الحريري «جدّي» هل «واشنطن» كذلك؟

روزانا رمَّال

يبدو أنّ موفد النائب وليد جنبلاط الوزير وائل أبو فاعور سارع إلى المملكة العربية السعودية لاستطلاع حقيقة «الأمر»: هل فعلاً عاد الرئيس الحريري من الرياض ليطرح انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية ويعلن مبادرة جديدة بهذا الإطار؟ هل هذا الأمر جدي ام انّ هناك خفايا أخرى تلوح في الأفق؟ هل هذه رغبة الرياض حقاً؟ هل رفعت الفيتو بمعنى آخر؟ ما معنى زيارة وزير الصحة اللبناني الى الرياض في مثل هذا الوقت؟ وهل ثمة ما أوحاه الحريري من أهمية بالغة مما استدعى إيفاد أبو فاعور؟

يبدو أن المختارة لا تودّ إلقاء المواقف المتسرّعة بهذا الإطار، ولا يبدو أنها مستعدة للغوص في متاهات غير واضحة المعالم، لكنها ليست وحدها. فالحريري الذي يتحضّر للقاء أبو فاعور يعرف ايضاً انّ لقاء سيجمع الرئيس بري بالنائب جنبلاط، ولهذا ما يكفي من دلالات على اهمية تسويق مبادرته الجديدة لتصبح مهمة أبو فاعور الاستطلاعية مزدوجة المعايير. هذا اذا اقتصرت على الاستطلاع من دون أن تحمل رسالة محلية الى المملكة.

عاد الرئيس سعد الحريري من السعودية وبدأت ملامح السير بالعماد عون رئيساً تلوح بالافق مع عودته مجدداً. ولهذا رمزية لا يمكن التغافل عنها، فالمملكة العربية السعودية التي رفعت «الفيتو» على العماد عون في اول محاولات الحريري لطرحه رئيساً، ورفعت أكثر من اعتراض على أداء الحكومة وصل لحدّ اعتذار الأخيرة و«التودّد» لنيل الرضى من جديد هي التي عاد منها الحريري حاملاً طرحه الى اللبنانيين بزخم يسبق جلسة اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية، ما يعني انّ امكانية ان يكون الحريري ينوي تحدّي رغبة المملكة غير وارد. لكن هذا لا يعني امكانية ان لا يكون الحريري قد تشاور مع أطراف دوليين آخرين أيضاً قبل عودته للبلاد.

الخلاف أصلاً هو العماد عون بالنسبة للرياض، فهو يمثل أحد أهمّ حلفاء حزب الله، وبالمنظار الاستراتيجي، وهي تعتبر قبول حلفائها به انهزاماً لها مرتبطاً بالأوضاع في سورية والمنطقة يسجل لصالح حزب الله فوراً، فهل هو رضى سعودي فعلاً على ايصال عون لرئاسة الجمهورية؟ ام انه ضوء اخضر اميركي يعمل على اساسه الحريري يشبه ذلك الذي حُكي عنه لحظة ترشيح فرنجية؟

يعبّر مصدر متابع للحراك الرئاسي لـ «البناء» عن خشية من ان تكون حركة الحريري هذه ليست إلا مناورة لمنع العماد ميشال عون من النزول الى الشارع ولتمرير التمديد للعماد جان قهوجي الذي أصبح على بعد أيام من دون مشاكل. فحماية الحكومة مطلب دولي، واستقرار البلاد ايضاً، انتظاراً لما ستكشفه الازمة السورية لمصير لبنان المرتبط فيها حتماً، وأيّ فصل بالمسارين لا يزال بعيداً عن الواقع، وبالتالي فإنّ اعتبار الحريري عاد حاملاً «شبكة الخلاص» هذه المرة قد يكون خيبة امل جديدة للبنانيين.

في المقابل توحي حركة الحريري الكثيفة بجدية التفكير بخيار العماد عون رئيساً، فحراكه لا يبدو محاولة لإعادة إحياء خيار فرنجية، فهذا لم يظهر بعد من محيطيه، فالحريري اظهر استسلاماً لحالة الركود التي سادت بعد العجز عن إنجاح مبادرته في ايصال فرنجية للرئاسة.

ـ الحركة التي يخوضها الحريري ثقيلة لناحية «اللقاءات» و«الأوزان السياسية» ومنفتحة الى حدّ كبير على الأفرقاء في البلاد كلّهم. هذا ما يؤكد عليه مصدر متابع لحركة الحريري لـ «البناء»، وهو يؤكد في هذا الاطار انّ الحريري أعاد طرح المشهد أمام فرنجية في لقائه معه عارضاً نتائج ما توصلت اليه مبادرته تجاهه، مؤكداً ايّ الحريري انه رشح فرنجية بكامل قناعته على اساس حسابات عجز عن تحقيقها، مثل عدم قدرته على إقناع جعجع سحب ترشيحه لعون ومثل استحالة توجّه حزب الله لانتخاب فرنجية بدلاً عن عون او دون مباركته عدا عن العجز عن اقناع بري بالنزول لانتخاب فرنجية بدون حزب الله.

ـ يتابع المصدر «اليأس من إمكانية التغيير في سورية عند السعوديين والأميركيين والحديث عن خطة «ب» فيها التي لم تعد ممكنة، وجهت الحريري نحو اتخاذ مبادرة من هذا النوع للاستحصال على اكبر قدر ممكن من المكاسب، فالحريري لا يزال هو الخيار الاميركي الاقرب والاول في لبنان، والحديث عن ولادة زعيم «سني» آخر في لبنان غير وارد أميركياً، فولادة زعيم تحتاج «لظروف خاصة» لا تتوفر اليوم لشخصية سنية جديدة في لبنان، كما يحاول البعض التسويق.

الحريري عاد منفتحاً على الخيارات كلّها بما فيها عون، وفي هذا اعادة الى المربع الاول في لحظة مساعي جدية قادها السيد نادر الحريري قبل حوالي السنتين، لكن الاكيد اليوم انّ مساعي الحريري إذا كانت «جدية» بين الأفرقاء تبدأ بمجموعة لقاءات وتنتهي بانتخاب عون رئيساً بالتفاهم مع حزب الله على اساس أنه اياً كان قانون الانتخابات النيابية ونتائجها فإنه الحريري سيكون رئيساً للحكومة.

حركة الحريري العائد من الرياض تتوازى مع خلفية واضحة للمشهدين السوري والاقليمي الذي ينزح نحو روسيا وحلفائها الميدانيين، خصوصا التقدم الذي أحرزه الجيش السوري مع حزب الله على ارض حلب خلال الساعات الاخيرة، فهل استعدّ الحريري لملاقاتها فعلاً هذه المرة بضوء اخضر دولي؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى