نماذج وحقائق عن زيارات «الإسرائيليين» السرية إلى السعودية صانعو القرار في «إسرائيل» طالما أدركوا أنّ السعودية دولة تخدم مصالحهم

د. رفعت سيد أحمد

إعتادت الصحافة الأجنبية في كل فترة، أن تشير إلى آخر التطورات التي طرأت على العلاقة بين الكيان الصهيوني والنظام السعودي. وقد رصدت تلك الصحافة زيارات العديد من الإعلاميين والسياسيين الصهاينة إلى الرياض، إما بجواز سفرهم «ألإسرائيلي»، أو بجواز سفر غربي. ولدينا قائمة بقرابة ستين شخصية إعلامية وسياسية واقتصادية «إسرائيلية» زارت مملكة آل سعود حتى يومنا هذا 2016 ، ولنأخذ بعضها: شهد شهر يناير- كانون الثاني 2008 زيارة مراسلة صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى السعودية. وأشارت الصحيفة الصهيونية في صفحتها الأولى يوم 15/1/2008 إلى أن مراسلتها أورلي أزولاي، دخلت إلى العربية السعودية ضمن حاشية الرئيس الأميركي. وتحت عنوان «إسرائيلية في أرض الإسلام»، نشرت الصحيفة «الإسرائيلية» صورة لمراسلتها في العربية السعودية، وقد كتب على اللافتة القريبة منها «صحيفة يديعوت أحرونوت». وقالت الصحافية «الإسرائيلية» إنه بعد وصول الطائرة إلى مطار الرياض الدولي، قام ممثل وزارة الإعلام السعودية بمنحها بطاقة الصحافة السعودية الرسمية، لافتة إلى أنها إفتتحت مكتبا مؤقتا للصحيفة «الإسرائيلية» في العاصمة السعودية. ولفتت الصحافية أيضا، في تقريرها الذي وصل مباشرة من الرياض، إلى أنها فوجئت عندما وصلت إلى غرفة الصحافة وشاهدت لافتة كتب عليها باللغة الإنجليزية «صحيفة يديعوت أحرونوت»، مؤكدة أن جميع هذه الإجراءات تمت بعلم وبموافقة من السلطات الرسمية في المملكة.

ترحيب وظهور تلفزيوني

أضافت أورلي أزولاي قائلة: إنّ النبأ عن وصول صحافية «إسرائيلية» إلى الرياض، أثار الفضول لدى الجميع في المكان. وبعد مرور فترة قصيرة من الزمن، وصل إلى المكان ثلاثة مندوبين من التلفزيون السعودي الرسمي، وطلبوا منها أن توافق على المشاركة في برنامج سياسي وببث حي ومباشر في التلفزيون ووافقت على ذلك، وتم تقديم الحلقة بمشاركتها.

وأكدت الصحافية «الاسرائيلية» أن ممثل وزارة الإعلام السعودية كان في انتظارها في بهو الفندق، وقال لها أنه يأمل أن يتم السلام هذه المرة بين «إسرائيل» وجميع الدول العربية.

وأكدت أنّ المسؤول السعودي إهتم جداً بالوضع الصحي لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» السابق أرييل شارون، وسألها لماذا توقفت الصحافة «الإسرائيلية» عن متابعة أخباره الصحية.

ضمن حاشية بان كي مون

وقالت الصحافية أيضا، أنها زارت العربية السعودية قبل حوالى عشرة أشهر برفقة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لكن خلافا للمرة السابقة، أكدت أنّ الأمور جرت هذه المرة بشكل عادي، وأن الحديث مع المسؤولين السعوديين تم على مرأى ومسمع جميع من تواجد في بهو الفندق وفي مكتب الصحافة، مشيرة إلى أنها في المرة السابقة أخفت حقيقة كونها «إسرائيلية»، لكي لا تزعج السعوديين.

وتابعت قائلة، أنها تلقت تعليمات من مسؤوليها بأنه يتحتم عليها وضع غطاء للرأس فيما إذا أرادت الخروج، وفعلاً خرجت إلى نزهة في العاصمة وكتبت عن إنطباعاتها لافتة إلى إن السعوديين كانوا على درجة عالية من الغضب، بسبب الحراسة الأمنية المشددة من قبل قوات الأمن خلال زيارة الرئيس بوش.

كما عبرت عن إستيائها من أن المطاعم السعودية لا تسمح للمرأة وللرجل الغريب أن يجلسا سوياً. وأشارت إلى أنها إضطرت إلى ترك مطعم «ماكدونالدز» في العاصمة لأنها، على حد تعبيرها، رفضت أن تراقب مشهد قيام إمرأتين سعوديتين بأكل «الساندويتشات» بصعوبة، بسبب الحجاب!

المفتي وحاخامات

ولم تمض سوى شهور قليلة حتى خرجت وسائل إعلام «إسرائيلية» تتحدث في نهاية مارس- آذار 2008 عن دعوة مفتي السعودية، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، مجموعة من رجال الدين الإسرائيليين «الحاخامات» للمشاركة في مؤتمر مصالحة ديني سيعقد في الرياض، ويجمع شخصيات دينية كبيرة من الديانات السماوية الثلاث.. وإتصل المفتي السعودي هاتفيا بممثل جمعية الصداقة الإسرائيلية- العربية أهارون عفروني ووجه له هذه الدعوة.

لقاءات الجبير

وإذا استعرضنا اللقاءات السرية التي تمت بين «الإسرائيليين وحكام المملكة السعودية خلال السنوات الأخيرة، سنجد تاريخا حافلا من اللقاءات بين الكيان السعودي و«إسرائيل». فخلال شهر مارس-آذار 2007 رددت وسائل الإعلام نبأ اللقاء الذي جمع بين عادل الجبير – سفير السعودية الجديد في واشنطن، آنذاك وزير خارجية السعودية اليوم 2016 مع نائب وزير الدفاع الإسرائيلي، إفرايم سنيه، ضمن لقاءات ثلاثية منفصلة سعودية وأميركية وإسرائيلية حول «مبادرة السلام» مع «إسرائيل» التي طرحتها المملكة، وذلك قبيل إنعقاد القمة العربية. وبينما سارعت الرياض، كعادتها، إلى نفي الخبر رسمياً، قائلة إن تلك التقارير: «لا أساس لها من الصحة»، أكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت»: أن رواق «ديفيد وولش» – رئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية – جمع الرجلين وتبادلا الحديث معاً. وحسب الصحيفة: توجه سنيه إلى الجبير – الذي يعد من أشد المقربين للملك السعودي – وصافحه قائلاً: «أنا سعيد بلقائك وجهاً لوجه، ماذا يحدث من المشاكل في منطقتنا؟». وأجاب الجبير: «آمل أن نصعد في الأسابيع المقبلة إلى مسار إيجابي».

ولم يكن هذا اللقاء هو باكورة التلاقي السعودي بالإسرائيليين، بل سبقته لقاءات عدة، ففي يناير- كانون الثاني 2007، حضر الأمير تركي الفيصل حفل استقبال في واشنطن برعاية المنظمات اليهودية الأميركية. وكان ظهور الدبلوماسي السعودي حدثا غير مسبوق، بحسب وصف «ويليام داروف» مدير مكتب واشنطن للتجمعات اليهودية المتحدة، الذي نظّم الحفل طبعاً هذا الأمير لايزال يمارس دوره ووظيفته التطبيعية حتى اليوم 2016 وإن بأشكال أخرى أكثر فجوراً .

بندر وأولمرت وملك الأردن

وفي سبتمبر/ أيلول 2006، أفاضت الصحف العربية والأجنبية في الحديث عن اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي، أيهود أولمرت، ومستشار الأمن القومي السعودي، آنذاك، بندر بن سلطان، في العاصمة الأردنية، كجزء من جهود جورج بوش لدعم أولمرت بعد كارثة هزيمة «إسرائيل» في حربها أمام «حزب الله». وبحسب دانيال آيالون، السفير «الإسرائيلي» السابق في واشنطن: «فإنه اللقاء السعودي «الإسرائيلي» الأعلى مستوى، حسب علمه».

وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» نشرت تفاصيل اللقاء، الذي تنفيه السعودية، بين أولمرت وبندر بن سلطان. وكتب المحلل السياسي «الإسرائيلي» الشهير شمعون شيفر في عدد الخميس 28/9/2006 من صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن لقاء أولمرت بالمسؤولين السعوديين تم في العاصمة الأردنية عمّان، بحضور العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. وأضافت الصحيفة قائلة: إن رئيس «الموساد» الجنرال المتقاعد مئير داغان، هو الذي قام بترتيب اللقاء بالتنسيق مع العاهل الأردني.

التآمر على إيران والفلسطينيين

وبعد موافقة الشخصية السعودية وهي هنا الأمير بندر بن سلطان على اللقاء، قام مساعدو أولمرت بوضع اللمسات الأخيرة على أجندة اللقاء، وبعد مرور أيام عدة، أكد الصحافي «الإسرائيلي» الذي إعتمد على مصادر رفيعة المستوى في «تل أبيب»، أنه تم إيقاظ أولمرت من نومه في ساعة متأخرة من الليل، وعلى الفور تم نقله إلى أحد المطارات العسكرية «الإسرائيلية»، ومن هناك قامت مروحية عسكرية تابعة لسلاح الطيران «الإسرائيلي» بنقله الى العاصمة الأردنية عمّان، برفقة مدير مكتبه يورام توربوفيتش والملحق العسكري الجنرال غادي شامني ورئيس «الموساد». وعندما حطت الطائرة في عمّان، كان العاهل الأردني الملك عبد الله في انتظار الوفد «الإسرائيلي» الرفيع المستوى، ومن هناك تم الانتقال، بسرية كاملة، إلى أحد القصور التابعة للملك الأردني. وأضافت «يديعوت أحرونوت»: بعد مرور ساعة من الزمن، بدأ اللقاء، الذي حضره قياديون سعوديون من العائلة المالكة، وتناول الجميع وجبة عشاء فاخرة.

وخلال اللقاء، الذي إستغرق ساعات عدة، جرى تناول، خصوصاً، الأخطار الناجمة عن محاولة إيران إمتلاك سلاح نووي وإنتشار الإرهاب الشيعي في المنطقة.

وتابعت «يديعوت أحرونوت»: إن أولمرت ومحادثيه السعوديين، الذين لم تكشف أسماءهم، إتفقوا، على ما يبدو، على مواصلة التعاون بين أجهزة الإستخبارات بشأن البرنامج النووي الإيراني. وذكرت أن أولمرت قال، خلال اللقاء، انه لن يقوم بأي تحرك طالما أن حركة «حماس» هي على رأس الحكومة الفلسطينية، وطالما لم يتم الإفراج عن الجندي جلعاد شليط، الذي أسرته مجموعات فلسطينية في حزيران يونيو 2006 على حدود قطاع غزة. وتم الإتفاق، أثناء اللقاء، على أن مواصلة حركة «حماس» التمسك بزمام الامور في السلطة الوطنية الفلسطينية، لا يصب في مصلحة الشعب الفلسطيني. ووافق الملك الأردني على طرح أولمرت، الذي أضاف أنه على استعداد لمكافأة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن ، وإطلاق سراح أكثر من ألف أسير فلسطيني من السجون الإسرائيلية، مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المأسور جلعاد شليط.

رايس و«الاعتدال العربي»

أضاف الصحافي «الإسرائيلي»: خلال اللقاء تم طرح قضية الملف النووي الإيراني، ووافق أولمرت على طلب وزيرة الخارجية الأميركية وقتذاك كوندوليزا رايس، بضرورة تشكيل جبهة من الدول العربية المعتدلة لمواجهة إيران وسورية و«حزب الله»، لافتا إلى أن الأميركيين كانوا على علم بالمفاوضات السرية الجارية بين «إسرائيل» وبين المملكة العربية السعودية، وأنها قامت بتشجيع الطرفين على مواصلة الحوار بينهما.

ولفت كاتب المقال، شمعون شيفر، إلى أنه خلال فترة رئاسة داغان لـ«الموساد» توثقت العلاقات بين «إسرائيل» ودول عربية عدة في المنطقة، على رأسها السعودية وبصورة كبيرة جدا.

وقالت الصحيفة «الإسرائيلية» أن رئيس «الموساد» داغان يفتخر أمام الزائرين الأجانب، الذين يصلون إلى مكتبه، في مركز الدولة العبرية، بالهدايا التي تلقاها من الزعماء العرب. مضيفة، أنه منذ تسلمه منصبه، تمكن «الموساد» من إختراق العديد من الدول العربية. وأكدت الصحيفة أن الملوك والرؤساء العرب قاموا بتقديم الكثير من الهدايا له، وأكثرها كان عبارة عن سيوف مرصعة بالذهب والأحجار الكريمة.

وخلص شيفر إلى القول، أنه ليس معلوما شكل الهدايا التي تبادلها أولمرت والمسؤولين السعوديين في اللقاء الليلي السري، لكن وفقا لمصادر سياسية رفيعة جدا، فإن رئيس الوزراء أولمرت عاد إلى البلاد فجراً متشجعا للغاية من نتائج اللقاء.

الجبير واللوبي اليهودي

وكان أولمرت لمّح في حديث إلى الإذاعة العامة، الخميس 28/9/2006، إلى انه التقى أخيراً فرداً في العائلة الحاكمة السعودية. وردا على سؤال لصحافيين عن اللقاء الذي أشارت إليه الصحف «الإسرائيلية»، قال أولمرت: لنقل، في هذا الشأن، أننا قررنا أن أصدر نفيا، لكنكم لستم مضطرين لتصديقه. وأضاف، في شأن المواضيع الأخرى: عليكم تصديق كل نفي أصدره.

وفي أعقاب هجمات 11 من سبتمبر أيلول 2001، سعى عادل الجبير – الذي كان يعمل بالخارجية آنذاك – إلى تنظيم رحلة لوفد من اليهود الأميركيين الأعضاء في الكونغرس، إلى الأراضي السعودية، حتى تتوقف هجمات «اللوبي اليهودي» ضد المملكة على خلفية الهجمات، ونجح الجبير – بحسب «جيروزاليم بوست» – في إقناع الملك عبد الله، بتوجيه الدعوة لتوماس فريدمان – الرئيس السابق لقسم الشرق الأوسط بـ «الواشنطن بوست» ورئيس مكتبها في «إسرائيل» لعشر سنوات – بزيارة السعودية لإجراء مقابلة صحافية مع ولي العهد السعودي آنذاك.

وفي هذه المقابلة طرح الأمير وقتها – عبد الله، على فريدمان – كسبق صحافي – المبادرة السعودية التي تحدثت لأول مرة عن الاعتراف بـ«إسرائيل» وتبادل العلاقات الدبلوماسية وتطبيع العلاقات معها، بشرط إنسحابها إلى حدود 5 يونيو عام 1967. وهي المبادرة التي تم إقرارها بقمة بيروت عام 2002، لتصبح المبادرة العربية للسلام مع «إسرائيل». وبسبب ما تمتع به الجبير من قدرة في العلاقات العامة، أوكلت إليه مهمة الاتصال بالجماعات اليهودية و«الإسرائيلية» والتنسيق معها. وحول هذا الدور قالت صحيفة «جيروزاليم بوست»: إن الجبير ظل – منذ بداية التسعينات – على إتصال وتنسيق مع الجماعات اليهودية، بما فيها منظمة اللوبي اليهودي الأميركي «إيباك»، وسبق أن التقى «يوسي بيلين» حينما كان وزيراً في حكومة العمل الإسرائيلية.

«عناق استراتيجي»

وعلى صعيد متصل، نشرت مجلة «نيويوركر» في 5/3/2007، تقريراً لسيمور هيرش، تحت عنوان «إعادة التوجيه» أماط فيه الصحافي الشهير اللثام عن خفايا الاستراتيجية الأميركية في المنطقة الأشد التهاباً في العالم، وطبيعة المهمات التي تضطلع بها حكومات عربية حليفة لواشنطن، وعلاقتها بالدولة العبرية، سنقتطف منه فقرات متعلّقة بالسعودية، حيث يقول: إن التحول في السياسة دفع السعودية و«إسرائيل» إلى ما يشبه «العناق الاستراتيجي الجديد»، لاسيما أن كلا البلدين ينظران إلى إيران على أنها تهديد وجودي. وقد دخلوا السعوديون والإسرائيليون في محادثات مباشرة.

يضيف: يعتقد السعوديون أن إستقراراً أوسع في «إسرائيل» وفلسطين سيعطي لإيران نفوذاً أقل في المنطقة. ومن ثم أصبحوا أكثر تدخلاً في المفاوضات العربية- «الإسرائيلية». وخلال العام 2007، توصل السعوديون و«الإسرائيليون» وإدارة بوش إلى سلسلة من الاتفاقات – غير الرسمية – حول توجههم الإستراتيجي الجديد، وقد شمل هذا الأمر عناصر أهمها: طمأنة «إسرائيل» إلى أن أمنها هو الأمر الأسمى، وأن واشنطن والسعودية والدول الخليجية الأخرى تشاركها قلقها حول إيران.

بدأت الرياض إتصالاتها مع «الإسرائيليين» والجمعيات اليهودية المؤيّدة للدولة الصهيونية في الولايات المتحدة، منذ أكثر من عقد، وهو تقارب حظي بمباركة الإدارة الأميركية على طول الخط، لكنه لم يكن علنياً، بل ظل مقتصراً على القنوات الدبلوماسية المفتوحة بين الجهتين، وكان مهندس هذه القنوات الأمير بندر بن سلطان – السفير السعودي الأسبق لدى واشنطن ـ الذي اعتبرته الصحف الإسرائيلية «صلة الوصل بين الدولة الصهيونية وجيرانها».

وكان لبندر إتصالاته القديمة مع «الإسرائيليين»، وفي ذلك يقدّم الكاتب الأميركي nospmiS mailliW – كاتب سيرة حياة الأمير السعودي – تلميحات إلى الطريقة التي أسس بها بندر روابطه مع «الإسرائيليين».

شراء أسلحة «إسرائيلية»

ويرى الصحافي «الإسرائيلي» ستيف رودان في «الجيروزاليم بوست» في 17/9/1994 «أن حرب الخليج عام 1991 شكلت منعطفا هاما بالنسبة لصناعات «إسرائيل» العسكرية، لأنها مكّنتها من بيع الأسلحة «الإسرائيلية على نطاق واسع للولايات المتحدة وحلفائها العرب، فمثلا إشترت السعودية منها منصات إطلاق صواريخ «توماهوك»، وقذائف مضادة للدروع، وطائرات إستطلاع من دون طيار، وأجهزة ملاحة، فضلا عن 14 جسرا عسكريا صنّعتها شركة «تاس» الإسرائيلية، سعر الجسر الواحد مليون دولار». ويضيف الخبيران الأمنيّان ميلمان- رافيف : «أن «إسرائيل» شحنت للسعودية مناظير للرؤية الليلية ومعدات لزرع الألغام. وقد أمرالجنرال شوارتزكوف، قائد قوات التحالف الغربي ضد العراق، بإزالة جميع الكتابات العبرية المنقوشة على الأسلحة حتى لا يكتشف أحد منشأها».

العلاقات السعودية «الإسرائيلية» قديمة، والتنسيق بينهما موجود منذ الستينيات الميلادية، أي منذ حرب اليمن حسب الوثيقة على الأقل. ففي تلك الفترة رأت السعودية و«إسرائيل» مصلحة مشتركة بينهما في إشغال عبد الناصر وإضعافه، وهو ما حدث في نكسة 1967.

يمكن إعتبار حرب اليمن بداية الانطلاقة في العلاقة بين «إسرائيل» والسعودية، فلأول مرة يتلقي مسؤولو البلدين اتصالاً رسمياً عبر جوليان إيمري، عضو مجلس العموم البريطاني، من المحافظين الحاقدين على مصر، وعبر الوزير دنكان سانديز. إيمري ذكر في كتابه: «الصراع على اليمن» أنه أخبر الملك فيصل بأن نجاح عبد الناصر في اليمن يمثل خطراً على الاحتياطات النفطية وينذر بالشر، ولذا على جميع الأطراف مقاومته. وقال بأنه هو الذي اقترح على فيصل جعل اليمن مصيدة لعبد الناصر، كي تستنزفه في حرب أهلية. وهذا يتطلب تشكيل إطار سياسي لمواجهة الناصرية، من خلال إعطاء دور لـ«إسرائيل» وتخفيف العداء السعودي – الهاشمي، وهو ما تمّ فعلاً.

مشاركة في حرب اليمن

ونقلت صحيفة سلاح الجو «الإسرائيلي» في عددها الصادر في مايو-أيار 2008 عن طيارين «إسرائيليين» مشاركتهم في مساعدة القوات الموالية لنظام الإمام البدر، أثناء تصديها للجيش المصري الذي أُرسل إلى اليمن لدعم الثورة في ستينيات القرن الماضي. ووفقا للصحيفة، فإن الطيران «الإسرائيلي» نفذ عددا من الطلعات الجوية فوق اليمن، أسقط أثناءها السلاح والعتاد للقوات الموالية للإمام البدر في عملية أعطيت اسم «صلصة».

الصحيفة كشفت كذلك، عن قيام سلاح الجو «الإسرائيلي» بتنفيذ 14 طلعة جوية، أسقط أثناءها الأسلحة والعتاد العسكري والأغذية والمواد الطبية لمساعدة القوات الموالية للإمام البدر – آخر أئمة اليمن- في حربه ضد الجيش المصري وقوات الثوار اليمنيين.

كما كشفت الصحيفة وثائق سرية عن تلك العمليات، وصورا لبعض الطيارين «الإسرائيليين»، إضافة إلى نشرها صورا لبعض من أسمتهم موالين للأمام البدر وبحوزتهم السلاح الإسرائيلي .

ويقر إيمري في كتابه، بأن عدنان خاشقجي – الذي أصبح مقرّباً من فهد – أنه كان قبل ذلك التاريخ على علاقة مع «الإسرائيليين» قبل أن تتضح العلاقة تماماً في السبعينيات والثمانينيات الميلادية. وأنه هو الذي وفر ميزانية لشراء أسلحة وإستقدام مرتزقة «إسرائيليين» وبريطانيين وفرنسيين وبلجيكيين وجنوب إفريقيين، تم إرسالهم لليمن لدعم وتسليح القبائل اليمنية الموالية للسعودية والملكيين المناهضة لعبد الناصر. ولكي يتم التواصل بشكل مستمر، افتتح مكتب ارتباط سعودي ـ «إسرائيلي» في بيروت تحت غطاء تجاري.

علاقات قديمة وحميمة

وتشير العديد من الوثائق «الإسرائيلية» إلى عمق العلاقات «الإسرائيلية» السعودية، التي وصفت بأنها علاقات سياسية وإستراتيجية حقيقية مدعمة بالعديد من الشهادات «الإسرائيلية» التي يمكن أن نشير إلى نماذج منها:

– كتب «هيرش جودمان» مقالاً في صحيفة «الجيروزاليم بوست» في 12/10/1980 يقول فيها أن هناك تفاهما واضحا في العلاقات السعودية «الإسرائيلية، خصوصاً في الفترة بين عامي 1967- 1973 يتعلق بإدراك آل سعود في الفترة أنه إذا تحرشت مصر بالمملكة السعودية، القليلة السكان والمتخمة بالمال والمؤيدة للغرب بشدة، فإن حكام السعودية يعرفون أن «إسرائيل» ستتدخل للدفاع عنهم لحماية المصالح الغربية.

وفي مايو 1994 نشر خبيرا شؤون المخابرات يوسي ميلمان ودان رافيف بحثاً بعنوان «الأصدقاء بالأفعال» أسرار التحالف «الإسرائيلي» السعودي جاء فيه: «كان السعوديون رسمياً وعلنياً في حالة حرب ظاهرية مع «إسرائيل»، إلا أن صانعي القرار في «إسرائيل» كانوا يدركون أن المملكة السعودية دولة تخدم مصالح «إسرائيل» وأن التنسيق بين آل سعود و«إسرائيل» يكون دوماً على أعلى المستويات. وأن السعودية، رغم استخدامها الخطاب المعادي لـ «إسرائيل» كانت على اتصال مستمر معها، ففي حقل المخابرات التقى ضباط العمليات في المخابرات «الإسرائيلية» الموساد مع ضباط أمن ومخابرات الأسرة المالكة السعودية مرات كثيرة، وتبادلوا وجهات النظر حول الطرق الواجب تطبيقها لإضعاف القوى القومية والتقدمية في المنطقة العربية. أما المخابرات المركزية الأميركية فكانت دوماً على علم بالاتصالات السرية السعودية «الإسرائيلية» وشجعتها باستمرار.

– ذكر الباحث الكساندر بلاي، من معهد ترومان، في مقال كتبه في مجلة العلوم السياسية الفصليـة «جيروزاليم كوارترلي»، تحــت عنــوان: «نحو تعايش إسرائيلي سعودي سلمي»، أن المملكة السعودية و«إسرائيل» قامتا ببناء علاقة حميمة، وكانتا على إتصال مستمر في أعقاب حدوث ثورة اليمن عام 1962، بهدف، ما اسماه، «منع عدوهما المشترك» – أي عبد الناصر- من تسجيل إنتصار عسكري في الجزيرة العربية. وقال في موضع آخر، أنه أجرى مقابلة مع السفير «الإسرائيلي» السابق في لندن آهارون ريميز 1970-1965 ، الذي أعلمه أن الملك سعود والملك فيصل كانا على علاقة حميمة مع «إسرائيل» وعلى اتصال وثيق معها.

– أثناء مؤتمر عقد في واشنطن في عام 1978 يتعلق ببحث التوازن الاستراتيجي في الشرق الأوسط، قال أحد الخبراء العسكريين «الإسرائيليين» أنه حدثت، خلال الخمسة عشر عاماً المنصرمة، ثلاث محاولات، على الأقل، للإطاحة بالعرش السعودي عن طريق اغتيال الملك ونحن على دراية بأن المخابرات «الإسرائيلية» تدخلت وأحبطت محاولتين منها، لإدراك «الإسرائيليين» لأهمية الحفاظ على نظام آل سعود في المنطقة، خدمة للأهداف الاستراتيجية «الإسرائيلية».

وأوضح هذا الخبير الاستراتيجي «الإسرائيلي» أن صحيفة «دافار» نشرت في العام 1978 ما يعزز قوله، مشيراً إلى أن عدداً من مقربي شمعون بيريز اجتمعوا مع إثنين من المبعوثين السعوديين، وقدم «الإسرائيليون» معلومات حول مخطط لاغتيال عدد من أفراد الأسرة السعودية المالكة، مقابل تقديم النظام السعودي خدمات جليلة لـ«إسرائيل» لم يفصح عنها.

– ذكر الباحث صموئيل سيفاف في كتابه «الوثائق السرية الإسرائيلية» أن النظام السعودي أعلم المسؤولين «الإسرائيليين» تقارير إستخباراتية دورية عن الأوضاع في الشرق الأوسط وتحليلها وتقييمها.

وذكر الباحث نفسه، أن الخاشقجي التقى مع مبعوث لبيريز، في لندن، في العام 1983 بحضور روبرت ماكفرلين، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس ريغان. وقدم الخاشقجي تقريراً سرياً مؤلفاً من 47 صفحة للحكومة «الإسرائيلية» يحتوي على تفاصيل دقيقة لأوضاع المنطقة. واقترح، في تقريره، إنشاء برنامج تطوير اقتصادي للشرق الأوسط يشبه خطة «مارشال». واقترح أن تدفع الولايات المتحدة والمملكة السعودية والكويت مبلغاً وقدره 300 مليار دولار للاستثمار في «إسرائيل» والدول العربية التي تقبل عقد سلام معها.

تنفيذ مطالب «إسرائيل»

ولأن تاريخ العشق التطبيعى بين أولاد العم آل سعود والصهاينة قديم ومتنوع المجالات والجغرافيا، فقد ذكرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية بتاريخ 19/11/1991 أن السفير السعودي الأسبق في واشنطن الأمير بندر بن سلطان، التقى مجموعة من زعماء الجالية اليهودية في نيويورك، في منزل المليونير اليهودي تسفي شلوم. وفيه أكد السفير السعودي أن الرياض ليست لديها تحفظات على سياسة «إسرائيل» في المنطقة. مشيراً إلى أن هذه السياسة تخدم تماماً، توجهات النظام السعودي، وأن بندر نفسه، أشرف على ترتيب زيارة سرية لوفد من أنشط عناصر الحركة الصهيونية إلى المملكة السعودية في العام نفسه… وقد ترأس الوفد «الإسرائيلي» ديفيد كمحي. وتقدم الوفد مطالب عدة هي: الضغط على الدول العربية للتعجيل بإلغاء المقاطعة العربية، قطع المساعدات المالية عن الانتفاضة الفلسطينية، العمل من خلال أصدقاء المملكة على وقف العمليات العسكرية في لبنان.

الخبير العسكري «الإسرائيلي» هيرش جودفان، كتب لـ «الجيروزاليم بوست» 12/10/1980 إن تفاهماً غير مكتوب أبرم بين «إسرائيل» والسعودية، في الفترة الواقعة بين النكسة وحرب أكتوبر 1967-1973، يتيح لـ«إسرائيل» التدخل مباشرة وبالنيابة عن أميركا والسعودية، لصالح الأخيرة، في حال قررت مصر التحرّش بالسعودية المتخمة بالمال والمؤيدة من قبل الغرب. ويرى باحثون «إسرائيليون» بأن «إسرائيل» أنقذت السعودية مرتين: الأولى في بداية الستينيات من خلال مساهمة «إسرائيل» في حرب اليمن ضد عبد الناصر، والثانية عام 1967 حين قامت «إسرائيل» باحتلال سيناء وتكسير الجيش المصري. ويرى الباحث الكساندر بلاي، أن السعودية و«إسرائيل» أقامتا علاقة حميمة واتصالات قوية أخذت طابع الاستمرارية بعد حرب اليمن، وكان الهدف المشترك هو منع عبد الناصر من اختراق الجزيرة العربية عسكرياً. وأكد بلاي بأن السفير «الإسرائيلي» السابق في لندن بين عامي 1965-1970 أهارون يميز، أبلغه بعمق العلاقة التي أقامها الملكان سعود وفيصل مع «الإسرائيليين» في مواجهة العدو المصري، وهو أمرٌ أعاد تأكيده فرد هاليداي في كتابه « الجزيرة العربية بلا سلاطين «، حيث أشار إلى أن فيصل طلب من «إسرائيل» التدخل لحمايته من عبد الناصر، وأن الأخيرة شحنت كميات كبيرة من الأسلحة، مستخدمة طائرات بريطانية وألقتها من الجو فوق مناطق نفوذ القبائل الداعمة للملكية اليمنية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى