الى لائحة الشرف

روزانا رمَّال

ليس غريباً على داعش ان ينفذ أحكام إعدام ويمارس كلّ انواع الإجرام ويستلذ بقتل بني البشر، وليس غريباً عنه اعتبار دماء الناس مباحة للاختلاف العقائدي معها حتى اولئك الذين ينتمون لمنظمات تكفيرية موازية، حيث يحلل ذبح كلّ فصيل خارج عن توجه الأمير الحاكم للولاية فيها او للبقعة، حيث يسيطر التنظيم. من جهتها «جبهة النصرة» لا تقلّ وحشية وإجراماً، فهي تعمل بالقواعد نفسها في تكفير الآخر وذبحه، لكنها توحي بقربها اكثر واستعدادها للدخول في ايّ تفاوض او تسوية بين انسحابات وتسوية أوضاع مع بروز قنوات اتصال إقليمية فاعلة معها، حيث باشرت برفعها إلى مصاف ما يسمّى «المعارضة المعتدلة» في سورية.

ناهض حتر الصحافي الأردني قتل على يد التطرف. قد تكون المرة الأولى التي لن ينتظر احد فيها التحقيقات، فمهما كان المجرم ودوافعه فانّ الجريمة تحمل طابع الإرهاب وتُرهب كلّ من يفكر أن يجنح بأفكاره لا فوق الذات الالهية، كما لم يفعل، إنما فوق الفكر المتطرف، أو بعض سياسات الدول الكبرى التي تتلطى خلف الجماعات تلك.

سوء حظ ناهض حتر هو نشره لذلك الرسم، وهو لا يعدو كونه رسم يتساءل عن «الإله»، فهل إله هؤلاء هو نفسه الذي يعرفه كلّ الناس؟

لا شك في انّ قرار اغتياله او «التخلص» منه أو من قلمه، كما صار معه عام 2008، حيث منع من النشر في منابر الصحافة الأردنية يعني انّ لحتر ملفاً ونظرة وسمعة محلية «رسمية» مبدئية منه عززت نشاط المتربّصين.

تستمر التحقيقات اليوم مع «القاتل» لمعرفة إن كان هناك جهات تقف خلفه، في وقت تبادلت حسابات لمؤيدي تنظيم داعش «التهاني» باغتيال حتر، ايّ ان التخلص منه هو «عرس» لهم.

تحاول الجهات الأمنية في الاردن تسويق مسؤولية داعش او ما يعادلها عن الجريمة، لكن يرى مراقبون انّ الجهات التي تحارب فكر ناهض كثيرة بينها الإخوان المسلمون والسلفية الموجودة بقوة في البلاد، نظراً لاعتباره صاحب فكر تحرري «زائد»، وهو ما لا يروق للكثيرين حتى من أصدقاء حتر الذين كانوا يلومونه على هذه الصراحة الكبيرة التي لا يجب ان يخرج كلّ ما فيها الى أوراق الجرائد في منطقة عربية متشنجة ومنفجرة.

لكن:

ـ ليست صدفة أن يُغتال التطرف من يوالي الدولة السورية وحلفاءها ولا يتجرأ كثر على هذا لولا العمل الأمني المتقن المدعوم من استخبارات يصبّ عملها لمصلحة «إسرائيل» والمتضرّرين الاقليميين، حيث لا مجال بالنسبة اليهم للصداقة مع ايران وحلفائها او التعاون معهم او السماح لامتداد الفكرة…

ـ الرجل مناضل من الطراز الرفيع تقول سيرته الكثير عن السجن والاعتقال، حيث سجن مرات عدة في الأعوام 76 77 1979 وتذكر ايضاً تعرّضه لمحاولة اغتيال سنة 1998، واضطراره إلى مغادرة البلاد لأسباب أمنية، فتوجّه إلى لبنان سنة 1998… لبنان حيث يروق لحتر ما تبقى فيه من حرية رأي.

تبنى حتر مواقف الرئيس السوري بشار الأسد بالكامل، نسي بعد عودته لبلاده انّ هذا غير مقبول في دولة استخدمت حدودها لدعم المعارضة التي تقاتل الأسد وجيشه. نسي ايضاً انّ محاولة اغتياله الفاشلة لم تشفع له ليحظى بحماية أمنية من سلطات البلاد لمثل هذا النهار.

تدقيقاً بتاريخ توقيفه عن الكتابة في بلاده عام 2008 يشير انّ ناهضاً أوقف وعزل قبل نشوء الحركات التكفيرية «داعش والنصرة» وغيرهما، ايّ انّ مواقفه لا تحظى اصلاً بموافقة حكومة بلاده ولا وزارة الإعلام فيها، ولا تروق للقوى الامنية منذ زمن طويل وبعيد، وهذا ما تحكيه الاعتقالات.

ضحايا طريق المقاومة يزدادون كلّ يوم، ينضمّ ناهض اليها حيث تترأسهم سورية، وهي الارض التي مرّرت وسهّلت لاهل المقاومة وصول العتاد اليها.

ينضمّ حتر الى لائحة الشرف التي تضمّ قادة مقاومة كان يخجل منهم ومن أدائهم ويحسد لبنان واللبنانيين عليهم، ينضمّ الى الشهداء مغنية الاب والابن وبدر الدين وهادي نصرالله، وينضمّ ايضاً اليهم غضنفر ركن أبادي الذي ذهب ضحية خطأ مفترض وقع في الحجّ دون السماح لمعرفة ما جرى له، لأنه عنصر من عناصر الثورة الايرانية. ضحايا المقاومة يا ناهض غالباً ما لا تكشف ملابسات اغتيالهم الحقيقية على الملأ، قد يُسجنون او يقتلون، انظر الشيخ عيسى قاسم في البحرين والشيخ نمر النمر في السعودية.

قد يعتبر النظام الأردني انه تخلّص من «آفة» توالي إيران وسورية، لكنه ربما لا يدري أنّ اخطر مَن في البلاد لا يزالون يحيطون بحكمه.

لا احد يرغب برؤية سورية جديدة في الأردن، ولا احد ايضاً يرغب برؤية أردن غارق بفوضى السلاح، لكن السلطات مسؤولة عما جرى بطريقة او بأخرى، اولاً بمعيار مسؤولياتها عن امن البلاد، وثانياً لما للخلفيات السابقة من دلالات على اعتبار أنّ حتر احد المسيئين للأمن بإيقافه عن الكتابة قبل الاحداث العربية، ما يعني عدم اعتباره شخصاً مغطى أمنياً وسياسياً، وهو ما زاد من فرص إباحة قتله والتخلص منه.

بالنسبة لـ «إسرائيل» يشكل حتر الأردني صاحب الفكر الاستثنائي «الجذاب» في مناهضة مشاريع واشنطن و«اسرائيل» والوهابية، حيث يخشى أن يشكل حالة عامة تجتاح الشباب الاردني الذي راقه أسلوبه… لكن موته سيشكل ما هو أكثر في أذهانهم: «هكذا قتلوه»!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى