الميدان وليس إلا…!

مصطفى حكمت العراقي

يبدو أن ربع الساعة الاخير الذي تعيشه المنطقة المشتعلة بالحروب والازمات، في شتى أماكنها، قد يكون مليئاً بالمفاجآت، فلا حياد بعد الآن ولا نقطة وسط قد يمكن للمتحاربين الالتقاء فيها، لأن الحرب أصبحت الملجأ الأوحد لحسم الخلاف ومن ينتصر فيها سيكون ملزماً بنشر أبعاد نصره على كلّ الجبهات، لأن الحدود تمت إزالتها وقواعد الاشتباك ولت بلا رجعة، فمن يدق أوكار الارهاب، في حلب القديمة وأجزائها الشرقية والغربية ومن يصل إلى بعد أمتار من قلب الغوطة ومركز قيادة الإرهاب فيها ومن رسم المعادلة بصواريخ محلية الصنع، أسقطت الطائرات «الاسرائيلية» وبعدها الاميركية، وصولاً لدق إسفين الأنذار ورفع الشارة الحمراء، بوجه السلطان المتكسّرة أجنحته والمنشغل بشرق الفرات والتارك حلب ليلتهمها المارد السوري والدب الروسي وفرقة «الرضوأن» الخاصة من حزب الله، بعد أن كانت حلب عمقه الاستراتيجي، كما تبجّح مراراً وتكراراً، ليكون، بذلك، خط الميدان هو الراسم الأوحد لما سيحلّ بجميع الملفات، فاستبق ذلك، دي مستورا، بإعلان فشل مهمته واعترف باستحالة الحلّ السياسي في دمشق بعد الآن.

على أن الكلمة الفصل قالها الأمين العام لحزب الله ومفادها: إن الفصل للميدان. وكأنه يقول بأن الطرف الآخر لا يعرف إلا منطق القوة، وسنعامله بها. وإن كنا قد تحمّلنا كثيراً لنعطيه فرصة الاستدارة والتراجع وتجميل الهزيمة، فالآن، لا توجد عطايا يمكن تقديمها أو منحها. ولن نسمع صوتاً إلا للميدان، لأن من منحناه فرصة التفاهم والتعاون والتنسيق المشترك، لحرب الارهاب، تنصّل من وعوده وعليه تحمّل التبعات وعليه أن يأخذ نصيبه من أخطائه وأخطاء حلفائه، الذين فشلوا في كلّ شيء وأصبحوا كقطيع الأغنام، بلا قائد. فالرياض تستجدي الحلول في اليمن، بعد أن صدمها شعب اليمن ومرّغ أنفها في التراب، وجعل صواريخ البلد المحاصر براً وجواً وبحراً، تصل لمناطق في العمق السعودي. كما أنه في السياسة أذهلها، بحكمة وحنكة قادة الثورة، الذين يجب الآن دعمهم، صراحة، من الدول الداعمة لحقوق الشعب اليمني، بوجه حماقة آل سعود، في حربهم الاقتصادية الجديدة، بعد أن أمر الهارب، هادي، بنقل البنك المركزي إلى عدن، إضافة إلى حرب الأسعار النفطية التي انقلبت على من أشعلها، فبعد أن امتصّت موسكو وطهران صدمة الخسائر الأولية، قبل أكثر من عامين، وتمكنتا من الصمود والاستمرار وعدم الخضوع لحماقات آل سعود، ها هم الآن يجتمعون في الجزائر ليجدوا حلاً يمنح السوق النفطية دفعاً نحو الإنتعاش، بعد أن أيقنت المملكة فشل خيارها الذي أوصلها للتقشف الداخلي وخفض الأنفاق المعلن، وما خفي كان أعظم، لجهة الاقتراض وخفض الأموال المودعة في بنوك الولايات المتحدة، وتزايد ثقل الحرب على اليمن، وعملية دفع الأموال المستمرة للمرتزقة من الجنود الذي جلبتهم لحماية حدودها، بعد أن هرب جنودها خاسئين أمام الخنجر اليمني إضافة إلى النزاع الداخلي بين أمراء وملوك العائلة المتناثرة والمتنازعة في ما بينها والتي كشفت، العديد من المصادر داخل العائلة الحاكمة، أن سلمان، العاجز عن الحكم بسبب مرضه، الذي أوكل الامر لنجله الطائش، يحاول مسك الأمور، لكن المملكة، الآن، تعيش حالة من التشظي لم تشهدها من قبل، قد تودي بوحدة الأراضي السعودية، بعد رحيل سلمان،. وقد تجعلها إمارات متنازعة في ما بينها، لذلك، نجد التوجه الفاضح والصريح لإقامة علاقات مع «تل ابيب»، ظناً بأنها قادرة على توفير الأمان لهم.

كلّ هذا وأكثر، أثقل كاهل واشنطن تجاه حليفها الابرز في الشرق الاوسط، أما الحليف الآخر لواشنطن وهو أردوغان، فقد ترك أحلامه السلطوية وبدأ يحلم بمناطق نفوذ لا تتعدّى عشرات الكيلومترات، ليضمن موقعه في التسويات المقبلة ويحاول أن يزجّ نفسه لاعباً أساسياً في العراق، بعد أن فشل في سورية وبعد أن نجح بجرّ ذيول له في شمال العراق، من آل النجيفي في الموصل، والبارزاني في أربيل، وغيرهم من قادة الصدفة في البلد، الذين فشلوا بردع أردوغان حينما أدخل جنوده إلى أطراف الموصل، بدعم من النجيفي والبارزاني وبسكوت حكومي عراقي رغم التصريحات الرنانة التي اطلقها وزير الخارجية العراقي ورئيس الوزراء حينها، لكن ما أن أنجلى الغبار، حتى أصبح الاحتلال التركي مباحاً ومسكوتاً عنه، ليكون، بذلك، عاملاً أساسياً عند تحرير الموصل. وقد تجري عملية تركية أوسع، كما هدّد بذلك أردوغان، وسيكون السكوت هو الردّ العراقي، لأن من تجاهل الردّ على التوغل السابق، سيتجاهل التوغل المقبل، إن حدث، بحجة المساهمة في التحرير وحماية الأقليات، التي تعدّ الولايات المتحدة مشروعاً لجعل بعض مناطق الموصل، مناطق آمنة لها ومحمية دولية. وسيكون الوجود التركي، حتمياً، في ذلك، ما قد يمهّد لتقسيم المحافظة، كما طالب بذلك أثيل النجيفي، المحافظ السابق، في مشروع أعلن عنه سابقاً وهو ما ينذر بمشروع أخطر، قد يفرز توابع أسوأ مما أفرزه وجود «داعش» في العراق وهو ما يجب التصدي له شعبياً، لأن الحكومة العراقية ورئيسها ووزراءها، أثبتوا أنهم آخر المهتمين بايقاف المشاريع الأميركية المشبوهة في المنطقة، بل العكس تماماً، يستمرون بالتعاون والتحالف مع واشنطن، بالرغم من إجهارها وإعلانها إنشاء «داعش» لدواع سياسية، إلا أن من جاء بهم لن يسمح لهم بالارتداد والوقوف ضده.

في المجمل فإن الحرب واحدة على اختلاف مواقعها، وأن تجاهل ذلك بعض الساسة، في العراق خصوصاً. فالأنتصار في دمشق لمحور المقاومة، سيجلب انتصارا لشعب العراق، وسيجلب نصراً للشعب اليمني ولجانه الثورية، إضافة لتثبيت النصر السياسي الإيراني والتقدم الميداني لحلفاء طهران، ما سيرسي دعائم النظام العالمي المتعدّد الاقطاب، الذي اعترفت به واشنطن مرغمة في التفاهم مع موسكو حول سورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى