«دويتشه فيله DW» تنظّم ندوة عن البرامج الحوارية والموضوعية… ولكن؟!

«البناء»

ككلّ وسيلة إعلامية وصلتها الدعوة، لبّينا في «البناء» دعوة التلفزيون الألماني «دويتشه فيله DW» الكريمة لحضور ندوة تتناول البرامج الحوارية، وتتطرّق إلى الموضوعية في التحرير الصحافي. وذلك إيماناً منّا بأهمية ندواتٍ كهذه، إن كان على مستوى تذخير إعلاميينا بمعارف وتقنيات جديدة، أو على مستوى تمتين العلاقات مع الوسائل الإعلامية الأخرى، لا سيما تلك التي نشأت بيننا وبينها صداقة مهنية.

إلّا أنّ الندوة التي دعت إليها «دويتشه فيله DW» مشكورة، شهدت ما لم يكن في الحسبان، ما جعلنا نضطرّ ـ ومجموعة من الزملاء في وسائل إعلامية أخرى ـ إلى ترك القاعة حيث الندوة. الذنب لا يقع كلّه على الجهة الداعية، بل يتحمّل سواده الأعظم بعض الإعلاميين اللبنانيين الذين صدّقوا أنّهم «نجوم»، ويحقّ لهم ما لا يحقّ لغيرهم، لا بل يظنّون أنّهم يستطيعون الشتم والسباب، وتحويل الندوة ـ التي يفترض أنها ستتمخّض عن آلية لتحسين البرامج الحوارية ـ إلى برنامج حواريّ «لبناني»، نجومه سياسيون أتحفونا دائماً ببذاءة كلامهم ونطقهم.

لـ«دويتشه فيله DW» ألف شكر وشكر على الدعوة، ولـ«النجوم» الذين ظنّوا أنّهم يحلّقون في الفضاء الإعلامي نقول إنّ الشتم لم يكُ يوماً لغة إعلاميّ!

في ما يلي، سنسرد تغطية الندوة، تماماً كما يجب أن يكون السرد، بـ«لاموضوعية»، لنُفهم القارئ المفاصل التي دار حولها الحوار، وسنترك للزميل العزيز جهاد أيوب، الذي تحمّل وصبر، مهمة فضح ما قام به بعض النجوم، في إطار منفصل متصل.

الندوة

أقيمت في فندق «لو رويال» ـ ضبيه، حلقة حوار حول البرامج الحوارية، شارك فيها الإعلاميون: ريما كركي، زياد نجيم، جو معلوف وجعفر عبد الكريم، بدعوة من مؤسّسة «دويتشه فيله DW» الألمانية، حضرها رؤساء عدد من المؤسسات الإعلامية ومديروها ونخبة من الصحافيين، وتطرّقت فيها مديرتها الإعلامية ديمة ترحيني إلى مبدأ الحياد والموضوعية، كمطلبٍ للرأي وواقع الإثارة.

استهلّت الحلقة بكلمة مديرة التسويق في الشرق الأوسط سارة هاشم التي رحّبت بالحضور بِاسم مؤسّسة «دويتشه فيله DW» وقالت: هي مؤسّسة إعلامية تخاطب العقول منذ أكثر من ستّين سنة، لا باللغة العربية فحسب، إنما بثلاثين لغة مقروءة ومسموعة ومرئية.

وأضافت: مخاطبة العقول ليست فقط شعاراً اتخذته هذه المؤسسة لنفسها، إنما هي منهج نؤمن به ونعمل به بشكل يوميّ، فنحن نسعى بتغطياتنا الإخبارية وبرامجنا الحوارية ومجلاتنا الثقافية والعلمية لأن نتيح للمشاهد والمستمع والقارئ العربي مساحة حرّة لأعمال العقل. يتفق المُشاهد معنا أحياناً ويختلف معنا أحياناً أخرى من دون أن يفسد ذلك في الودّ قضية. فقناعتنا أن المُشاهد هو في النهاية صاحب القرار الحرّ والاختيار.

وختمت: مخاطبة العقول هي أيضاً السمة التي جعلت منّا شريكاً لكبريات المؤسسات الإعلامية في العالم العربي. مخاطبة العقول هي السبب الرئيس وراء تواجدنا هنا الليلة. إن هذه الفعالية تسعى إلى ضمّ مجموعة كبيرة من أبرز الإعلاميين اللبنانيين لمناقشة تحدّياتهم اليومية في عملهم من أجل خلق الوعي وتشكيل العقول.

ترحيني

وقالت ترحيني: نحن نتحدّث عن موضوع مهمّ وشائك في هذه المرحلة، ويتمثّل بأهمية البرامج الحوارية في المحطات التلفزيونية التي تأخذ مساحة مهمة، وتعتبر الهوية لكلّ محطة. أصبحت البرامج الحوارية في الآونة الأخيرة سلطة بحدّ ذاتها، وفي أحيان كثيرة تعيد تعريف المشهدين السياسي والاجتماعي وتشكيلهما أيضاً. أصبح مقدّمو البرامج الحوارية حتى متحدّثين في النقاش والجدل العام.

وأضافت : إذا كانت نسبة انتشار هذه البرامج قد ازدادت في السنوات الأخيرة وزادت معها أيضاً نسبة المنافسة، ارتفعت أيضاً نسبة الانتقاد الموجّه إلى بعض هذه البرامج الحوارية. وهنا يجب أن نضيء على هذه الانتقادات، العوامل والأسباب التي أدّت إلى زعزعة الثقة في بعض الأحيان بين المُشاهد وبين المحاور، والانتقادات تشير إلى تجاوز بعض البرامج الحوارية القيم والمبادئ المعنية، تحوّل البرامج إلى ساحات اتهامات، الاعتداء على الخصوصية بإثارة الفضائح، عدم مراعاة المجتمع والذوق العام، السعي إلى الإثارة على حساب النوعية، والخروج من عباءة الموضوعية إلى الذاتية.

وتساءلت ترحيني عن دور المُحاوِر وحدود الموضوعية في طرح ملفات شائكة وحسّاسة، وإن كان ممكناً التوفيق بين الموضوع والرأي والإثارة.

كركي

وبالحديث عن الموضوعية والحرّية وإعطاء مساحة للتعبير وحدود طرح المواضيع، ودور الإعلامي بين إدارة الحوار، أو أن يكون صاحب رأي في البرنامج قالت كركي: إن البرنامج الذي يتضمّن مواجهة لا يكون ذا طابع حواريّ، والمواضيع التي نتطرّق إليها لا تحتمل الموضوعية والحيادية، فهي تتعلق بالظلم اللاحق بالناس، والحيادية والموضوعية في هذه الحالة خطيئة وخيانة.

ورأت كركي أنّ معيار النجاح يكون في التقييم الهادئ لكلّ حلقة مع فريق البرنامج، ومن لا يعترف بالفشل مرّة لا يمكنه أن يدرك النجاح مرّات.

نجيم

أما نجيم، فرأى أنّ الموضوعية غير موجودة. فهي مجرّد حلم يتغنّى به الصحافيون ليتميّزوا عن غيرهم. مشيرا إلى أنّ الموضوعية تتماشى مع الحرّية والديمقراطية وهذا ليس ممكناً في مجتمع عاش الحروب الصليبية والفتوحات الإسلامية وأحرق كتب ابن رشد واغتال نسيب المتني…

وسأل: كيف يُطلب من الصحافي الذي يغامر بحياته ووقته وجهده وعمله أن يكون موضوعياً. معتبراً أنّ مبادئ الموضوعية موجودة فقط في كلّيات الإعلام.

عبد الكريم

من جهته، شدّد عبد الكريم على أنّ واجب الصحافي أن يكون حيادياً، وأن يعمل بشكل دؤوب على أن يكون كذلك. وإن كانت الحيادية غير موجودة، فواجب الإعلاميّ أن يدعوها إلى الوجود.

وقال: نحن كإعلاميين علينا أن نكون صنّاع الحيادية، والتحدّي الذي تنبغي علينا مواجهته هو أن نكون موضوعيين في طرحنا وتطلّعاتنا وتفكيرنا وعدم الإفصاح عن رأينا السياسيّ.

وردّ غياب الموضوعية إلى الأوضاع في البلاد العربية والمناخ السائد فيها وقال: لذلك، علينا أن نتحدّى الواقع بأن نكون موضوعيين في تطلعاتنا، في اختيارنا ضيوفَنا وعدم إعطائنا رأينا السياسي الشخصي، وفي عدم اصطفافنا مع أيّ جهة احتراماً للمشاهدين، لا سيما للمؤسسة التي نعمل فيها.

وتطرّق عبد الكريم إلى تجربته الإعلامية مشيراً إلى تمتّعه بالحيادية والموضوعية، وقال: ليس بالضرورة أن يعيش الإعلاميّ في بلد ما كي يتفاعل مع ما يحدث فيه. مستشهداً بقربه من الشباب العربي في أيّ بلد كان في برنامجه «شباب Talk».

معلوف

أما الإعلامي جو معلوف، فاعتبر أن للإعلاميّ رسالة قد تتعدّى إيصال المعلومة، خصوصاً في بلاد ينخرها الفساد كما الحال في لبنان.

وبعد ختام الندوة، أقامت المؤسّسة حفل عشاء على شرف شركائها في لبنان، وتوجّهت مديرة التوزيع والتسويق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سارة هاشم بكلمة إلى الحضور، معبّرة عن سعادتها بتعاون «دويتشه فيله» مع كبرى المؤسسات الإعلامية في لبنان.

زياد نجيم… «يا عيب الشوم»!

جهاد أيوب

رغم تأخير دام لأكثر من نصف ساعة من دون مبرّر أو اعتذار، واصلنا الانتظار احتراماً للدعوة والزملاء والترحيب «الجنتل» من قبل المستقبلين. ولكن أن نُشتَم جميعاً، ونُهان مباشرةً وعمداً، ونوصَف كشعب وإعلاميين ومواطنين بكلام نابٍ وجارح لا يقال في الشارع، ونسمعه من «دواعش» هذا الزمن العاقر، فهذا أمر لن نقبل به.

وبما أننا نحترم أنفسنا، والمؤسّسة التي ذهبنا لنمثّلها، انسحبنا من جلسة كنّا نعتقد أنها ستفيدنا مهنياً، لا أن تهيننا وتتعامل معنا بسخرية.

نأسف أن نشير إلى ذلك. ولكن هذا ما كان بعد تلببة دعوة مؤسسة «دويتشه فيله DW» الألمانية، لحضور حلقة حوارية أو ندوة غاية في الأهمية، تُعنى با علام اللبنانيّ وما يواجهه، تحت عنوان «البرامج الحوارية مبدأ الحياة… ومطلب الرأي وواقع الإثارة»، ويحاضر فيها نخبة من زملاء الدرب الشائك: الدكتور زياد نجيم، ريما كركي، جو معلوف، جعفر عبد الكريم. وتديرها ديمة ترحيني، وذلك في صالة فندق «لو رويال» ـ ضبيه.

بدأت الزميلة ديمة مربكة ولا نعرف السبب، صعد إلى المسرح أولاً زياد نجيم، ثمّ تبعه باقي الزملاء. وما أن سألت المحاوِرة ثلاثة أسئلة مباشَرة للزميلة كركي، أدركنا أن الإعداد مربَكٌ لا منهجية فيه، وقد يُشعل الفوضى، ويفلت من بين يديذ المذيعة والهدف.

ردّت ريما بتهذيب من خلال تجربتها في «للنشر» فقط. ورغم عدم قناعتنا بما طرحته حول عدم حياديتها في قضايا الناس وما شابه، احترمنا وجهة نظرها ما دامت تخصّها وتخصّ ما تعلّمته، وما وصلها من الإعلام المباشر مع الناس.

وصل الدور إلى الزميل نجيم، الذي بدأ محارباً ومباشِراً وساخراً من الأسئلة والندوة والحضور. رافضاً الموضوعية «التي تشكّل الحلم الذي يتغنّى به الصحافيون» على حدّ تعبيره.

وأضاف: الموضوعية غير موجودة لأنها تسير مع الديمقراطية والحرّية… لا يوجد مُشاهد ولا إعلام… توجّهوا إلى الغرائز أفضل لكم… كلكّم تلحسون! تأكلون…! أغبياء…! أنتم مغتصَبون…».

وكلّما وصل الدور إلى زياد، يعاود هجومه وكلامه البذيء الموجّه إلى الزملاء في الصالة، ويعمّم شتائمه التي نخجل أن نكتبها، والتي لا تقال حتّى في الشارع. ربما نسمعها من زُمَر «داعش» حينما يهاجمون خصومهم، ولا عجب إن خرج «داعش» سفيهاً ولدينا آراء إعلامية فاقدة الموضوعية والأخلاق كهذه.

حدث التململ من قبل الحضور، وأخذت التعليقات الساخرة والردود المباشرة تصل إلى المنصّة من دون أن تتنبه ترحيني لخطورة ما يحدث في الصالة وعلى مسرحها. ولم تعلّق على كلام نجيم، بل استمرّت في «حوار الطرشان» لتنتقل إلى سؤال آخر من دون أن تعلم ما حدث للأسئلة السابقة.

يردّ الزميل جعفر عبد الكريم بمهنية موجودة في الكتب فقط، ولا قيمة فيها خلال العمل، وتحديداً في العالم العربي. اعتبر أن واجب كلّ صحافيّ أن يكون حيادياً، والتحدّي أن يكون موضوعياً، واحترام الذات هو القرار.

كما توجّه عبد الكريم منتقداً الزميل جو معلوف لمشاركته في تظاهرة شعبية.

ردّ معلوف مباشرة: كلام الزميل جعفر جميل لكونه يعمل في دولة أوروبية، إنّما كتجربة واقعية، لا يصلح ولا يطبّق في دولنا، لا موضوعية في لبنان أبداً.

وأشار معلوف إلى أنّ برنامجه ليس حوارياً، ولا ينطبق عليه ما يدور هنا في الندوة.

وعادت الزميلة ديمة ترحيني لتدير الحلقة بعناوين عامة كبيرة، لنحصد الردود المحلية الضيّقة ولنتوه بأمور شخصية. ولعبت «الأنا» لعبتها، فشعرنا أننا أمام تجارب رائدة عمرها مليون سنة.

بدأ الانزعاج تظهر علائمه على الحضور، كان الأكثر جرأة الزميل محمد حجازي الذي عبّر عن رفضه كلَّ ما قيل، وأن ما سمعه من إهانات لا يقبل به، رافضاً أن نكون في جلسة هدفها شتم الحضور لا أكثر.

وأكملت الزميلة ترحيني حواراتها من دون أن تتلمّس ما يحدث في الصالة، وتجاهلت حدّة ما يقال وما سمعته. ويأخذ زياد قيادة الدفّة ويكيل هجوماته ومفرداته النابية العامة، ينتقد هذا، ويشتم ذاك، ويأخذ ردوده خارج سياق السؤال والموضوع ليوجّه رسائل عشوائية غاية في السخرية والتطاول على الخلق.

يحقّ لزياد أن يطرح ويقول وينتقد كما يشاء، وعليه أن يحترم من يسمعه، ويحترم عقول الناس، ويحترم فكرنا لا أن يتعمّد التجريح، وأن يُظهر نفسه أنّه الوحيد الفاهم، والبشر كلّهم حيوانات. والأخطر أنه لا يسمح للرأي الآخر، ولا يسمح بتكملة السؤال، ولا يسمح بفكر من يتحاور معه، ولا يسمح بوجود آخر «من أصلو».

على زياد أن يتعلّم أصول الحوار وآداب المخاطبة، وأن هناك فروقات بين لغة مَن يحاضر ولغة الشارع، وأن يتعلّم كيفية التمييز بين الموقف والرأي.

ونظراً إلى تطاول زياد على الزملاء والناس، ونظراً إلى غياب الإعداد والمسؤولية حتى وصلت الأمور إلى التجريح، كان لا بدّ من الانسحاب.

لا نتحمّل فشل أيّ مذيع أو زميل، ولا يحقّ لمن يعتقد أنه إمام عصره الإعلاميّ أن يلغي الناس والمهنة. ومهما تغنينا بالحرّية، لا يحقّ ممارستها بالتجريح وبقلّة الأدب وبالفوقية. مهما ارتفع الحذاء عن الأرض، فالنتيجة الكلّ يقفون على الأرض!

ندوة «D W» لم توفّق في اختيار بعض المحاورين، ولم تتمكّن مذيعتها التي سجنت حضورها بأسئلة مسبقة من استيعاب ما يحدث وما يقال، فتاهت وأُربكت… و«فرطت» الندوة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى