هل تريد أميركا حلاً سياسياً في سورية ؟

حديث جون كيري الأخير، عن وجوب حظر الطيران السوري في الشمال السوري يؤكد، بما لا يقبل الشك، استمرار أميركا، وحلفائها، في حربهم، غير المباشرة، على سورية. وهذا بدوره، يؤكد، أيضاً، وبما لا يقبل الشك، أنّ أيّ حديث عن تفاهمات وتوافقات وهدن ومؤتمرات، هدفها الوصول إلى حلّ سياسي للحرب على الدولة السورية ما هو، بالنهاية، إلا حديث وكلام فارغ من أيّ مضمون، يمكن تطبيقه على أرض الواقع. فأميركا وحلفائها، في الغرب وفي المنطقة، كانوا وما زالوا، يمارسون دورهم الساعي إلى إسقاط الدولة السورية، بكلّ أركانها، بفوضى طويلة تنتهي، حسب رؤيتهم، بتقسيم سورية. وإلى حين اقتناع أميركا وحلفائها، بحلول وقت الحلول للحرب على الدولة السورية، ستبقى سورية تدور بفلك الصراع الدموي، إلى أن تقتنع أميركا وحلفاؤها بأنّ مشروعهم الساعي إلى تدمير سورية، قد حقق جميع أهدافه، أو أن تقتنع بانهزام مشروعها فوق الأراضي السورية. وإلى ذلك الحين، سننظر إلى مسار المعارك على الأرض، لتعطينا مؤشرات واضحة عن طبيعة ومسار الحلول المستقبلية للحرب على الدولة السورية وعلى الشعب السوري، الخاسر الوحيد من مسار هذه الحرب، المفروضة عليه.

في هذه المرحلة، لا يمكن الحديث، أبداً، عن أنّ أميركا وحلفاءها قاموا بإعادة دراسة استراتيجيتهم للحرب على سورية، ومن دون وجود مؤشرات ميدانية وسياسية توحي بذلك، لا يمكن، أبداً، الحديث عن مؤشرات لتغيير استراتيجية الأميركيين وحلفائهم للحرب على سورية، فهم اليوم يعودون مجدداً، للحديث عن مناطق حظر جوي. كما أنّ الأميركيين، اليوم، يعدون العدة لمعارك كبرى، سنعيش تفاصيلها، قريباً، كما تسرّب وسائل الإعلام الغربية، بشمال شرق سورية، سيدعمون فيها، إما الاتراك أو الاكراد، عبر ما تسمّى «قوات سورية الديمقراطية»، في الرقة وما حولها، لقطع الطريق على إنجازات الحليفين الروسي والسوري، في مناطق وأحياء حلب الشرقية. كما أنّ أميركا وحلفاءها، ما زالوا يحتفظون ويناورون بورقة «وفد الرياض»، كورقة رابحة، وليس، كما يعتقد البعض، أنّ «وفد الرياض» المعارض، انتهت مدة صلاحيته، في الغرب وفي المنطقة. كما أنّ أميركا وحلفاءها، ما زالوا يمارسون دورهم في الحصار الاقتصادي على الدولة السورية. وما زالوا يسعون لتعطيل أيّ مسار، أو حلّ، يضمن تحقيق حلّ سياسي للحرب على الدولة السورية. فهذه المؤشرات، جميعها، توحي بأن لا تغيير في استراتيجية أميركا وحلفائها، بحربهم على الدولة السورية. ومن هنا، فإنّ جميع الأقاويل والتحليلات التي تؤكد حدوث تغيير ما بالموقف الأميركي، ما هي إلا تحليلات فارغة من أيّ مضمون واقعي.

ومن هنا، يبدو واضحاً، من خلال تفاصيل ووقائع أحداث الحرب على الدولة السورية وبالتزامن مع توسع رقعة المعارك بين تنطيم «داعش» والجيش العربي السوري، في دير الزور، بعد الضربة الأميركية للجيش العربي السوري، بمحيط مطار دير الزور العسكري يبدو واضحاً اليوم، أنّ أميركا وحلفاءها، عادوا لتكرار اسطوانتهم المشروخة نفسها، التي يكرّرونها منذ خمسة أعوام وإلى اليوم: «عن رحيل الأسد» و»الانتقال السياسي». وإنّ أميركا تدعم ما يسمّى «وفد الرياض». وهذا ما يدحض، بشكل قطعي، رهان بعض المحللين والمتابعين، الذين تحدثوا عن أنّ صمت واشنطن، في الفترة الأخيرة، عن معظم الأحداث التي تجري بسورية، هو قبول بسياسة الأمر الواقع. وإنّ واشنطن، أقرّت بهزيمتها فوق الأراضي السورية. لكن حقائق الواقع وخفايا ما وراء الكواليس، تدحض كلّ هذه التحليلات.

من هنا، يبدو واضحاً أنّ مجريات الميدان السياسي السوري، ومسار المعارك على الأرض، لا يوحي، أبداً، بإمكانية الوصول إلى حلّ سياسي دولي، توافقي، للحرب على الدولة السورية، بسهولة. فما زالت المعارك تدور على الأرض، بقوة وزخم أكبر ومع دوي وارتفاع صوت هذه المعارك، يمكن القول أنه، بهذه المرحلة، لا صوت يعلو على مسار الحسومات العسكرية لجميع الأطراف، من الشمال إلى الجنوب، مروراً بالشرق السوري. فالمعارك تسير بعكس عقارب الحلول السياسية وكلما سمعنا مؤشرات عن حلّ سياسي، يأتي من هنا وهناك، نرى حالة من التصعيد العسكري، غير المسبوق، على مختلف الجبهات السورية المشتعلة. وهذا ما يؤكد أن خيارات الحسم الميداني وميزان القوة بالميدان، هو من سيحسم، بالنهاية، المعركة على الأرض السورية.

ختاماً، في هذه المرحلة تحديداً، من الواضح أنّ مؤشرات الأحداث بسورية، تعكس حجم الأهداف المطلوب تحقيقها فيها، ومجموعة الرهانات الأميركية، المتعلقة بكلّ ما يجري في سورية، هي أهداف تتداخل فيها حسابات الواقع المفترض للأحداث الميدانية، على الأرض، مع الحسابات الأمنية والعسكرية والجيوسياسية، للجغرافيا السياسية السورية وموازين القوى في الإقليم، مع المصالح والاستراتيجيات للقوى الدولية، على اختلاف مسمّياتها. كما تتداخل فيها ملفات المنطقة وأمن «إسرائيل» والطاقة وجملة مواضيع أخرى. وهذا ما يوحي بمسار تعقيد شائك، دخلته تفاصيل الحرب على الدولة السورية. فطرق الحلّ والتسويات بسورية، تخضع للكثير من التجاذبات والأخذ والردّ، قبل وصول الأطراف الرئيسية المعنية، إلى قناعة شاملة بحلول وقت الحلول. وما لم تنضج ظروف التسويات الدولية ـ الإقليمية، فلا يمكن الحديث عن إمكان فرض حلول على الدولة السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى