«الغريبة» لعزّ الدين سليمان… محاولة لإحداث ابتكار في النصّ الشعري

محمد خالد الخضر

يذهب الشاعر عزّ الدين سليمان في مجموعته الشعرية الصادرة حديثاً بعنوان «الغريبة»؟ إلى محاولة إحداث ابتكار في النصّ الشعري بأسلوب حديث يرتكز على إرث موسيقيّ عريق.

وتأتي العاطفة في شعر سليمان نقيّة خالصة ترفل بموهبة شعرية أتت بأسلوب الشطرين الذي استطاع أن يعبر عن مكنونه الداخلي في حبّ شفيف رقيق وعذريّ، جاء بشكل هادئ مع رويّ ساكن ودلالات متماسكة مع أسس النصّ الشعريّ، فقال في قصيدة «يا قلب»:

دعني أفكر مرّة أو مرّتين

يا قلب واسمح لي بنصف دقيقتين

تلك التي سرقت ربيعك كلّه

هي لم تزل محتارة ما بين بين

وتقول… أفديها بمقلة عاشق

قصرت يا قلبي فقل… بالمقلتين.

ثمّ يذهب عبر الغزل إلى مسافات بعيدة في خيال شاسع جامح يفتش عن رؤاه بوساطة دلالات توحي إلى حبّ يهدف إلى أن يكون المرأة والرجل في المكانة الإنسانية ذاتها، ثم يستخدم الوصف ببراعة تصويرية تؤدّي إلى نصّ شعريّ في مستواه اللائق. يقول في قصيدة «على شرفات موتي»:

سقطت إلى أعلى الحنين فقلت يا

دنيا متى سأشمّ نبض حنينها

ومتى عصافيري الجريحة مرّة

ترفّ مثل الحلم فوق غصونها

ومتى أمدّ يدي لأمسح أدمعاً

كانت تنادي غربتي بعيونها.

وفي نصّه الشعري، ثمّة اتجاه إلى الحبّ الذي يأبى إلا أن يكون عبر كبرياء يكلّله بالحذر، الذي يدفع إلى تقدير الشاعر، واحترام نصّه الإبداعي عندما ينظر إلى المرأة على أنها إنسانة، وأنّ الحبّ قداسة كبرى ملوّنة بصدق المشاعر وفرح الأحاسيس، فقال في قصيدة «الباب المفتوح»:

وعلى غيابك كم أدرّب روحي

لكنها اكتشفت غموض وضوحي

وكم ادّعيت بأن بابي مغلق

كي لا تمرّي في فضاء جروحي

واستغربت من كبرياء مزاعمي

واستغربت من بابي المفتوح.

ويتشكّل النصّ الشعريّ عند سليمان في لوحة ملوّنة تجمع بين بهاء الطبيعة وما في داخله من مشاعر وحبّ، ثم يكوّن معانيه بأسلوب قصصيّ يبدأ بحدث وينتهي بهدف يختم فيه تحوّلات الحدث، كما قال في قصيدة «أشار القلب»:

وراءك كان يمشي نبع ماء

وخطو الماء أسمعني صداه

أكان النبع قلبي… كان قلبي

ويعرف أنه عندك منتهاه

أشار إليّ فلتنظر ورائي

نظرت فكان يتبعه هواه.

وفي محاكاته الشاعرَ ديك الجنّ الحمصي، يكوّن قصة شعرية واحدة تجمع بين المعاني التي يريدها، وبين قضية الحبّ وقصّتها عند ديك الجنّ، فكان نصّه مليئاً بعبق التراث ورونق الأصالة وشفافية الحاضر، فقال:

مثلي رفيق الجنّ لا يهدى

ويصوغ من أحزانه لحدا

قالوا له… أتحبّ جارية

حسناء باعت حسنها الفردا

عميت يداه وراح يسألها

عمّا جرى ولم ينتظر ردّا

أجرى دماء كان يعشقها

جدّاً وظل يحبّها جدّا

وأنا تغازلني هنا امرأة

يا ناس لا أحلى ولا أندى!

«الغريبة»، مجموعة شعرية من منشورات «الهيئة العامة السورية للكتاب» في وزارة الثقافة، تقع في 134 صفحة من القطع الوسط، وجاءت وفق أسلوب سهل ممتنع بشكل عفويّ، ووفق معايير الشعر الأصيل وما يكوّنه من أسس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى