السعودية و«إسرائيل» كيانان نتجا عن العنف ضدّ الغير ولا يستطيعان البقاء إلا تحت مظلة الدعم والحماية الخارجية

د. رفعت سيد أحمد

تحمل دراسة الدكتورة مضاوي الرشيد، التي نشرت قبل فترة، عنوان: السعودية و«إسرائيل»: التقارب بين دول الجوار والجدار. وهذا ملخص لأبرز ما احتوته هذه الدراسة القيّمة، للباحثة المتميزة إبنة الحجاز:

ليست المصالح السياسية الآنية، فقط، هي التي تجعل التقارب السعودي «الإسرائيلي» أمراً حتميا ظهرت ملامحه في الأشهر السابقة، عندما توافق الطرفان، في رؤيتهما السياسية خلال حربي لبنان وغزة الدراسة صدرت بعد هذه الحروب ، وإشادات القيادة «الإسرائيلية» بالمواقف السعودية. وتحوّلت الفتاوى السعودية إلى مادة دسمة تستهلكها الصحافة «الإسرائيلية» وتمّ الإعلان عن لقاءات سرية بين قيادات في الدولتين تحت مظلة وسيط عربي. لهذا التقارب جذور وقواسم مشتركة تؤلف قلوب القيادات في كلّ من «إسرائيل» والسعودية. وليس قرار النظام السعودي إنشاء جدار عازل بين السعودية والعراق، إلا رمزاً لحالة التقارب الفكرية بين دولة صهيونية عنصرية، وأخرى عربية تشاركها بعض البنية الفكرية والخلفية التاريخية. هذا التقارب نابع من مشتركات تجعل الكيان «الإسرائيلي» أكثر تشابهاً مع نظيره السعودي. لهذا التقارب عدة وجوه حدّدتها الدكتورة مضاوي في ستة هي:

استغلال الدين

1 ـ قامت دولة «إسرائيل» والدولة السعودية على علاقة متشنّجة مع الدين. الاولى استغلت نصوصاً قديمة دينية في سبيل مشروع حديث طعّم بالفكر القومي الأوروبي، خصوصاً، ذلك المتصل بمفهوم الدولة وجمعها لشتات اليهود المنتشرين في العالم. وتصدّرت «إسرائيل» تمثيل هؤلاء في المركز الجغرافي الذي يحمل الرمزية الدينية، وبذلك تستطيع توحيد الصفوف. كذلك السعودية، قامت هي أيضاً على تفعيل الخطاب الديني في مشروع سياسي بحت، مستغلة بذلك رمزية الموقع الجغرافي وثقله عند المسلمين، لتكسب شرعية ولو آنية حتى يتمّ تثبيت الدولة وهيمنتها. وبعد استتباب وتوطيد المشروعين السعودي و«الإسرائيلي»، نجد أنّ الدولتين ابتعدتا عن الخطاب التأسيسي الديني، مما أدّى إلى بروز أصوات منشقة تحاول إعادة المشروع إلى جذوره الدينية، وأخرى ترفض المشروع ذاته. في «إسرائيل» تظلّ المجموعات الدينية متململة من علمانية دولة اعتبرتها، سابقاً، مثالاً حياً للمشروع اليهودي الأصلي، وكذلك السعودية، حيث نجد أنّ بدايتها تزامنت مع تعالي الأصوات المندّدة بتحوّل المشروع من مشروع ديني إلى مشروع سياسي بحت، انفصل عن خطابه التأسيسي الاول.

قواسم مشتركة

2 – تنتقل د. مضاوي الرشيد إلى القاسم المشترك الثاني بين السعودية و«إسرائيل» فتقول: قامت الدولتان على تفعيل الخلاف بين جغرافيتين: الاولى جغرافية مدعاة ومزيّفة اسمها: الداخل النقي الطاهر الذي يمثل روح المجموعة والخارج المعادي والآخر المتربص. وديمومة المشروعين «الإسرائيلي» والسعودي تعتمد علي هذا الانفصال، حيث تتكوّن نظرة للعالم وكأنه جاهز للإنقضاض على الداخل الصافي.

حدّد صفاء الداخل بمصطلحات تعتمد على انتقائية النصوص الدينية، وتفعيل نظرية الاختيار الرباني لمجموعة خارجة عن السياق التاريخي، ومختارة من قبل الإرادة الإلهية، لتفعّل دورها في العالم. النخبة اليهودية المسؤولة عن تحقيق الاختيار الرباني تجد نظيرتها في السعودية، حيث أنّ المشروع السعودي اعتمد على مفهوم الاختيار من أجل تحقيق بلورة الرسالة السماوية على الأرض وتطهيرها من الشوائب والكفر والشرك.

رسالة الدولة «الإسرائيلية» والسعودية تصبح مشروعا إلهياً يعتمد في تحقيقه على مجموعة صغيرة مكلفة ومنتقاة من بين البشر. الحلم اليهودي بالعودة الي أرض الميعاد يقابله الحلم السعودي بتنقية الاسلام من شوائب وصفت وكأنها طغت على ممارسته. مفهوم العودة الى الأرض ومفهوم العودة الى إسلام صائب، يجعلان من الدولة «الإسرائيلية» مرآة لنظيرتها السعودية والعكس صحيح. العودة ترتبط بحالة تشنّج دائمة ضدّ مخاطر وهمية ترسمها الدولتان ولا تستطيعان أن تتخلصا من نظرية الخطر المفترض والحتمي.

نظرة عنصرية مشتركة

3 – ثم يأتي العامل المشترك الثالث بين الدولتين السعودية و«إسرائيل » فتمحوره د. مضاوي الرشيد في أنه يتمثل في تقسيم الجغرافيا الى مناطق يقطنها ما يسمّونه زيفاً بـ«الطاهر» وأخرى يقطنها «المدنس» تجد تكريساً صريحاً في فكرة الجدار العازل الذي يفصل بين الجغرافيتين. «إسرائيل» تبني جداراً يفصل بين الداخل والذي يصوّر على أنه تحت التهديد والخطر، والخارج الفلسطيني مصدر الخطر. كذلك السعودية، بجدارها ذي الكلفة المرتفعة يفصل ما يصوّر على أنه الداخل السعودي الآمن والخارج العراقي الملتهب. يقلب الجداران المعادلة وبينما «إسرائيل» هي المعتدية على الفلسطيني ومصدر الخطر الأول والأخير، كذلك، السعودية، هي تاريخياً من امتدّ وتوسع في العراق عن طريق هجرات متتالية من الوسط السعودي إلى الطرف العراقي، تعود جذورها إلى مئات السنين، وارتبطت هذه الهجرات بعوامل اقتصادية تارة، وعوامل تاريخية دينية، تارة أخرى. وإنْ كان هناك خطر ما، فهو كان يأتي من الداخل السعودي وليس من العراق. تماماً، كما هي الحال في فلسطين، حيث أن اليهود أتوا من الخارج إلى الداخل الفلسطيني، ليشكلوا خطراً عليه. دول الجوار هي عادة مصدر هذا الخطر وليس المجموعات القاطنة خارج الجدار. تعزل «إسرائيل» الفلسطيني الأعزل وهي التي تقصفه يومياً، والسعودية تعزل العراق وشعبه، بينما نجد أنّ السعودي هو الذي هاجر إلى العراق حالياً طلباً للجهاد ونشر الإرهاب. والآن عام 2016 هو في سورية والعراق ومصر وليبيا لنشر الإرهاب الوهابي التكفيري الكاتب . هذا المهاجر ليس إلا أمتداداً تاريخياً لحالات هجرة سابقة استوطنت العراق وبعضها غزاه طلباً لغنيمة يفتقرها في موطنه الأصل. تاريخياً غزت قبائل نجد العراق واستقرت به، ولم يأت العراقي إلى السعودية يوماً ما، وإنْ أتى نراه وجد نفسه لاجئاً في مخيمات صحراوية نائية، يترقب عودته إلى بلاده، بعد صفقة سياسية تتمّ بين قيادات العراق السابق ونظيرتها السعودية.

4 – تنتقل د. مضاوي إلى القاسم المشترك الرابع بين حكم آل سعود وحكم «آل صهيون» فتبلوره في قولها: يتميّز الكيانان «الإسرائيلي» والسعودي بالعنصرية أولاً تجاه أطراف في داخل الكيانين، وبين الكيان نفسه ومن هو خارجه. نجد أنّ في الداخل «الإسرائيلي» تمايزاً بين اليهود أنفسهم، حيث يتصدّر يهود أوروبا المقام الأول لأنهم أصحاب المشروع منذ بدايته، ويأتي اليهود الشرقيون و«الفلاشا» وحتى الروس القادمون بعد إتمام المشروع، في مراتب متدنية. ويشكل هؤلاء حلقات بعضها يعاني من التمييز والدونية التي تعبّر عن ذاتها في الإقصاء والابتعاد عن مركز القرار السياسي والاقتصادي. ورغم محاولات «إسرائيلية» لدمج هؤلاء إلا أنّ التمايز والاقصائية لم يقض عليهما بعد بشكل تامّ. وفي الداخل السعودي نجد أيضاً، أنّ العنصرية والتمايز يلازمان تطوّر الدولة وتكريس هويتها الضيقة، حيث تستثني وتستبعد هويات هامشية أخرى لم تكن ضمن الجوقة، والتي يعتقد أنها اختيرت وأنتخبت إلهياً لبلورة المشروع الديني الأزلي.

وكما في «إسرائيل» يبقى الجدل حامياً بخصوص من هو اليهودي الحقيقي الأصلي، نجد أنّ في السعودية أيضاً، لا يصمت الجدل المختص بتعريف من هو المسلم الحقيقي، مع الاستنتاج المسبق بأنّ رعية الدولة الضيقة هي صاحبة الحق والكلمة الفصل في تحديد مواصفات هذا المسلم وخصائصه وصفاته.

كيانان صنعا بالعنف

5 – ثم تذهب د. مضاوي الرشيد إلى العامل المشترك الخامس بين دولة آل سعود ودولة اليهود الصهاينة في فلسطين، محدّد بالتقارب في الخصائص بين السعودية و«إسرائيل»، المنطلق من كون الكيانين نتجا عن العنف ضدّ الغير. قامت دولة «إسرائيل» على عنف منظم تحت مظلة ومباركة خارجية بريطانيا حتى نتجت، عن هذا العنف، حركة توسعية تستمدّ «شرعيتها» من الدين وجنودها من المستوعبين للخطاب الديني، أو الإنتهازيين الذين يقتنصون الفرص التاريخية. وكذلك كانت السعودية منذ بدايتها، دولة اعتمدت على الدعم الخارجي البريطاني والعنف المحلي، لتثبيت مشروع متلبّس بالدين، لكنه سياسي بالدرجة الأولى.

لم ينشا الكيانان عن عقد اجتماعي أو تكافؤ اقتصادي بين أطراف جغرافية متفرّقة، أو وحدة ثقافية بين هذه الأطراف، بل قام الكيانان على العنف التوسعي وبسط الهيمنة بحدّ السيف، وشرعية النص الديني المستغلّ للمشروع السياسي الآني. أسقطت أزلية النص على محركين آنيين من أجل الامتداد. أدّى هذا العنف إلى دول بلا حدود، وحتى هذه اللحظة تظلّ حدود الدولة العبرية معلقة ومبهمة، وكذلك حدود المدّ السعودي الذي انحصر جغرافياً على الأرض، إلا أنّ مشروع الهيمنة السعودية يبقى عالمياً لا يعرف مفهوم الحدود. التوسع السعودي والتغلغل في العالم العربي والإسلامي وحتى الغربي، يجعل هذا الكيان مملكة بلا حدود، والتوسع «الإسرائيلي» الجغرافي يظلّ عالقاً على مقدرة الدولة، من دون تحديد لمساره المستقبلي، لأنّ ذلك يظلّ رهينة القدرة على استعمال العنف ضدّ الغير.

الحاجة إلى الدعم الخارجي

6 – ثم تختتم المعارضة والباحثة الحجازية د. مضاوي الرشيد دراستها لكشف البعد والقاسم المشترك بين الكيانين السعودي و«الإسرائيلي»، حين تقول: يعتمد الكيانان السعودي و«الإسرائيلي» على العنصر الخارجي، ليس فقط في بداية المشروع بل من أجل استمرارية هذا المشروع. حتى هذه اللحظة لا تستطيع السعودية، أو «إسرائيل»، أن تقف على قدمين صلبيتن من دون الدعم والمساندة من الخارج. هشاشة الكيانين تتطلب العنصر الخارجي لأنهما مشروعان يتصفان بهشاشة الشرعية وتزويرها. تنبع هذه الهشاشة من تجنيد الخطاب القديم الديني في سبيل مشروع حديث لا يمتّ بصلة إلى هذا الخطاب القديم، وتنبع أيضاً، من تزوير الحقائق التاريخية وربطها بمحاولات لشرعنة العنف الموجه ضدّ الآخر. ومن دون الدعم الخارجي المعنوي والمادي والعسكري، تسقط المنظومة «الإسرائيلية» ونظيرتها السعودية ولا يبقى سوى كيانات مرتجفة تعتاش على تصوير نفسها وكأنها تكثيف لمعنى الطهر والنقاء، الذي يعاني من مخاطر أزلية وقوى شريرة تحاول النيل منه وتقويض دعائمه.

إنّ التقارب السعودي «الإسرائيلي» الحالي، الذي كشفته الزيارة الأخيرة لأنور عشقي إلى «إسرائيل»، ما هو إلا تقارب لكيانات تشترك في خصائص معينة وتؤدّي وظيفة إقليمية للغرب وأميركا بشكل واضح للعيان.

إنّ العلاقة السرية الدافئة بين السعودية و«إسرائيل»، التي قادها من قبل الملك عبدالعزيز ثم أولاده جميعاً، وتحديداً الملك فهد. ويقودها اليوم بندر بن سلطان وتركي الفيصل وأنور عشقي ومحمد بن سلمان والملك سلمان ذاته، ليست مفاجأة لأحد، فالتقارب بين الكيانين، تقارب ممتدّ منذ النشأة، وحتى الوظيفة السياسية والاقتصادية لكليهما في خدمة الاستراتيجية الأميركية في المنطقة والعالم. ولن نفاجأ غداً إذا علمنا أنّ العلم «الإسرائيلي» يرفرف فوق الرياض، وربما للأسف فوق مكة، وفقاً لشروط ما يسمّى «مبادرة السلام العربية» ذات الصناعة السعودية، التي أطلقها الملك الراحل عبد الله عام 2002، بعد أن صاغها له الكاتب اليهودي الأميركي الشهير/ توماس فريدمان. لن نفاجأ، فالأشقاء يتقاربون عادة، سراً وعلانية، حتى لو بدا نظرياً أنّ ثمة تباعداً بينهما في الرؤى والسياسات، إلاّ أنّ الواقع والتاريخ والشواهد تؤكد عكس ذلك، تؤكد الحتمية والترابط الوثيق، ولا عزاء للأمة، ومقدساتها الأسيرة في مكة والمدينة، طالما أمثال الجنرال «المطيع» أنور عشقي وأميره تركي الفيصل، ووزير خارجيته عادل الجبير، يمارسون هم وعشرات غيرهم من السعوديين – الآن وبأوامر ملكية واضحة من الملك سلمان وإبنه محمد الملك الفعلي نتيجة مرض والده بالزهايمر ها هو التطبيع العلني يطلّ برأسه بعد رحلة طويلة من الخفاء، والمداراة والكذب، لكن هل سينجح وهل سيحقق أهدافه في ضرب إيران وتفكيك مصر وسورية والعراق، عبر وكلائهم من الجماعات الوهابية المتطرفة؟ الإجابة ومن دون تفصيل منا: «لا»… لأنّ المقاومة للمشروع الصهيوني ومن يتحالف أو يطبّع معه، صارت لدى شعوب أمتنا، بمثابة «العقيدة». ومن يتنازل عن عقيدته حتما سيفشل، وسيُهزم مهما التحف بأسلحة وعباءات وأساطير كاذبة… وهذا هو المصير الحتمي للتطبيع بين آل سعود والصهاينة. إنّ لدينا العديد من الأوراق والوثائق حول هذه القضية التي نأمل أن يقدّرنا الله على إصدارها في عمل موسوعي قريباً. فقط أردنا أن نكشف الغطاء قليلاً عن هذا التاريخ المخزي لمن يدّعون حماية مقدسات المسلمين والعرب. وفي الوقت ذاته يعشقون، حتى الثمالة، قاتلي هؤلاء المسلمين والعرب! فلا نامت أعين الجبناء – المطبّعين ومن والاهم!

واللَّهُ غَالِبٌ عَلَى امْرِهِ ولَكِنَّ اكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ سورة يوسف الآية 21

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى