الجزائر النظام بمواجهة الفوضى البناءة

بلال شرارة

فيما تستعدّ الجزائر، بلد المليون ونصف المليون شهيد، للاحتفال بالعيد 62 للاستقلال على وقع عمليات الجيش في ولاية سظيف لجعلها نظيفة من العناصر الإرهابية، وفيما يرفع الجيش الجزائري درجة استنفاره لمنع تهديد بلاده انطلاقاً من الجوار الليبي وتحوّل المسألة الليبية الى مسألة عابرة لحدوده.

فيما كلّ ذلك يبرز الفتور في العلاقات الجزائرية – الأوروبية على خلفية تقرير أوروبي يشترط لتحسين العلاقات المشتركة إحداث تغيير في رأس النظام.

إحدى الصحف الأوروبية كانت قد نقلت عن مسؤول أوروبي إشارات الى ما وصف بعقبات سياسية أمام تطوير علاقة الاتحاد الأوروبي بالجزائر، ووضع هذا المسؤول عامل تغيير النظام ورحيل الرئيس بوتفليقة وحكومته كشرط لتحقيق هذا التقدّم.

يتّضح مما تقدّم أنّ أوروبا لا تريد الإقرار بأنّ استمرار تدخلاتها في شؤون بلداننا، شكّلت أحد الأسباب الأساسية للحروب الدموية الجارية، بقصد فرض التغيير السياسي بالقوة دون الاقتناع بأنّ فرص التغيير بالقوة أو منع التغيير بالقوة ثبت أنه أمر مستحيل، وأنّ الاستثمار يجب أن يكون على التربية على الديمقراطية لضمان صياغة ديمقراطيات مصنوعة وطنياً.

وقد أثبتت التدخلات الغربية في ليبيا مثلاً ومحاولة احتواء ثورة الشعب الليبي على نظام القذافي البائد دون استصدار قرار دولي، أنّ هذه التدخلات رغم أنها عجلت في رحيل ذلك النظام، إلا أنها، ورغم المحاولات الليبية لإنتاج النظام البديل خلفت فوضى عارمة مكّنت الإرهاب من التغلغل الى قلب البلاد والنظام والسيطرة على عدد من المدن الرئيسية، كما وأدّت إلى انقسام السلطات التشريعية والتنفيذية وحتى الجيش وقوى الدفاع والأمن.

والتدخل الغربي اليوم في الشأن الجزائري في الوقت الذي ينتقل فيه الثقل الإرهابي نحو ليبيا ويجعل منها قاعدة ارتكاز تهدّد جواره – هذا التدخل – سوف لا يؤدّي سوى الى جعل الجزائر بطناً رخواً امام حركة الإرهاب.

أليس التوقيت الحديث الأوروبي الآن عن إحداث تغيير في بنية النظام الجزائري مريباً؟ وأنه ليس له ما يبرّره؟ أو، فالجزائريون قد بلغوا منذ نصف قرن وما يزيد بدزينة من السنوات سنّ الرشد وهم وضعوا صيغة نظامهم الراهن وهم المعنيون بتطوير نظامهم السياسي؟ الجزائر اعتقدت أنها أمِنت شرّ أوروبا عبر الحوار الجاري مع الاتحاد الأوروبي منذ تموز يوليو المنصرم لمناقشة سبل ووسائل تعزيز العلاقات الاستراتيجية على المدى الطويل. ولكن واقع الأمر هو أنّ هناك وجهة نظر لدى قوى في سلطة القرار الأوروبي تراهن على تغيير النظام أو تغيير حكومي تحت ستار أنّ ذلك من شأنه أن يؤدّي لتعزيز العلاقة الاستراتيجية وتوسيع صادرات النفط والغاز الجزائرية.

من وجهة نظرنا، فإنّ الاستراتيجية الغربية التي لم تكتف في العراق بمطاردة رأس النظام، وإنما بتفكيك الجيش، ثم باستهداف اليمن النظام كما الجيش وكذلك سورية بشكل خاص، تتبع الآن في المغرب العربي باستهداف أقوى جيوش المنطقة، أيّ الجيش الجزائري، عبر إضعاف النظام من خلفه وتجريده من الغطاء السياسي للنظام المرتكز تاريخياً على جبهة التحرير الوطني الجزائرية. ومن ثم جعل الجزائر مشرّعة أمام الفوضى وتعميم ذلك على مساحة المغرب العربي صورة طبق الأصل للوقائع في المشرق العربي .

هل تثبت الجزائر كما سورية، أنها أقوى من بعث الشك بتاريخها ومستقبلها؟ هل تسقط محاولة توتير العلاقات الجزائرية الأوروبية؟ هل يجري الانتباه إلى أنّ إلباس الجزائر لبوس استراتيجية الفوضى البناءة سيشرع بحرها أمام موجات نازحين نحو أوروبا؟ هل يثبت النظام في الجزائر أنه أقوى من مشاريع الفوضى وفتح المنطقة على المجهول؟ نحن نعتقد أنه يكفي الجزائر مليون ونصف مليون شهيد لحفظ تاريخها وصنع مستقبلها جزائرياً دون كوابيس الآخرين؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى