنّي بالعربيّة = كلمة + موسيقى + صورة.

هل وصلت فكرتكما وحقّقت مأربها، بمعنى هل لمستِ هذا على أرض الواقع؟

ـ إنّ تمازج هذه العناصر الكلمة والموسيقى والصورة، إضافة إلى الحركة التي تبثّها الكلمة يطبع اللغة، ليس في عقل الطفل فقط، إنما في قلبه أيضاً، ويساعد بطريقة سريعة ومشوّقة في العملية التعليمية. ونحن نأمل في أن نكون بإنجازنا هذا قد ساهمنا ولو بجزء بسيط في «تحبيب» اللغة العربية وفي توفير طريقة تعليمية مساعدة للمعلّمة، وطريقة مشوّقة للمتعلّمين. فاسحين المجال للجميع لاستغلاله بالطريقة المناسبة والاستفادة منه.

ندرك المخاض الذي تعانيه دور النشر، كيف تمّ تبنّي الفكرة؟

ـ لقد تمّ عرض المشروع على دور نشر عدّة، وكانت «دار العلم للملايين» الأكثر ترحيباً وتقديراً للعمل، حيث عملوا بمهنيةٍ عالية على تجسيد المضمون من خلال الرسومات المميّزة بألوانها ووضوحها وتلبيتها الفكرة، إضافة إلى تأمين استديو لتسجيل الأغاني بطريقة عصرية.

ما الذي يميّز هذا المطبوع عن غيره؟

ـ أوّلاً: كتاب متكامل من حيث التعبير عن الأغاني بالصورة والألحان العصرية، وهناك مخطّط مستقبليّ لإعداد الرسوم المتحرّكة التي تصقله وتجعله أكثر فعالية في ظلّ هيمنة التكنولوجيات الحديثة والاهتمام بثقافة الصورة المتحرّكة لدى جيلٍ فقد اهتمامه بلغته العربية.

ثانياً: العمل يحاكي منهج الروضات بشكل كامل من خلال الأغاني التي تُعدّ الطريقة الأسهل لإيصال اللغة العربية المبسّطة إلى عقل الطفل.

هل ترك كتاب «أغنّي بالعربية» حضوراً؟

ـ على رغم مرور أقلّ من سنة على صدوره، إلّا أنّه لاقى إقبالاً جيّداً عبر معارض الكتاب في لبنان والخارج.

هل أوصلت ماري مطر المعلّمة فكرتها، وكيف وجدتها؟

ـ كَوني منسّقة للّغة العربية في مرحلة الروضات، وبما أنّني واجهت بعض الصعوبات في إيجاد مراجع وأغانٍ خصوصاً في اللغة العربية الفصحى، فأنا أعتبر أنّ هذا الإنجاز خطوة داعمة لمستقبل جيلٍ يرغب في تعلّم اللغة العربية بشكلٍ عصريٍّ ومتجدّد. وأرغب في دعوة كلّ المعنيّين في تعليم اللغة العربية ولكافة المناسبات على السعي إلى دعم لغتنا العربية وتطويرها بما يتناسب وحاجات عصرنا الحالي. فلغتنا لغة مرنة وعصرية، ونحن مَن يحافظ عليها.

كيف ترى ماري مطر الحالة التعليمية في لبنان في ظلّ اختلاف المناهج؟

ـ من ميزات التعليم في المدارس الخاصة في لبنان، أنّ الأبواب مفتوحة ومشرّعة لاستعمال أيّ منهاج، شرط أن يوافق الأهداف الموضوعة. وهذا الأمر يعدّ من الحسنات. فهي تسعى بدورها إلى اعتماد الأفضل لتحسين مستوى متعلّميها.

تنوّع المناهج في نظري هو عامل صحة، ويفتح المجال للإنتاج المستمر والتطوّر بسبب عامل المنافسة والترويج.

كلمة تربوية أخيرة.

ـ العلم متاح للجميع، وهو في تطوّر مستمرّ على الأصعدة واللغات كافة، ومن حق اللغة العربية الاهتمام والدعم والتشجيع، في وقت نسمح للّغات الأخرى بالسيطرة والانتشار على حساب لغتنا الأمّ. فلا بدّ من زرع محبة اللغة في مرحلة الحضانة، من قِبل الأهل أولاً ثم من قِبل المعنيّين وعلى رأسهم الدولة الممثلة بوزارة التربية. فاللّغة الأمّ حضور وثقافة واستمرار.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى