ناصر النهر الخالد …

وليدة عتو

اليوم 28 أيلول تحل ذكرى رحيل قائد عربي كبير يجمع كثيرون على اعتباره أنه أعظم رئيس عربي في العصر الحديث ومن أقوى الشخصيات التي عرفها التاريخ المعاصر.

في هذه الذكرى الحزينة لا بد لنا أن نعود بالذاكرة الى مولد ثورته التي كانت تحمل معها فيضاً من العطاءات والتغير الشامل في المجتمع المصري والفكر العربي والتغيير السياسي التقدمي.

لقد كانت ثورة شاملة بناءة داخل مصر سياسياً واقتصادياً وعلمانياً وفكرياً واجتماعياً ونفسياً، وجاءت هذه الثورة البناءة الشاملة من فكر ومنبع ثقافة ووعي ناصر الذي يؤمن بأن كل ثورة يجب أن تمتلك مشروعاً قومياً يدخل في شرايين الثقافة والفكر العربي وتتحوّل عقيدة وإيماناً بالثورة والتغيير المفيد للبلد والشعب. ومن هذه القناعة انطلقت ثورة ناصر بل انطلق ناصر بالجهاد والتغيير والبناء.

كان أول هدف من أهدافه يتركّز في تحرير مصر من نير الاحتلال الانكليزي العسكري بطرده من أرض مصر وأراضي الدول العربية كلها التي وقف ناصر الى جانبها ودعم ثوراتها ضد الاحتلال الأجنبي.

وخلال عامين من قيادته تمكنت مصر من تحقيق هذه الهدف الوطني النبيل بخروج المحتلين وتوالى تحرر كل البلاد العربية بدعمه الامحدود لثورات شعوبها. وأمّم قناة السويس وبوحي فلسفته للثورة المتعددة الحلقات والدوائر وطنياً وقومياً عربياً وعالمياً شارك في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية وكتلة دول عدم الانحياز لتكريس الحياد الإيجابي دولياً بين معسكرين متناحرين في ساحات العالم ويتخذان من دوله ميادين للحروب المدمرة.

وساهم في تنمية أفريقيا في مجال العلم والثقافة والصحة مما جعلها مدى دعم وولاء لمصر الناصرية وأسس شركة النصر للسيارات. وجعل من استخبارات مصر جهازاً فاعلاً من أقوى أجهزة الاستخبارات في المنطقة وأنشأ هيئة للتصنيع العسكري شرعت تصمم نماذجها لصناعات طيران وصواريخ وسفن وبواخر ومصانع الاسمنت والصلب والترسانات البحرية..

ولعل أهم إنجاز تنموي حققه ناصر هو إقامة السد العالي الذي صنّف أنه السد الاول في العالم حتى العام 2000 حسب خبراء اوروبيين، والذي قامت حوله نهضة صناعية وزراعية وتولدت خدمات كهرباء وماء وحقق عدالة اجتماعية بقانون الإصلاح الزراعي، ما جعل له أعداء من الاقطاعيين وأصحاب رؤوس الأموال تم توارثها حتى يومنا هذا، إذ يكرهون ناصر لأنهم يريدون استعباد الفلاح والعامل واحتكار الاقتصاد لحسابهم. وقد حطّم ناصر هذه الامبراطورية وحقق مساواة بين أبناء الشعب المصري.

وهذا ايضاً جعل له اعداء كثيرين لأنهم يريدون دائما التعالي وتكريس النظرة الدونية للفقير والضعيف الذي ليس من عائلة إقطاعية نافذة وكبيرة.

وتوسّع ناصر في تأسيس الجامعات والبحث العلمي وأعطاه اهتماماً كبيراً في حينه، وحاول تأسيس كفاءات عليا في قيادات الجيش ورجال الدولة تسانده ويعتمد عليها وتشاركه القيادة ولم ينفرد بالحكم لنفسه، وقد حاول الكثير منهم بعد رحيله السير في طريقه الصعب ليكملوا المشوار.

غير أن يد السادات طالت رفاق ناصر وزجت بهم في السجون واغتالت بعضهم حتى انفرد في حكم مصر وكاد يهدم كل ما بناه ناصر. هذه نماذج مما فعله ناصر وقدّمه لمصر والمصريين والامة.

ويأتي الآن بعض من رباهم السادات وأحفاده ليقول أمس في تعليق على خطاب لناصر نشرته عبر صفحتي في موقع فيسبوك بأن «ناصر عار على مصر والعرب».. وطبعاً مع بضعة نعوت وأوصاف مشينة.

هذا الوغد الذي وصف ناصر بالعار، ربما نطق بما يعانيه هو. وحقيقة لم أحفظ اسمه، لأنني حظرته من صفحتي وأقول أن كل من يذم بناصر ويطعن به أنه أقلّ من أن يقيم قائداً بمستوى ناصر. وإن عظمة ناصر تذكرهم بسفالة وقذارة حكامهم الخونة الذين زرعوا في عقولهم هذا المنهج الرديء، وفي نفوسهم الحقد على القادة من الرجال، لأن اسيادهم هم أنصاف رجال. فاذا كان من شرف لمصر وللمصريين فهو شرف ناصر الذي نهض بمصر وجعل لها اسماً ومكانة في الدول الكبيرة والمتقدمة، ولكن للاسف بعد رحيله أخضعتها اميركا وأعادتها الى الوراء خمسين عاما.

جمال عبد الناصر تاج على رأس مصر وعلى رؤوس المصريين والعرب، وهو القائد الذي سوف يظل ملهماً الأمة مدى الحياة. فألف رحمة لروحك يا أيها القائد ولنا الصبر على غيابك الفادح.

كاتبة سورية من حلب

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى