تقرير

نشرت صحيفة «روسيسكايا غازيتا» مقالاً بقلم البروفيسور فيودور لوقيانوف عن الاتفاق الروسي ـ الأميركي حول سورية يشير فيه إلى أن الجهود الدبلوماسية ذهبت أدراج الرياح.

وجاء في المقال: اتفاق وقف إطلاق النار في سورية فشل، وذهبت الجهود الدبلوماسية التي بُذلت طوال أشهر أدراج الرياح، واحتدمت الانفعالات من جديد. وتميّز اجتماع مجلس الأمن الدولي بتوجيه اتهامات مباشرة إلى روسيا بارتكابها جرائم حرب. والهجمات الإعلامية ـ الدعائية المتنوعة مستمرة، وفي قلب الأحداث هذه المرة مأساة حقيقية: المذبحة في حلب مستمرة وهناك عشرات الألوف من الرهائن. وبالطبع، في مثل هذه الأوضاع يكون من الصعب الانفلات من هذا الكابوس وتحليل ما يجري بهدوء وببرودة أعصاب. ولكن لماذا لا تفلح التسوية؟

الأزمة السورية ـ هي مركز جميع التناقضات الممكنة. فقد بدأ «الربيع العربي» في سورية بصورة احتجاجات مجموعة من السكان غير راضية عن الوضع، وخلال خمس سنوات تحولت إلى صدام غير مباشر بين القوتين العظميين ـ روسيا والولايات المتحدة. وقد تخللت هذه الفترة أخطاء وتصرفات غير مهنية من جانب السلطات السورية والراديكاليين داخل سورية. وازداد تدخل القوى الخارجية في البداية من قبل الدول المجاورة، التي سعت إلى تحقيق أهدافها على حساب سورية. جرى كل هذا على خلفية موقف الغرب المنحاز الذي رأى «تطلّعات الشعب» شرعية، وما تقوم به السلطات الرسمية غير شرعي.

كل هذا أجّج المنافسات الإقليمية على النفوذ. فبنتيجة أحداث مطلع القرن الحادي والعشرين تزعزعت الأوضاع في ثلاث دول رئيسة من العالم العربي، العراق ومصر وسورية. ودول الشرق الأوسط الكبيرة استغلت الوضع في تصعيد الأزمة لتتخذ طابعاً إقليمياً عبر ظهور حركة إرهابية قوية ولكن من دون أن تكون قادرة على تسوية المشكلة. وهكذا، إلى أن وصلت إلى موسكو وواشنطن. واتضح أن الاتحاد الأوروبي ودول أوروبية أخرى ليست قوى مستقلة في الأزمة السورية، رغم أنه في البداية كان يُعتقد أنها ستلعب الدور الحاسم، لأن مشكلة الشرق الأوسط هي في الواقع تهدّدها.

أما الصين، فتتطلع إلى دور عالمي ولكنها ليست جاهزة بعد للعب هذا الدور. لهذا من جديد تشابكت روسيا والولايات المتحدة، حيث تعدُّ سورية حجّة جدّية للتبارز بالإمكانيات بدلاً من ساحات القتال.

إن انعدام الثقة لم ينجم عن ملابسات التعاون في سورية، بل هو ثمرة مرحلة ما بعد الحرب الباردة. في مثل هذه الظروف يكون الاتفاق ممكناً في حالة واحدة فقط، عندما تكون كل خطوة صغيرة وكبيرة مثبتة بالتفصيل في الوثيقة مع تعاقب هذه الخطوات. ويبدو أن هذا ما تضمّنه الاتفاق الأخير. ولكن المشكلة تكمن في عدد الأطراف الملزمة بتنفيذ هذا الاتفاق.

ففي المرحلة السابقة على تخوم السنة الماضية والسنة الحالية، قبل أن يبدأ تنفيذ الخطة السابقة ، كانت العراقيل الرئيسة هي مواقف الدول الإقليمية: تركيا، المملكة السعودية، إيران. حيث لم يكن بالإمكان اعتبارها ضمن الاتفاق لتعارض مواقفها. أما حالياً، فالمشكلات أكبر وتكمن في علاقة الدول العظمى بـ«أنصارها» داخل سورية.

لا يمكننا انتظار سياسة واضحة قبل تشكيل إدارة جديدة للبيت الأبيض: لأن الولايات المتحدة مبدئياً لا تعرف ما يمكن عمله في الشرق الأوسط. لا تتمكن الولايات المتحدة من كشف علاقاتها مع مختلف المجموعات «المعارضة». إذ إن معايير «الاعتدال» والتمييز بين «المعتدلين» و«الراديكاليين» صعب. وإن محاولة تقوية «الجيدين» وعزل «السيئين» تؤدّي إلى نتائج عكسية.

أما بالنسبة إلى روسيا، فالمسألة مختلفة. قوات الحكومة السورية مرهقة، ولن تتمكن حتى مع الدعم الخارجي من تنفيذ مهماتها العسكرية والسياسية. وفي الوقت نفسه، إن سياسة روسيا في سورية وفي الشرق الأوسط تعتمد على موقف أساس: الاستقرار غير ممكن من دون تعزيز النظام الحاكم، مهما كان لأنه فقط على هذا الأساس يمكن تحسين وضع الدولة. ولكن ما الذي يمكن عمله إذا لم تكن موارد النظام كافية، إن تعزيزه ببساطة في هذه الحالة لم يصل إلى المستوى المطلوب؟

يكفي أن ننظر إلى خريطة حلب التي توضح مناطق نفوذ مختلف المجموعات لكي ندرك أن تثبيت خطوط فاصلة بينها أمر غير وارد عملياً. إنها حالة مشابهة لشرق أوكرانيا قبل سنتين: لكي تتوقف العمليات الحربية لا بدّ من موافقة الطرفين لأنه أولاً لا يمكن «تحسين» الحدود الفاصلة بالقوة، وثانياً هذه الحدود ثابتة للحماية من العدو. وإذا لم يحدث هذا، فإن محاولات تعديل المواقع ستستمر في إفشال الاتفاقات.

والمجموعات المتحاربة في سورية تحاول فرض هذا الواقع على شركائها الخارجيين، لكي لا يتراجعوا. وبما أنه من الصعب الاتفاق مع الولايات المتحدة بسبب اختلاف مواقف مؤسساتها حالياً، لذلك يجب انتظار تشكيل الادارة الجديدة للبيت الأبيض بغض النظر عمن سيصبح رئيساً للبلاد. لأن من مصلحة أيّ رئيس للولايات المتحدة الأميركية توريط روسيا جدّياً ولفترة طويلة في الشرق الأوسط. لذلك لا نريد إمتاعه بهذه اللذة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى