الروسي لا يحبس الأنفاس، هل تواجه واشنطن أم وقع الفأس في الرأس؟

د. محمد بكر

بين تعليق واشنطن إتفاق وقف إطلاق النار في سورية، مع موسكو. وبين ما سُرّب من تصريحات لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لبعض المعارضين السوريين، نقلتها «نيويورك تايمز»، بالأسف لعدم تمرير الخيار العسكري في سورية والاعتراف بأنّ تقديم المزيد من الدعم للمعارضة، سيؤدّي إلى مزيد من التدخل الإيراني وحزب الله يجعل الأمر ملتبساً، حول ماهية السلوك الأميركي في المرحلة المقبلة، سواء لجهة التسليم والانكفاء، أو المزيد من المواجهة مع الروسي؟

لن يختلف المضيّ الروسي في الميدان السوري، في اعتقادنا، بعد قرار التعليق، عما قبله، إذ، في الوقت الذي كانت فيه الدعوات الروسية حاضرة لهدن جديدة والقول أنّ الاتفاق، مع الأميركيين، دخل غرفة العناية الفائقة وثمة أمل لإعادة إحيائه، كان القصف الروسي مستمراً في حلب، بالتوازي مع تقدّم الجيش العربي السوري واستعادته مناطق مهمة هناك، ما يجعل الخطاب الروسي حول ديمومة الاتفاق، في إطار المناورة ووضع الخصم الأميركي على المحك. وعليه، فإنّ الروسي سيستمرّ في استراتيجيته العسكرية بنفس واحد وبالوتيرة ذاتها، إنْ لم يكن أكثر. سببان رئيسان وصّفهما بدقة، يعقوب عميدرور، في مقال نشره في صحيفة «إسرائيل اليوم»، حول استمرارية الروسي في نهجه العسكري وعدم التنازل أو التراجع.

النقطة الأولى: أنّ جزءاً كبيراً من خطوات روسيا في سورية، موجه ضدّ الولايات المتحدة. لكن ضعف الإدارة الأميركية الحالية وخشيتها من مواجهة عسكرية مباشرة بحسب عميدرور يدفع روسيا لعدم التنازل.

النقطة الثانية: الإيقاع «الإسرائيلي» المضبوط روسياً. وتالياً، حصر وتقويض أيّ امتدادات تجعل حلفاء روسيا في مواجهة مع حليفتها «إسرائيل». يقول عميدرور: هناك فهم «إسرائيلي»، بأنّ «إسرائيل» لا تستطيع منع التعاون بين إيران وحزب الله وسورية. وإن اعتمدت على الأمل بأنّ روسيا ستقيّد حزب الله وإيران في العمل ضدّ «إسرائيل»، فإنّ على «إسرائيل» التعايش مع القوات الروسية بالقرب منها وتوضيح مصالحها، لكن من دون تصادم مع روسيا، لا بل محاورتها على المستويات كافة.

لا نعرف إنْ كان ما تمّ إعلانه من قبل «جيش الفتح» لجهة النفير العام، لفك الحصار عن حلب وما أعلنه القيادي في «أحرار الشام» أبو أحمد الأنصاري، بأنّ هناك عملاً عسكرياً ضخماً يتمّ التحضير له، على الجبهات والقطاعات كافة. وإنّ الأيام المقبلة، ستشهد مفاجآت تغيّر المعادلة في حلب يأتي في سياق الانعكاسات الأولية لتعليق الاتفاق الروسي الأميركي، من جانب واشنطن. وأنّ أسلحة مضادة للطائرات باتت في حوزة هؤلاء؟ أم يندرج في إطار الصراخ، الذي لا يسمع نداءاته وعويله أصحاب «الحمية والنخوة»؟

تعليق الاتفاق من الجانب الأميركي، لن يتطوّر، في اعتقادنا، إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع موسكو. وإنّ السقف الأعلى لمفرزات هذا التعليق، هو بقاء «السيناريو» الحالي على وضعه، على قاعدة استمرار الاستثمار الأميركي في جملة الأوراق التي تواجه الخصوم، على أمل الوصول إلى نقطة، تحدث عنها عميدرور، في المقال ذاته، هي النقطة التي تتصادم فيها طموحات روسيا بجدار قدراتها المادية، نتيجة تدخلها العسكري في سورية. بينما سيكون سقفه الأدنى، مدلولات ما أعلنه وزير الخارجية البريطاني، التي لا تشي إلا بقلة الحيلة وعدم القدرة على المواجهة وإيقاف السيل الروسي، لجهة أنّ السلاح الوحيد الذي تبقّى لتتراجع موسكو، هو سلاح الخجل، فكان ردّ ماريا زخاروفا حاضراً بقوة، عندما طالبته بإشهاره، أولاً، إضافة إلى ما صاغته من حوار افتراضي، في تغريدة لها، بين وزيري الدفاع والخارجية الروسيين، في تحدّ واضح وحرب كلامية من العيار الثقيل.

قيل نقلاً عن مصادر سورية، إنّ عملية حسم المعركة في حلب، تحتاج لأسبوع واحد فقط. هذا الأسبوع، الذي لن يأخذ فيه الروسي أيّ نفس، في وتيرة العمليات العسكرية. فيما تبدو المعارضة وصراخها متقطعي الأنفاس، جلّ ما تخشاه، جدية ما تحدث به كيري. وعندها سيكون فأس الانكفاء قد أصاب، حتماً، الرأس. ولعلّ الأيام القليلة المقبلة ستبوح، ربما، بمسار الصراع.

كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا.

Dr.mbkr83 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى