الولايات المتحدة… الالتزام المحذوف واللعب على المكشوف

جمال رابعة

لا يمكن الفصل بين ما يحصل في الجنوب السوري والشمال الشرقي لسورية وعلى كامل الجغرافية السورية في ظلّ التطورات الاخيرة، والتصعيد العسكري لمحور العدوان على الشعب والدولة السورية. فبعد أن شهدنا أحد فصوله الأخيرة بعدوان صهيوني على مواقع الجيش العربي السوري أتى الردّ السوري صاعقاً وغير متوقع لحلف العدوان بإسقاط طائرتين بدفاعاتنا الجوية، طائرة اف 16 وطائرة استطلاع، فارضاً ايقاعاً جديداً لقواعد الاشتباك مع العدو الصهيوني وحلفائه، وخسائر كبيرة للعصابات الإرهابية في الأرواح والمعدات، من خلال قيام الجيش العربي السوري بالتصدي لمحاولات هجوم أفراد المجموعات المسلحة و»جبهة النصرة» الإرهابية الذين أعلنوا عما وصفوه بـ «معركة قادسية الجنوب» في ريف القنيطرة، وذلك بعد يوم على إعلان خطة بين روسيا والولايات المتحدة لوقف إطلاق النار في جميع أرجاء سورية تنطلق بتاريخ 12/9/2016 في محاولة منهم لتأمين شريط حدودي موازٍ للجولان المحتلّ، بحيث يكون إرهابيّو النصرة واخواتها هم القوى الفاعلة والمسيطرة عليه مما يشكل شريط حماية للعدو الصهيوني. وهذا ما تحلم به بالتوازي وللأهداف ذاتها تعمل قوى العدوان في الشمال السوري وشمال شرق سورية تتقدّمهم واشنطن بدعمها العسكري والسياسي لقوات سورية الديمقراطية، ودعم العدوان التركي على السيادة الوطنية، في محاولة منهم لفرض شريط جغرافي آخر يجمع ما بين غرب العراق وشرق سورية بأهداف استراتيجية وأبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية أهمّها قطع طريق الحرير الآتي من الصين الى المتوسط، من هنا ولأجل ذلك كان العدوان السافر من قبل الطيران المعادي للتحالف على قوات الجيش العربي السوري في جبل الثردة في دير الزور.

أفشلت واشنطن وحلفاؤها اتفاق الهدنة المتفق عليه بين لافروف وكيري، لا بل كان محذوفاً كلياً من بنات أفكارهم في الوقت الذي وقّعوه… واليوم باجتماع الطرفين للأسباب ذاتها في ما يتعلق بالهدنة تحاول الادارة الاميركية وبما لا يخرج عن خططها الاستراتيجية في المنطقة بتحقيق الاهداف والمصالح وإرضاء كلّ من الكيان الصهيوني وديكتاتور أنقرة وبني سعود وحلفائهم الإقليميين المبادرين بتنفيذ كلّ الرؤى والمشاريع، وحيث أنّ بنود الاتفاق في الملفين الأمني والسياسي يحوي بين طياته تصنيف العديد من العصابات التكفيرية على لوائح الارهاب، من هنا نرى تهرّب واشنطن من الإعلان عن ذلك، ريثما تحين الظروف المناسبة التي تخدم السياسات الأميركية لتقديمهم على مذابح الاتفاق، كما هي سياسة أميركا مع العملاء.

أما في ما يتعلق بالشق السياسي تمّ الابتعاد عن الخوض في مستقبل الرئاسة السورية، وهذا لا يُرضي حلفاء واشنطن الإقليميين الصهاينة واردوغان وبني سعود.

هذا من جملة أسباب رفض واشنطن طلب موسكو لعرض الاتفاق على الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وحتى لا يأخذ صيغة الموافقة الدولية ويصبح ملزماً لكلّ الأطراف. وحتى تستطيع وتبرر تحقيق ذلك تمّ افتعال خلاف بين البنتاغون ووزارة الخارجية حول الاتفاق الروسي الاميركي بشأن الهدنة والملف السوري، كي تتيح وتعطي مساحة واسعة وحرية بالاعتداء والتهرّب من الالتزام لجهة الاتفاق، ويتمّ خرقه من قبل مَن يرعى كلّ مجاميع الارهاب الدولي من قبل الادارة الاميركية.

من هنا أعتقد جازماً أنّ ما حصل من اعتداء سافر على أراضي الجمهورية العربية السورية في محيط جبل الثردة بدير الزور… هو في العين الأميركية ذاتها خطّط له الأميركي وأعطى الأمر فيه من غرفة موك في عمّان التي تديرها المخابرات الأميركية والبريطانية والتركية والسعودية والاردنية والصهيونية.

المتابع للمراحل كافة منذ اتفاق السلام في جنيف، في اليوم الأول من شهر حزيران عام 2012، يرى أنّ الغرب الأطلسي تتقدّمه واشنطن أجهضوا كلّ المحاولات التي تفضي للسلام، لأسباب عدة، منها انّ الأميركيين يعتمدون سياسة اللااستقرار في المنطقة، والحفاظ على الفوضى في البادية الممتدة بين العراق وسورية، لقطع طرق التجارة بين آسيا وأوروبا طريق الحرير .

وفي السياق ذاته، فإنّ واشنطن ترفض التعددية القطبية التي فرضتها بقوة نتائج الحرب السورية وظهّرت بجدارة الدور الروسي وأهميته في الساحة الدولية، ولا تقبل باستعادة روسيا مكانة الاتحاد السوفياتي السابق.

أما بالنسبة لموضوع مكافحة الإرهاب، فهي تستثمر هذا الإرهاب وبأعلى مستوياته سياسياً واقتصادياً، فهو احد المبرّرات للولايات المتحدة كي تراقب التحويلات المالية عبر العالم، بما يسمح أيضاً للذين يموّلون الإرهاب ويمدّونه بالسلاح، من فرض عقوبات اقتصادية وسياسية ضدّ مَن يحاربون الإرهاب… كروسيا وإيران وسورية والمقاومة.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يحصل في ظلّ التطورات لجهة الجانب الاميركي، هل هي سياسة خلط الأوراق؟

باعتقادي، إنّ المحاولة الاميركية بالمشاركة بتحرير الموصل بعد المحاولات المتكرّرة لمنع الحشد الشعبي والجيش العراقي من تحريره، هدفه هو ترحيل دواعش الموصل باتجاه مدينة دير الزور حفاظاً على جيشها هذا الذي يعمل بالإنابة عنها في توزيع المهام والاتفاق الذي تمخض عن اجتماع أوباما وأردوغان على هامش قمة العشرين التي عقدت في الصين. ومن ثم تكليف أردوغان بمهمة دخول الرقة بالسيناريو والمسرحية المعدّة سابقاً نفسيهما، كما حصل في جرابلس ومحيطها.

لا بدّ للحليف الروسي والإيراني من اتخاذ خطوات سريعة وصادمة بوجه ذاك المتغطرس الحالم بتحقيق ما كان أجداده عليه في يوم ما!

ختاماً، أستطيع القول إنّ الخطة الأميركية – الصهيونية في الشمال والجنوب فشلت، وقواتنا استعادت نقاطها كافة بسرعة وحققت الأهداف وبإيقاع سريع ورجولة واقتدار بشجاعة لافتة للجيش العربي السوري ورجال الله على الأرض.

عضو مجلس الشعب السوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى