قمة العشرين في بكين: يالطا القرن الحادي والعشرين

ناصر قنديل

– مع نهاية آب بدأت بكين باستقبال ضيوفها المشاركين في قمة العشرين التي ستفتتح يوم بعد غد السبت، وأول المغادرين أمس إلى بكين الرئيس الأميركي باراك أوباما، هناك سيكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ، ومن حولهم سيلتقي قادة دول أوروبية وأميركية وآسيوية، وستشهد القمة على هامشها قمماً ثنائية للتداول في هموم وشؤون الصراعات الكبرى التي يشهدها العالم، والتحدّي الأكبر الذي يواجهه الجميع والمتمثل بتنامي وتجذر الإرهاب، ضمن التداعيات الناجمة عن العبث الدولي والإقليمي في الحرب التي شنّت على سورية تحت شعار دعم معارضة سورية، والمعلن من اللقاءات الثنائية لقاء سيجمع الرئيس الأميركي بالرئيس التركي رجب أردوغان. والقمة تأتي في توقيت يجمع جملة استحقاقات تجعلها محطة دولية تتخطى المهمة التي تنعقد لأجلها، خصوصاً مع رواج دبلوماسية المناسبات، حيث صارت قمم الثمانية وقمم العشرين مناسبات لمشاورات تتخطى مواضيعها، ومثلها قمم التغيّر المناخي وقمم الحدّ من انتشار التسلح وسواها من المناسبات الأممية وصولاً لما تشهده أورقة الأمم المتحدة في نيويورك أثناء انعقاد الجمعية العامة، فيرتب زعماء الدول جداول القضايا والمشاورات الثنائية، لتنضج وتتبلور بصيغها النهائية قبيل انعقاد مثل هذه المناسبات، وكثيراً ما يكون قرارهم بالمشاركة في المناسبة رهن بمدى تبلور ظروف تفاهمات تستدعي حضورهم للقاء قادة آخرين. وهذا غالباً ما يحكم مشاركة الرئيسين الروسي والأميركي، اللذين أعلن مستشاروهما، أنهما سيلتقيان على هامش قمة بكين، خلافاً للتشكيك الذي كان يحكم فرضية مثل هذا اللقاء في كثير من المرات السابقة.

– منذ قمة يالطا بعد الحرب العالمية الثانية، وسمعة تقاسم النفوذ التي وسمت الدول المشاركة، خصوصاً روسيا السوفياتية وأميركا، يتفادى الزعيمان الروسي والأميركي لقاءات ثنائية تجمعهما لبحث المسائل الدولية خارج اللقاءات التي تنعقد على هوامش مناسبات أممية، علماً أنه منذ يالطا لم تتبلور فرص لقمة مشابهة لها تنضج تفاهمات قابلة للعيش لأبعد من حلحلة عقد تتسبّب بتوتر العلاقات بين موسكو وواشنطن، لفترة زمنية محدودة، فقد بقيت المسافة الفاصلة عن التفاهم الكبير تحول دون ولادته، لرهان أميركي لم يكتمل اختباراته على التفرّد بقيادة العالم بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، عاش تحوّلات بدأت من حرب يوغوسلافيا ومشروع الاتحاد الأوروبي في ولايتي عهد الرئيس الأميركي بيل كلينتون، والرهان على التقرّب من موسكو، إلى خيارات الحرب الإمبراطورية الأميركية من أفغانستان إلى العراق ومتفرّعاتها الإسرائيلية على لبنان وفلسطين، في ولايتي عهد الرئيس جورج بوش، وانتهاء برهان الفوضى والحروب الأهلية وفي قلبها مشروع العثمانية الجديدة والأخونة، تحت شعار الربيع العربي، في ولايتي عهد الرئيس باراك أوباما، ليشارف ربع قرن من الاختبارات الفاشلة للتفرّد إلى طريق مسدود، ويظهر الإرهاب كتحدّ لا يرحَم ولا يقلّ عن خطر النازية في حصيلتها، وتتدافع مواعيد استحقاقات كالانسحاب من أفغانستان وبلوغ الحرب في سورية مراحل حرجة لا تحتمل الانتظار، مع وضوح قرار روسي إيراني سوري بالحسم المنفرد إذا تعذّرت التسويات والتفاهمات وطال الانتظار.

– لا يمكن مناقشة كيفية التعامل مع الفرصة من زاوية حجم الأثمان التي يجب على الأميركي دفعها لإنجاز التفاهم، بل من زاوية الأثمان المترتبة على إضاعتها، والمشهد المعقد الذي سترثه أيّ إدارة أميركية جديدة لن تكون قادرة على دخول التفاهمات قبل سنتين، وخلال هاتين السنتين سيكون المشهد في الشرق الأوسط أصعب من التخيّل والتوقع، ومن خلاله المشهد الدموي في آسيا وأوروبا وربما في أميركا نفسها تحت ضربات الإرهاب. فالأكيد أنّ سورية لن تنتظر سنتين تحتاجهما أيّ إدارة أميركية جديدة لاستيعاب الموقف وخوض التجارب، حتى تنضج للغة التسويات والتفاهمات، فالحسم العسكري سيكون خياراً تلتزمه سورية وحليفاها إيران وحزب الله، وسيكون الحليف الروسي مضطراً للسير معهما، ولو كانت تمنياته أن تكون أميركا شريكاً معه في الحلول. وهو سبق والتزم للحلفاء بحسم الخيارات وإنهاء المهل مع نهاية تموز وحسم الموقف من خيار التفاهم مع نهاية آب، والعمليات العسكرية التي شهدتها حلب خلال شهري تموز وآب تقول إنّ الروسي لا يملك إلا مواصلة الخيار الحربي إذا ضاعت فرص التفاهم مع الأميركي، وبدأت ولاية الرئيس الحالي تتلاشى، ومعها يصير الانتظار حرب استنزاف قاتلة، والأميركي يعرف هذا جيداً ويتوقعه، ومعه يتوقع أن يكون التفاهم التركي مع روسيا وإيران، بديلاً إقليمياً يحلّ مكان التفاهم معه، على الأقلّ في فترة الضياع الرئاسي الأميركي، كما يعرف أنّ التفاهم على خارطة آسيا الجديدة كثمرة لانسحابه الذي يكتمل مطلع العام المقبل من أفغانستان، يجب أن يتمّ الآن وإلا صارت فرص التواصل الروسي الصيني الإيراني لبلورة خططهم الخاصة بآسيا هي التي ستحكم المعادلات الجيوسياسية للقارة الأهمّ في العالم، ليصير العنوان الذي يواجه الرئيس الأميركي، الاتفاق الآن أو ضاعت فرص الاتفاق. وعكس ما يتخيّل بعض المحللين باستحالة إنجاز اتفاقات كبرى من قبل رئيس يحزم حقائب الرحيل، توفر فرصة رئيس تنتهي ولايته للإدارة التي تتبلور فيها مفاصل القرار الأميركي والمستمرة مع أيّ رئيس جديد، ومعها خياراتها، الأفضل لتفاهمات ترتب أثماناً معنوية، بدلاً من مطالبة الرئيس الجديد بدفع هذه الأثمان، خصوصاً إذا كان المترتب العملي للتفاهمات تحقيق إنجازات نوعية في مجال الحرب على الإرهاب تقدم لمرشحة الحزب الحاكم للرئاسة، دفعاً وفرصاً أفضل للفوز، عادت هيلاري كلينتون تحتاجها مع الانتقادات التي تتلقاها من حملة منافسها دونالد ترامب، والتي تطال أهليتها الصحية والعقلية والأخلاقية وذمتها المالية.

– في بكين سينعقد لقاء الرئيسين بوتين وأوباما وقد أنهى الخبراء الروس والأميركيون مسودة التفاهمات، كما قال نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي ريابكوف من طهران، متحدّثاً عن قرب توصّل الخبراء الأميركيين والروس إلى تفاهم كبير يطال مدينة حلب، من ضمن تصوّر أشمل للتعاون في سورية في إطار الحرب على الإرهاب، وجاء الكلام الروسي مع إشادة وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالحوار مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. وهذا كله لا يتمّ ترفاً ولا عبثاً، ولم يتمّ من قبل كما يتهيأ ليتمّ في اليومين المقبلين، حيث التهيئة تكون قد أنجزت مع الحلفاء، روسيا توافقت على الصياغات مع سورية وإيران، وأميركا حصلت من السعودية على إطار التسوية في اليمن، وتركيا توضع في الأجواء بعد تبلور التفاهمات، وقد وضعت على رأس جسر الدور الجديد مع توليها شحن المسلحين المنضوين تحت عباءتها من مناطق سيطرة جبهة النصرة، وقامت بزجّهم في المعارك مع داعش، وعليها أن ترتضي مقايضة الأكراد مقابل تخليهم عن حلم الشريط الحدودي، بالمشاركة في جنيف، وتتقدّم صيغة داريا من المعضمية إلى حي الوعر في حمص لتقترب من أحياء حلب الشرقية، بصيغة تضمن خروج المسلحين الذين لا يرغبون بتسوية أوضاعهم مع الجيش السوري، ومعهم عائلاتهم إلى حيث تنتظر المعركة الكبرى في إدلب وريفها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى