كيف سيتلقّى لبنان تداعيات التفاهم الروسي الأميركي؟

روزانا رمَّال

يواصل اللبنانيون انقسامهم على ضفاف الحرب وخنادقها في سورية ويفاجئهم التفاهم الروسي الأميركي، ليجمع رغم الشكوك والحديث عن ضعف الثقة بالتوصل لأهمّ وأكبر وأشمل تفاهم بين اللاعبين الأكبرين على مسرح هذه الحرب، واللذين يقف الجميع وراء أحدهما أو بجانبه إقليمياً، ويقف اللبنانيون وراء أو إلى جانب حلفائهم أو رعاتهم الإقليميين.

قد يكون الأمر أقلّ صعوبة على القوى الإقليمية في اختبار كيفية التعامل مع هذا التفاهم وأسهل الخيارات اختيار الصمت وتمنّي النجاح والقول سننتظر ونرى صدقية الطرف الآخر، وهكذا سيكون موقف السعودية وإيران على الأرجح فتتفادى السعودية الإحراج مع واشنطن، بالقول إنها لا تثق بالنظام السوري، وخصوصاً لا تثق بتعاون إيران، ولا تعتقد أنّ روسيا ستنجح بإلزامها بالتوقف عن العمليات العسكرية ضدّ المعارضة أو عما تسمّيه بلغتها قتل المدنيين وتكمل بالقول إنّ المشروع الإيراني يواصل خطط التغيير الديمغرافي في سورية وسيستغلّ الهدنة لتأمين نقل مجاميع من ألوان طائفية تناسبه لتسليمها وتوطينها في داريا والمعضمية، وربما تحتاج هذا الوقت لتكمل ما بدأته قبل العودة إلى جولة حرب جديدة.

إيران الأقرب لما في التفاهم بحكم ما بينها وبين روسيا وسورية وحجم التشاور والتلاقي في الخيارات الكبرى ستقول كلاماً مؤيداً بالعموم على الأرجح، وتدعو إلى الحذر من تكرار تجارب الاستغلال لهدنة سابقة لنقل السلاح والمسلحين وتحسين أوضاع الجماعات المسلحة من دون أن تنسى من سماها المرشد الأعلى في إيران السيد علي الخامنئي بالشجرة الملعونة قاصداً السعودية، وسعيها لتخريب كلّ فرصة حلّ وإحلال للسلام في سورية، لأنها مَن يقف وراء التطرف الوهابي الذي تمثله جبهة النصرة والتي يفترض أنّ التفاهم يقوم على استهدافها وستضع السعودية ثقلها لمنع هذا الاستهداف عبر منع الفكّ بين المعارضة التي تتبع لها وبين جبهة النصرة والحفاظ على هذا التداخل لتفخيخ التفاهم وتفجيره.

يكفي السعوديين والإيرانيين موقفهما السياسي لاستكشاف درجة الجدية الأميركية التي يراقبها الطرفان، فالإيرانيون يثقون أنّ روسيا وسورية ومَن معهما من حلفاء جديين مثلها في فصل النصرة عن فصائل معارضة يفتح لها باب الدخول للحلّ السياسي، لكنهم لا يثقون أنّ أميركا ستفعل اللازم لقتال النصرة أو لفصل المعارضة عنها، وخصوصاً للضغط على السعودية لضمان توقفها عن مساعي تخريب الاتفاق. ويعتبرون أنّ تركيا بعد التحوّلات الأخيرة لم تعد عائقاً كما من قبل خصوصاً انّ التفاهم يمنحها ميزة السيطرة على الجماعات المسلحة المبتعدة عن النصرة لنقلها وتوظيفها في حرب أنقرة على الجماعات الكردية بذريعة الحرب على داعش أو بالتزامن معها، بينما يريد السعوديون التحقق من درجة الجدية الأميركية ليعرفوا كم يستطيعون العمل للحفاظ على الوضع القائم والتداخل والتشابك بين المعارضة والنصرة والرهان على درجة من التراخي والتغاضي الأميركيين ليواصلوا ما يفعلونه اليوم وعندما يتحققون من جدية أميركية عالية سيبدأون يواجهون المأزق ويقرّرون خيارات بديلة، ربما يكون أسهلها الانكفاء، خصوصاً مع مشاغلهم اليمنية المتزايدة.

كيف سيتصرف اللبنانيون، وهم لا يملكون هوامش إيران ولا حتى هامش السعودية، خصوصاً مناوئي حزب الله الذي سيرى أنّ التفاهم يطابق مفهومه للحرب في سورية القائم على فتح الباب لحوار سياسي بين الحكم في سورية وكلّ معارضة تميّز نفسها عن «القاعدة» بمتفرّعاتها وتتصرف باعتبار الإرهاب عدواً لكلّ السوريين، ولا تتلاعب بالمفردات والمفاهيم لتسوّق النصرة كحليف، ولو مؤقت، لأنّ الأولوية هي قتال الجيش السوري وإسقاط النظام. وسيقدّر حزب الله الذي ذهب للقتال في سورية تحت شعار مواجهة الخطر التكفيري أن ينظر في عيون خصومه بعد التفاهم الروسي الأميركي، ويقول لهم اليوم معركتنا تستقيم مع أهدافها بصورة أفضل وسنخوضها بزخم أكبر. فالحرب على النصرة وداعش وتحييد المعارضة وجلبها الى الحوار والحلّ السياسي هو مشروعنا الأصلي، فماذا سيقول خصوم حزب الله؟

سيكون صعباً على خصوم حزب الله معارضة التفاهم الذي تشكل واشنطن مرجعيتهم الشريك الثاني فيه إلى جانب روسيا التي يسعون لتطبيع العلاقات معها، خصوصاً بعدما يصير التفاهم قراراً دولياً يصدر عن مجلس الأمن الدولي يحمل خاتم الشرعية الدولية التي يتحدثون عن قدسيتها، والتشكيك بنيات «النظام» والتزامه لن يفيدهم كثيراً مع بدء التطبيق وظهور الهدوء الأمني، خصوصاً في شرق حلب، بينما المعارك تشتدّ في أرياف حلب، وخصوصاً في إدلب، حيث تنتشر وتتموضع جبهة النصرة، وفي أطراف الجولان ودرعا، حيث النصرة وبعض من داعش، وحيث «إسرائيل» تعبّر عن انزعاجها بقذائف تذكيرية تقول نحن هنا، وفي أطراف حماة ودمشق حيث النصرة وداعش، بينما الفصائل المسلحة الأخرى مرتبكة. فالأمر المهمّ سيكون أنّ ورقة الخصومة مع حزب الله ستفقد وهجها بذريعة أنّ تدخله في سورية يضع لبنان في حرب أهلية سورية يعلن التفاهم وقفها، أو يضع لبنان على ضفة من ضفتي حرب دولية ليضيع لبنان بين أقدام الكبار. فالتفاهم يعلن وقف هذه الحرب أيضاً، ولا يتبقّى إلا الحرب على الإرهاب فكيف سيعارضون مشاركة حزب الله فيها، وهي مشاركة ستصير بعد صدور القرار الأممي تحت غطاء الشرعية الدولية؟

الأصعب على خصوم حزب الله سيكون التعامل مع حصرية وجود النصرة وداعش في مناطق لبنانية لا وجود فيها لمعارضة سورية، وبمستطاع لبنان طلب التعاون مع الغرفة العسكرية الروسية الأميركية لتقديم الدعم الجوي للجيش اللبناني ليتمّ الحسم السريع في عرسال والقلمون… فماذا سيفعلون؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى