التيار لن ينسحب من الحكومة وعلامات «النضج» السياسي أوضح

روزانا رمَّال

يؤكد مصدر قيادي بارز في التيار الوطني الحر لـ «البناء» أنّ التيار لن ينسحب من الحكومة على خلفية الاعتراض على التمديد للأمنيين من بينهم العماد جان قهوجي الذي لا يتعاطى التيار معه بهذا الأمر على أساس «شخصي»، فالتيار حسم أمره باستحالة تخطي القانون، وهذا الأمر غير مقبول او وارد بعد الآن، لكن بالرغم من هذا ليس بوارد التيار إعطاء الفريق الآخر ذريعة كتلك التي تسلّح بها رئيس مجلس الوزراء السابق فؤاد السنيورة عام 2006 عندما استقال الوزراء الشيعة من الحكومة ولم يحرّك السنيورة «ساكناً» ولم يأبه للميثاقية او تشريح ظروفها، بل أبقى على تلك الحكومة واجتماعاتها ملبّياً الرغبة السعودية والرغبة الدولية. يؤكد المصدر انّ الرغبة السعودية تلك هي نفسها اليوم واحتمال ان تبدي الرغبة نفسها بالإبقاء على الحكومة من دون وزرائنا وارد، لهذا السبب نحن لن نهدي أحداً هذه الهدية، ولبنان لا يمكن أن يحكم وفق أهواء الدول الإقليمية المنشغلة أصلاً عنه، والتيار مستعدّ لكلّ خيارات المعركة ولكلّ حادث حديث عند تخطينا يختم مصدر التيار.

اعتراض التيار على التمديد لقهوجي ليس الأول من نوعه، بل هو الثالث خلال السنوات الماضية، واذا كان التمديد او قبول تمرير التمديد لمجلس النواب مرتين أمراً يحرج التيار الوطني الحر في معرض محاججته حول رفض فكرة التمديد لقهوجي واللواء محمد خير، فإنّ هذا الأمر يجيب عليه التيار باعتباره قانونياً لكنه غير شرعي، ايّ انّ التمديد الذي تمّ بتوقيع كلّ الأطراف والذي استوفى شروطه القانونية والميثاقية هذه المرة غير موجود في مجلس الوزراء، إذا غاب وزراء التيار عن ايّ جلسة تصويت تخصّ التمديد لقيادة الجيش.

مسألة التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي تبدو سيفاً ذا حدّين يقسم البلاد بشكل واضح تجاه أولوية عدم إرباك المؤسسة العسكرية في مثل هذه الظروف المحرجة المحيطة بلبنان، وأهمية أن لا تتعرّض قيادة الجيش لمشاكل في الوقت الراهن، وبين عدم القدرة على تقبّل فكرة تمديد ثالث بدأت معالمه تشير الى ما هو أعمق بكثير من مسألة الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخليين، فتصل الى مسألة الاحتفاظ «بالاسم « لغاية قد تكون أبعد من الحدود اللبنانية.

إيحاءات خارجية طلبت التمديد للعماد جان قهوجي، هذا ما يشير اليه مصدر سياسي مطلع لـ «البناء»، معتبراً انّ الأميركيين هم أصحاب فكرة التمديد لقائد الجيش هذه المرة ايضاً كما في المرات السابقة كلّها.

وإذا كانت هذه هي أجواء واشنطن الحالية، فإنّ هذا يعيد اللبنانيين بالذاكرة الى اهتمام إقليمي غير مسبوق بالعماد ميشال سليمان في ذلك الوقت الذي استعصى فيه على اللبنانيين انتخاب رئيس للجمهورية عام 2008، فكان طرح العماد سليمان مرتين اقتراحاً مصرياً عربياً، الأول لتعيينه قائداً للجيش، رغم ما كان يُقال عنه «كأضعف ضابط بالجيش اللبناني». وهو ما جاء على لسان نائب رئيس الحكومة ووزير الداخلية والدفاع السابق الياس المر، والثاني التوافق على اسمه رئيساً للجمهورية في الدوحة بعد معركة شارع دموية لم يعش لبنان مثلها سوى في الحرب الأهلية، والتي كادت تأخذ البلاد نحو المجهول لولا انّ التوافق قد تمّ أخيراً. وهنا فإنّ التيار الوطني الحر يجزم أنه ليس بوارد تكرار هذه الخطيئة مرة أخرى، وانه ليس بوارد الوقوع تحت ضغط تهديد «انهيار البلاد» أو «إسقاط الحكومة» وغيرها مما كان يُستعمل كفزاعة.

تجربة الرئيس ميشال سليمان وتعاطي التيار الوطني الحر معها ومسايرة حلفائها وتقبّله لظروف البلاد حينها تبدو من المحطات التي أعطت التيار درساً وافياً حول تلاعب المواقف السياسية والظروف بالأسماء والأشخاص حتى بات من منظوره مبدأ حماية حقوق اللبنانيين اولاً والمسيحيين ثانياً لا يمكن توفيره بدون رئيس قوي قادر على ضمان ذلك وفق مبادئ محدّدة.

ليس معروفاً بعد إذا كانت مساعي الرئيس تمام سلام بالتوصل لتهدئة الملف عبر مبادرة تتضمّن تعليق جلسات الحكومة إلى حين عودة وزراء التيار الوطني الحر، كرسالة طمأنة له بالتمسّك بحضوره باعتباره مكوّناً ميثاقياً في تركيبة الحكومة، ستسلك الطريق بالأيام المقبلة، حيث يُبدي التيار إيجابية تجاه الخطوة، كلّ هذا قبل أن تدخل الأمور بدوامة الحلقة المفرغة والتعطيل المقبل القادر على تفجير البلاد في لحظة إقليمية أكثر من دقيقة ينتظر لبنان تسوية ملفه فيها على نارها الحامية.

ليس معروفاً أيضاً إذا كان حزب الله سيتوجّه مع حليفه كخيار أخير نحو الشارع في حال عدم توقف الحكومة عند ما يطلبه التيار من مواقف تحفظ حقوقه المعنوية والحسية، وهنا فإنّ حساباً آخر بات ينتظر أيّ خطوة عونية مقبلة. كذلك الأمر ينسحب على تيار المردة الذي بدأ يتعايش مع حالة القطيعة مع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية التي لا يبدو أنها ستجاري عون في موضوع الشارع حالياً، فهل يتخلى التيار الوطني الحر عن فكرة الشارع بغياب حلفائه أم أنه أحد خياراته الأقوى التي يلوّح بها جدياً هذه المرة؟

تكرار قيادات التيار فكرة «عدم التساهل» في مسألة إعادة عقارب الساعة الى الوراء، وتمرير اليوم ما قد مرّر بالأمس يرفع نسبة النضج السياسي الذي يعيشه التيار اليوم، بالمقارنة مع فترة اغتيال الحريري عام 2005 وعودة عون الى لبنان حيث كانت التجربة السياسية الداخلية حديثة نسبياً للتيار الوطني الحر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى