نورا آريسيان… باحثة ومترجمة تفرّغت لنقل إبداعات الكتّاب والمؤرّخين الأرمن إلى العربية

محمد خالد الخضر

تواظب الباحثة الدكتورة نورا آريسيان على جهودها في تعزيز التواصل والتلاقح الثقافي بين العرب والأرمن عبر عشرات الكتب والدراسات التي ألّفتها أو التي ترجمتها من الأرمينية إلى العربية.

وتؤكد آريسيان أنّ من واجبها نقل إبداعات الكتّاب والمؤرّخين الأرمن إلى اللغة العربية لتوضيح قضايا تاريخية وسياسية وأدبية تهم القارئ العربي، ونشرها عبر البحث عمّا تفتقده المكتبة العربية من قضايا تخصّ تاريخ الأرمن وثقافتهم وأدبهم. معتبرة الترجمة نوعاً من التفاعل يساهم في تعزيز العلاقات المتبادلة بين الطرفين.

وتوضح آريسيان أن تعلّم الأرمن اللغة العربية بدأ منذ العصور الوسطى حيث استخدموها للتواصل مع سائر أقطار العالم العربي من أجل تعزيز العلاقات التجارية والدبلوماسية، ما ساعد على التداخل بين اللغتين واستخدام مفردات مشتركة.

وتشير عضو جمعية الترجمة في اتحاد الكتّاب العرب إلى أنّ التفاعل الثقافي بين العرب والأرمن أثمر عن نتاجات أدبية مهمة كالرواية الشعرية «عروج أبو العلاء» التي كتبها الشاعر الأرميني واديك إسهاكيان، وتناول فيها كتاب المعرّي الشهير «رسالة الغفران» وترجمها لاحقاً إلى العربية العلّامة السوري خير الدين الأسدي عام 1948 بمساعدة بارسيخ تشاتويان.

وتلفت آريسيان إلى أن الاهتمام باللغة العربية وصل إلى حدّ ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الأرمينية للتعرّف إلى كنوز الحضارة العربية ـ الإسلامية، مبيّنة أنه منذ أربعينات القرن العشرين بدأت في البلاد العربية حركة ترجمة التراث والأدب الأرمينيين إلى العربية، ودراسات تاريخ الأرمن، خصوصاً المجازر التي طاولتهم على يد العثمانيين.

وتوضح آريسيان أن حركة الترجمة بين اللغتين الأرمينية والعربية مرّت بمراحل متعدّدة ولامست عدداً من الأجناس الأدبية مثل الشعر والرواية والدراسات التاريخية، وتناولت فيها عدداً من المجالات مثل علوم النباتات والطبّ والفلك والتاريخ وغيرها، لكنها تؤكد ضرورة زيادة الاهتمام بالترجمة لأنها ركيزة مهمة في التفاعل الحضاري الأرميني ـ العربي.

وعن الصعوبات التي يلاقيها المترجم بين العربية والأرمينية تبيّن آريسيان أنها تتعلّق بالبنية اللغوية وتباعد النظام اللغوي لكلّ منهما. فعلى سبيل المثال تبدأ الجملة في اللغة الأرمينية غالباً بالفاعل، ويعدّ الفعل أهم جزء في صوغ جملها، بينما تبدأ الجملة في العربية بالفعل، وهذا يتطلّب صوغ الترجمة على نحو صحيح قواعدياً.

وتعتبر آريسيان أن الترجمة الفورية من أصعب الترجمات على الإطلاق لما تستلزم من درجة تركيز عالية ولما تتطلبه من شروط ومواصفات خاصة للمترجم، كما ترجع صعوبتها لشمولها على مراحل متعدّدة منها الاستماع والفهم والترجمة إضافة إلى السرعة في إيجاد الصيغة المناسبة للترجمة.

وردّاً على سؤال حول أهمية اللغة الأرمينية ومراحل تطوّرها، أجابت آريسيان بالقول: يمتدّ عمر هذه اللغة نحو خمسة آلاف سنة، وتعدّ فرعاً مستقلاً من عائلة اللغات الهند ـ أوروبية، ومرّت خلال هذه العصور بثلاثة أشكال، الأول اللغة القديمة وتسمّى «الكرابار»، والثاني اللغة الوسطى، والثالث اللغة الأرمينية الحديثة والتي انقسمت في القرن 17 إلى فرعين وهما الأرمينية الشرقية التي يتحدّث بها الأرمن في أرمينيا وإيران، والأرمنية الغربية ويتحدث بها الأرمن في الشتات مع فرق طفيف في قواعد الصرف والنحو.

وعن آخر المؤلفات التي ترجمتها، تكشف آريسيان أنها شملت كتاباً بعنوان «الصيارفة الأرمن في الامبراطورية العثمانية»، الذي يسلّط الضوء على أهمية الصيارفة ورجال الأعمال والتجّار الأرمن ودورهم في سلطنة بني عثمان وكيفية استيلاء هؤلاء على ممتلكاتهم والأضرار الاقتصادية التي لحقت بالشعب الأرميني في السلطنة العثمانية.

أما الكتاب الثاني الذي أنجزت ترجمته، فحمل عنوان «كوميداس والموسيقى الأرمينية»، وصدر في دمشق لمناسبة الذكرى المئوية للإبادة الأرمينية، وهو عبارة عن مجموعة من الدراسات والمقالات من كتب مختلفة تشمل حياة كوميداس ومسيرة إبداعه، هو الذي كان أحد روّاد الموسيقى الأرمن، وشاهداً عياناً على المجازر التي تعرّض لها شعبه على يد العثمانيين.

وحول انتخابها لعضوية مجلس الشعب للدور التشريعي الثاني ترى آريسيان أنّ من واجبها الوقوف مع زملائها الكتّاب والعاملين في الشؤون: الثقافي والتربوي والتعليمي، لتعزيز أعمالهم ورفع المستويين الثقافي والتعليمي في سورية من خلال خطوات تشريعية عدّة واقتراح مشاريع قرارات تتعلق بقضايا ثقافية على رأسها رفع تعرفة كل أنواع الترجمة والكتابة، وإعلاء شأن الترجمة في سورية لما لها من دور مهمّ في التنمية الوطنية.

وختمت آريسيان حديثها بتأكيد ضرورة أن تشغل الثقافة حيّزاً واسعاً في مرحلة الإعمار القادمة، ومن أجل سورية المتعافية ينبغي أن نسعى جاهدين إلى فتح المجال أمام الإعمار الثقافي الذي يركز على الطفل والشباب في مناحي الثقافة السورية كلّها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى