وزارة الإعلام… لماذا؟

بشير العدل

مرة أخرى وبعد انقطاع طويل، وإلغاء استمرّ سنوات، يعود الحديث عن وزارة الإعلام في بلادي مصر، وضرورة العودة إليها، وهو الحديث الذي فجّرته لجنة الثقافة والإعلام وبعض من الأعضاء في المجلس النيابي، تفاعلاً مع أزمة اتحاد الإذاعة والتلفزيون «ماسبيرو» بعدما غرق في الأخطاء المهنية والإدارية، وأصبح يمثل في وضعه الحالي عبئاً على الدولة ليس من الناحية المالية فقط، وإنما من النواحي المهنية والإدارية أيضاً.

وحتى تتضح الصورة وتصل الرسالة بشكل جيد عن الحديث بشأن عودة وزارة الإعلام ومدى إيجابية ذلك الحديث أو سلبيته على الوسط الصحافي والإعلامي عموماً فى بلادي مصر، فإنّ تساؤلاً هاماً يطرح نفسه حول الأسباب الحقيقية لهذا الحديث، ولماذا عودة وزارة الإعلام في هذا التوقيت؟ وما هي الآثار المترتبة على عودة الوزارة على الإعلام المصري وتحديداً الصحافة، وما مدى توافق أو تعارض ذلك مع التشريعات الصحافية والإعلامية؟

وفي محاولة للتوصل إلى إجابات فإنّ نظرة إلى واقع «ماسبيرو» قد تبيّن وبجلاء الأسباب الحقيقية لمطالبات عودة وزارة الإعلام بعد إلغائها، والحقيقة أنّ واقعه مرير وأداءه ضعيف ولا يرقى إلى الطبيعة والظروف التي تمرّ بها الدولة المصرية، لا من حيث الأداء المهني، ولا من حيث توافر الثقافة المهنية والعلمية الكافيتين لأداء إعلامي ناطق باسم الدولة المصرية، هذا بخلاف الأعباء المالية التي يشكلها القطاع بعد أن وصلت خسائره الى مليارات الجنيهات، فضلاً عن سيطرة نظام التوريث والمحسوبية والمعارف على التعيينات فيه.

والحقيقة أنّ كلّ تلك المشاكل وأكثر منها، والتي لا يتسع هذا المقام للحديث عنها بالتفصيل، ليست مبرّراً لعودة وزارة الإعلام، والسبب عندي، أنها مشاكل متراكمة من فترات ممتدة لسنوات مضت كانت فيها وزارة للإعلام، وكان هناك وزير يختص بشؤونه، غير أنّ تواجد الوزير لم يساهم في حلها، بل أدّى إلى تراكمها، فحال «ماسبيرو» عندي ما هي إلا نموذج للترهّل الإعلامي والإداري الذي يسيطر على بلادي مصر.

ولكن ماذا لو عادت وزارة الإعلام من الناحية التشريعية ومدى تأثير ذلك على الصحافة؟

هنا يمكن القول إنّ ذلك يتعارض مع التشريعات الصحافية والإعلامية الحالية، سواء التي تمّ إقرارها بشكل نهائي ومعمول به بالفعل كميثاق الشرف الصحافي وقانون تنظيم الصحافة رقم 96 لسنة 1996 وقانون نقابة الصحافيين رقم 76 لسنة 1970، او تلك التي تنتظر الإقرار ومنها مشروع تنظيم الصحافة والإعلام الموحّد.

فالدستور الحالي أقرّ بضرورة تشكيل هيئة وطنية للصحافة وأخرى للإعلام تتبعان مجلساً أعلى للإعلام، ولم يتطرّق إلى فكرة وجود وزير إعلام من عدمه، وإنما تحدّث عن تلك الجهات الثلاث.

وبفرض عودة وزير الإعلام في الوقت الحالي، فإنه سوف يكون مسؤولاً وبشكل مباشر عن «ماسبيرو»، ولن تمتدّ اختصاصاته الى شؤون الصحافة التي يديرها المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحافيين، أما بعد إقرار مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام الموحّد فإنّ منصب الوزير ينتقل من كونه مسؤولاً عن وزارة الإعلام الى كونه مسؤولاً عن المجلس الأعلى للإعلام وهو أعلى سلطة، وفقاً لمشروع القانون، مسؤولة عن تنظيم الإعلام بشقيه المرئي والمقروء، فتكون بذلك الصحافة ممثلة في الهيئة الوطنية للصحافة إحدى الجهات الخاضعة للوزير، الذي تمتدّ اختصاصاته الى الهيئتين الوطنيتين للصحافة وللإعلام، بما يعني عندي إخضاع الصحافة لمزيد من إجراءات الترويض والاحتواء وتجريدها من الاستقلالية. وهو أمر يتنافى مع أساس تشكيل المجلس الأعلى للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة التي يجب أن تتمتع باستقلاليه تامة عن الدولة.

عودة وزير الإعلام اذن تعني عودة فرض الوصاية على الصحافة. وهو الهدف الذي كانت تسعى إليه السلطات المتعاقبة غير أنها فشلت في ذلك، وفرض الوصاية على الصحافة أو ترويضها أو إقصاؤها او حتى احتواؤها ليس في صالح المجتمع والمهنة على حدّ سواء.

وإذا كان البعض يرى في عودة وزير الإعلام بأنه سبيل لحلّ أزمات «ماسبيرو»، فإنّ الحلّ ليس في يد شخص يتمتع بحقيبة وزارية، ولكنه في يد شخص لديه الإرادة الحقيقية في الإصلاح بعيداً عن الوزارة، وهي اختصاصات مخوّلة بالفعل لرئيس الاتحاد الحالي، والتي تمكّنه من الإصلاح إنْ أراد، غير أنّ حلّ أزمة «ماسبيرو» في حاجة الى إعادة هيكلته حتى يقوم على أساس الكفاءة المهنية والقدرات والثقافة الذاتية بعيداً عن نظام التعيينات الحالي الذي يعكس نموذجاً للنظام الإداري في الدولة.

لسنا في حاجة اذن الى وزير إعلام، فالدول المتقدّمة لا تعرف للإعلام وزيراً، وإنْ كان موجوداً في بعض الدول الأوروبية غير أنها قليلة واختصاصاته محدوده تتلخص في كونه متحدثاً باسم الدولة، وإذا كان هذا الأمر مقبولاً في بعض الدول، فلن يكون مقبولاً في بلادي مصر، فمصر ليست في حاجة الى وزير إعلام كي يكون متحدثاً باسم الدولة ويدلي بتصريحات باسمها، فالأوضاع في بلادي مصر لا تحتمل مزيداً من فرض القيود خاصة على الصحافة والإعلام الذي يمثل في حقيقته مرآة للمجتمع.

وليس مقبولاً أيضاً من الناحية العملية أن تكون هناك حقيبة لوزارة الإعلام وتنحصر اختصاصات الوزير في الحديث باسم الدولة، وإنما تنعكس على مجالات أخرى مثل الصحافة وهو أمر لا تقبل به الجماعة الصحافية التي ناضلت عبر عقود من الزمان من أجل استقلال الصحافة.

المطلوب إذن، هو التعامل مع مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام الموحّد للانتهاء منه وإقراره، ورغم ما لنا من اعتراضات على بعض مواده وحكمنا عليه بعدم الدستورية، إلا أنّ ذلك لا يعني تجاهله والاتجاه نحو فكرة عودة وزارة الإعلام، وإنما المطلوب هو مناقشة المشروع بما يحقق النفع الكامل للصحافة وللإعلام وللدولة عموماً.

كاتب وصحافي مصري

مقرّر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة وحرية الإعلام

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى