الزواج في سورية بين أحلام المستقبل وحسرة ذكريات ما قبل الحرب

رولا عثمان

يشهد المجتمع السوري تراجعاً ملحوظاً في معدلات التنمية البشرية والنمو السكاني، ويتوقع أن يتفاقم الأمر في المدى المنظور، في ظلّ الحرب غير المسبوقة التي عاشتها، ولا تزال تعيشها، سورية.

من أهمّ تداعيات هذه الحرب، تبدّل الأوضاع الحياتية في المجتمع السوري من النواحي كافة. والأكثر تأثراً هو الجانب الاجتماعي، لأنّ المؤثرات، سلبية كانت أم إيجابية، تنعكس على نفسية الأفراد، وتزيد من هواجسهم ومخاوفهم.

ولعلّ ظاهرة الزواج هي من أكثر الظواهر الاجتماعية التي تأثرت بوضع الحرب المتفاقم، سواء لدى الرجال أم النساء. فهناك ظاهرتا «الأنوبتوبيا» و«الجاموفوبيا» المتعاكستان، واللتان تتناميان كلّ باتجاه الأنوبتوبيا، وهي الخوف من عدم الزواج العنوسة ، والبقاء في حالة العزوبية طوال العمر. حالة في الماضي اعترت نفوس النساء أكثر من الرجال، ولا تزال. وبعد الحرب على سورية، صارت أكثر إنتشاراً بين الجنسين على حدّ سواء.

من أسباب ارتفاع نسبة «الأنوبتوبيا»، أنّ فتيات كثيرات إضطررن للنيابة عن أمهاتهن، بعد استشهادهن، من أجل تربية إخوتهن الصغار، إنْ وجدوا، والاهتمام بأمور العائلة والمنزل والوقاية من التشتّت، فضلاً عن تراجع نسبة زواج الفتيات وتفشي العنوسة بنسبة 70 في المئة لأسباب متعدّدة، منها إنضمام الشباب إلى الجيش، أو القوى الرديفة له، أو إستشهادهم، وهجرة شباب كثر إلى خارج سورية.

من جهة ثانية، تظلّ الأنثى مرتبطة بوضع أسرتها، وعاداتها من عادات المجتمع الشرقي، حيث يروّج مفهوم إيلاء الأهمية القصوى للمظاهر الاجتماعية من ثراء ونسب، فيكون ذلك معوقاً كبيراً أمام البنات للزواج.

«الجاموفوبيا» المعاكس لـ«الأنوبتوبيا»، هو الخوف من الارتباط والزواج وتكوين عائلة ضمن منزل. وهذه الظاهرة تنتشر عند الرجال أكثر من النساء. وهي ظاهرة موجودة في الظروف العادية، لكن تزايدها يعتبر من نتائج هذه الحرب، فالشاب الطامح لبناء عائلة واستقرار اجتماعي، لن يقدم على الارتباط خوفاً من الظروف المهدّدة للزواج وللعائلة، من ظروف وصور الحرب المنتشرة في كلّ مكان. وتخاف الفتاة من الارتباط لأنّ القرار مصيري ويحتاج لتفكير عميق وطويل، كون الشباب يجهلون مصير حياتهم بعد أن أضحى معظمهم مشاركاً في القتال، أو لاجئاً في أوروبا.

ومن ناحية ثانية، فإنّ الرغبة في الزواج لمن تبقى، يضع نصب عينيه أحد أهمّ الشروط الأساسية التي يجب الأخذ بها، في حال قرّر الارتباط وإيجاد شقة سكنية تناسب مستوى الدخل الحالي، لا سيما أنّ أسعار الشقق السكنية وصلت إلى أرقام خيالية، وكذلك هي حال الإيجارات.

يفيد أحد أصحاب المكاتب العقارية أنّ وسطي أجرة شقة في ركن الدين هو حوالى 70 ألف ليرة سورية وفي المزة جبل نحو 80 ألف ليرة ومشروع دمّر 110 آلاف ليرة. وهي ارقام تفوق قدرة المواطن العادي.

ويقول سالم طالب جامعي- 25 عاماً : «غالبا ما يطلب المؤجر دفع إيجار سلف لستة أشهر، ضماناً لحقه، وهذا يجعل الإيجار متعذراً. وفكرة الارتباط أكثر صعوبة، وتصبح بالتالي أمراً ثانوياً وغير ضروري. بالنسبة لي، لا أفكر في الأمر أبداً.

أما أحمد 31 عاماً فيقول: «أنهيت خدمتي العسكرية وتقدّمت لخطبة فتاة، كنت أحبها في الجامعة. لم أكن أملك بيتاً. وقبل موعد زواجي بشهر، طُلبت للاحتياط وجاءت خدمتي في درعا. والآن ننتظر موعد العرس الجماعي، الذي تقيمه مؤسسات محلية وحكومية لمجموعة من الجنود والجرحى بغية تخفيف أعباء ومصاريف الأعراس، بعد ارتفاع الأسعار وتحكم الدولار بكلّ شيء.

وإذا عدنا إلى الإحصائيات الحكومية، فإنّ أرقام الواقعات في قصر العدل، تشير إلى تراجع نسبة تسجيل الزيجات، بالتوازي مع ارتفاع معدل الوفيات والطلاق، الذي أضحى من القرارات السهلة. ويفاقم نسبة الزواج والطلاق في آن، لجوء كثر إلى زيجات غير معلنة، تنوّعت تسمياتها ومرجعياتها الدينية، كـ»المسيار» و«المصياف» و«المتعة» والعلاقات المخفية على مواقع التواصل الاجتماعي، التي ساهمت في زيادة حالات الطلاق والانفصال بين الأزواج.

وينضم نوع جديد إلى أنواع الزواج السالفة الذكر، هو الزواج العادي. وهو ليس حكراً على دين معيّن يطلق عليه من باب الطرافة زواج الشحن . وأطلقها من أقدم عليها من شباب لم يتمكنوا من أن يقيموا حفلات زفافهم في بلدهم سورية، فما كان منهم إلا أن حجزوا تذاكر سفر لزوجات المستقبل، لينتهي بهم المطاف متزوجات بطريقة «ديليفيري»، بعد أن ضاقت بهم السبل لزواج بين الأهل والأقارب.

وهي طريقة مبتكرة للالتفاف على الصعوبات ولاستمرار الحياة على فسحة أمل، تردم هوة خلقتها الحرب وغيّرت كثيراً من التقاليد والعادات، التي تميّزت بها سورية عن الكثير من البلدان، في الزواج. وظلت مناطق كثيرة تحتفظ بها ومنها مراسم الخطبة، فزيارات بين الأهل وتبادل الهدايا، وليلة العرس، وعلى الأخصّ إستمرار العرس لسبع ليال متواصلة.

وبما أنّ الاقتصاد السوري من أبرز المتضرّرين من الحرب، فقد انعكس ذلك بشكل مباشر على معدلات البطالة والعمل.

كذلك شهدت السنوات الماضية موجات تسريح لعمال في القطاع الخاص، بسبب تدمير المعامل ووقوعها في أماكن خطرة، أو سيطرة «داعش» وبقية المسلحين عليها ونقل العديد منها إلى تركيا.

هذه العوامل تجعل خيار الزواج، أو التفكير به، لدى الشباب السوري خلال الحرب، حلماً وذكريات من الماضي، فعدم الاستقرار واستمرار الحرب يعقد المشكلة ويزيد من عزوف الشباب عن الزواج، مما سيؤدّي، حكماً، إلى تراجع معدلات التنمية البشرية والنمو السكاني في المدى المنظور.

كاتبة سورية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى