تجاذبات فريقَي الخارجية والدفاع وكلينتون وأوباما ترجئ لقاء كيري لافروف حزب الله يقاطع جلسة الحكومة: دعوة لتصحيح الحسابات لدى مَن يريد التصعيد

كتب المحرّر السياسي

هل من صلة تربط التصعيد الداخلي الذي يبدو أنه محاولة اختبار لحزب الله وحدود المدى الذي يمكنه الذهاب إليه في مواجهة سياسية داخلية، والتصعيد الخارجي الذي بدأ بتصريح لافت لوزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر ينعى فيه فرص التوصل لتفاهم روسي أميركي حول سوريا، بعدما كانت موسكو قد أعلنت عن لقاء بين وزيري الخارجية الروسية سيرغي لافروف والأميركية جون كيري، ليضطر كيري إلى قبول الإعلان عن عدم وجود اتفاق بعد على عقد اجتماع، عبر بيان للخارجية الأميركية؟

وزير الدفاع الأميركي المنتمي للحزب الجمهوري، الذي يمثل المرشحة الرئاسية الديمقراطية هيلاري كلينتون في فريق إدارة الرئيس الديمقراطي باراك أوباما، يلعب دور الرئيس فؤاد السنيورة لبنانياً، في دفع الأمور للتصعيد، ويبدو رئيس الحكومة تمام سلام أقرب في دوره للوزير كيري، الراغب بالتفاهمات والعاجز عن أداء موجباتها، بينما تبدو موسكو التي تتعرّض للاستفزاز مرتاحة لما يجري في الميدان السوري، حيث الكلمة الفصل التي ستردع رهانات التصعيد، لأن الاستنزاف المطلوب من إطاحة التفاهمات يقوله الميدان، حيث لم يبق مجال كما تقول وقائع المواجهات لغير الفشل أمام المحاولات المتكررة خلال ثلاثة أيام من قبل جبهة النصرة والجماعات المسلحة في جبهات حلب لإحداث اي اختراق، بينما تسجل جبهات الجنوب الحلبي ومثلها ريف حماه الشمالي ومثلهما غوطة دمشق ومحاور درعا المزيد من التقدم لحساب الجيش السوري وحلفائه.

من واشنطن يهمس بعض أركان فريق كلينتون بالدعوة لتفاهم بالتقسيط والمفرق، دفعة مقابل دفعة بعد اختبار فرص الاستنزاف والتحقق من عدم جدواها، وهدف تفاهمات التقسيط تبديد الشكوك بتعاون موسكو الجدي في حملة عسكرية تحقق إنجازاً ضد داعش يمكن أن تخدم حملة كلينتون الرئاسية، والتقسيط قد يكون المخرج لضمان تقابل الدفعات المترتبة على الفريقين بموجب التفاهم إذا ثبتت لا جدوى الاستنزاف، ومعها قدرة روسيا وحلفائها على الذهاب لحسم منفرد.

بالتوازي يبدو الاختبار لحدود استعداد حزب الله في الردّ على الاستفزاز الذي يمثله القول عملياً، مع التيار الوطني الحر وبدونه سيستمر كل شيء كأن شيئاً لم يحدث بمقاطعته، رغم غياب القوات والكتائب عن الحكومة، ما يعني رسالة رئاسية لحزب الله أبعد من حدود الحكومة. فالاحتكام في المعادلات الدستورية يرسو عندها على لعبة العدد وليس التوافق السياسي، ولعبة العدد تُغري بارتكاب الحسابات الخاطئة، كما حدث مع الرئيس السنيورة يوم قرر تفكيك شبكة الاتصالات العائدة للمقاومة بوهم امتلاك العدد اللازم لاتخاذ القرار حكومياً، وخلاصة ما بلغته اتصالات الأمس فرضت الحاجة لاختبار معاكس يكشف نيات القوى على حقيقتها، فإذا كان المخرج الذي كاد يولد بتحويل الجلسة الحكومية اليوم للتداول وترك العطل والسفر يتكفلان بتعليق الاجتماعات ريثما تُنضج الاتصالات التسويات المنشودة، لم يبصر النور، رغم تأكيد وزراء حزب الله على المشاركة، وبعد مرونة اختبار النيات حول فرضية المشاركة في جلسة عادية بجدول أعمال وتساؤل عن المواضيع التي ستبحث وسماع جواب غامض، تولدت القناعة بالحاجة لمقاطعة اختبارية تكشف النيات، فإن تحولت الجلسة للتداول ظهر حسن النيات، باعتبار الغائب عنا مكون ثانٍ هام ومؤثر، إضافة للتيار الوطني الحر، وإن بحث جدول أعمال لا قضايا هامة فيه لإثبات الوجود فتح نصف باب للاتصالات، والاختبارات، وإن تحكّمت عقلية العدد، فالبلاد ذاهبة إلى مواجهة تبدو عندها قراراً أبعد من حدود السراي الحكومي وبيت الوسط.

ويبدو أنه مثلما تورّط حسابات كلينتون السعودية خارجية كيري الضعيفة تورّط حسابات السعودية اللبنانية حكومة الرئيس تمام سلام لتقودها إلى المزيد من الضعف.

حزب الله لن يشارك في الحكومة

لم تتوصل المساعي والاتصالات التي أجريت مع رئيس الحكومة تمام سلام إلى تأجيل جلسة مجلس الوزراء المقرّرة اليوم أو تمريرها بأقلّ الخسائر، وعليه قرّر حزب الله عدم المشاركة في الجلسة تضامناً مع التيار الوطني الحر، وخلافاً لما كان قد أشيع من معلومات عن تأكيد حزب الله لرئيس الحكومة مشاركة وزيريه محمد فنيش وحسين الحاج الحسن في جلسة اليوم…

… وإبراهيم في السراي والخليل في الرابية

وأشارت مصادر مطلعة لـ «البناء» الى أنّ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم دخل على خط اتصالات الأزمة في محاولة لإيجاد حلّ ومخرج لإنقاذ الحكومة والوضع السياسي في البلاد، منعاً لتدهور وتفاقم الأمور. وكان ابراهيم قد التقى رئيس الحكومة تمام سلام في السراي في إطار المساعي التي يقودها على هذا الصعيد.

وقالت مصادر في 8 آذار لـ «البناء» إن «أجواء يقودها حزب الله لتمرير جلسة اليوم، بأقل كلفة ممكنة، لكن يبدو أن الأجواء معقدة ولم تصل الأمور الى مخرج حتى الساعة». وتوقعت المصادر أن «يتجه حزب الله الى مقاطعة جلسات الحكومة كأحد الخيارات إذا ما بقي رئيس الحكومة على موقفه بوضع جدول أعمال طبيعي للجلسة بعد تصعيد التيار الوطني الحر، وإذا ما استمرّ التعاطي مع العماد ميشال عون بهذه الطريقة»، وشددت على أن المعطيات لا تبشر بالخير، وكشفت عن «تحرك المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل باتجاه الرابية ليل أمس في مسعى بين الرابية والمصيطبة»، إلا أنها لفتت إلى أن «تيار المستقبل ضغط على رئيس الحكومة للإصرار على طرح جدول أعمال في جلسة اليوم وليس جلسة تشاور ما دفع حزب الله الى إعادة حساباته في الوساطة التي قدّمها والتي تقضي بأن تكون جلسة اليوم جلسة تشاور بين الوزراء وليس جدول أعمال عادياً». وأضافت أن «التيار» يتجه الى التصعيد ومصرّ على موقفه ولن يعود الى حضور جلسات الحكومة إذا لم تلبَّ مطالبه». وتوقعت المصادر أزمة حكومية طويلة، معتبرة أنه إذا بقي الوضع على ما هو عليه في الحكومة فإن منظومة الأمان المحيطة بها ستكون أمام إشكالية جديدة، ملمّحة إلى أنّ تحوّل الحكومة الى تصريف أعمال سيكون أحد السيناريوات».

… والتمديد لقهوجي حاصل

وأوضحت المصادر أن «العماد ميشال عون يخوض معركة كبيرة من ضمنها عدم التمديد لقائد الجيش الحالي، لكنها لفتت الى أن التمديد بيد وزير الدفاع سمير مقبل وليس بيد مجلس الوزراء، وبالتالي التمديد حاصل، لكن الاشتباك السياسي يتجاوز هذه المسألة».

وأكد العماد جان قهوجي أن «ما يحصل من تجاذبات محلية لن يؤثر إطلاقاً على دور الجيش في صون وحدة الوطن ومؤسساته، والحفاظ على الاستقرار الأمني الذي يعتبر ركيزة الاقتصاد الوطني».

ولفت قهوجي خلال تفقده قاعدة رياق الجوية وفوج التدخل الثاني في منطقة البقاع الأوسط، إلى أن «أولوية الجيش في ظل الأزمات المتلاحقة التي يشهدها العالم العربي والصراعات الدولية والإقليمية على أرضه، هي حماية لبنان وتحصينه من مختلف الأخطار، لا سيما من خطر الإرهاب ومخططاته الإجرامية». وقال: «إن الجيش يُمسك تماماً بزمام المبادرة على كل الأراضي اللبنانية، سواء عبر الأمن الاستباقي أو التدخل العملاني المباشر، لضرب التنظيمات الإرهابية على الحدود والقضاء على شبكاتها وأفرادها في الداخل».

… ومساعٍ وزارية

وكان وزير الخارجية جبران باسيل قد واصل مشاوراته قبيل الجلسة والتقى وزير الثقافة روني عريجي الذي أكد أن «الجلسة ستعقد في موعدها، ونقل عن سلام قوله إنه يحبّذ مشاركة جميع المكونات وبأنه يتعاطى مع الملفات السياسية من ناحية وطنية وليس من ناحية أخرى». كما التقى سلام وزير السياحة ميشال فرعون في محاولة جديدة على غرار مساعية في الجلسة السابقة لتأجيل جلسة اليوم للحفاظ على الأجواء التوافقية التي حمت الحكومة، وذكّر فرعون بتعليق سلام جلسات الحكومة لأسبوعين أو ثلاثة بسبب أزمة النفايات في العام الماضي، مضيفاً أنه لا يجوز توقيع مراسيم وقرارات في ظل مقاطعة مكونين لجلسات مجلس الوزراء.

بري: فليفتشوا عني بعد اليوم

وعشية الجلسة الوزارية استعرض رئيس المجلس النيابي نبيه بري مجريات ما حصل على طاولة الحوار الوطني في لقاء الأربعاء، ونقل زواره عنه لـ «البناء» أنه «لم يعد لديه أية مبادرات يطرحها أو يطلقها، وإذا لم يستشعر أنّ للحوار في المرحلة المقبلة فائدة فلن يدعو مجدداً الى جلسة جديدة». وأشار بري الى أن «المشكلة ليست عنده بل عند الآخرين»، واعتبر أن «ما حصل يظهرنا وكأننا قاصرون وعاجزون عن اتخاذ قرارات لمصلحتنا وحل أزماتنا وأننا نلنا استقلالنا قبل أواننا وننتظر قراراً خارجياً ليحل لنا أزماتنا». ودق بري ناقوس الخطر، محذراً من مسار تعطيل المؤسسات ومعتبراً أن «تعطيل الحوار هو مقدمة لتعطيل الحكومة»، وأضاف: «فليفتشوا عني بعد اليوم»، ولفت الى ان ذلك «سيزيد من التعطيل والشلل في البلد مع أن الحوار يشكل شبكة أمان واطمئنان بصورة عامة». ونقل زوار بري عنه قلقه مما آلت اليه الأمور.

ونقل بري عن رئيس الحكومة استغرابه الدعوات الى تأجيل جلسة اليوم، لا سيما أن مصير الجلسات المقبلة مجهول، ما يعني أننا دخلنا في أزمة حكومية جديدة، متسائلاً سلام هل سيكون الوضع طبيعياً في ظل هذه الظروف أم نحتاج الى مبادرات؟

الجلسة 44 بـ41 نائباً

وأرجأ الرئيس بري الجلسة 44 لانتخاب رئيس للجمهورية الى 28 أيلول الحالي، لعدم اكتمال النصاب القانوني، وبالتالي انضمت الى سابقاتها، في ظل تناقص عدد النواب الحاضرين الى 41 نائباً في جلسة اليوم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى