على ماذا اعتمد أردوغان… حتى استطال لسانه؟

محمد شريف الجيوسي

كان أردوغان الأكثر استفادة من العلاقات مع الدولة الوطنية السورية قبل شنّ الحرب عليها ورغم أنّ نحو 84 دولة شاركت في هذه الحرب على سورية بكيفيات وأشكال وأحجام متباينة، إلا أنّ أردوغان كان أقذر المحاربين ضدّها، والأكثر استعداداً لشنّ الحرب عليها قبل حين من بدئها، وكان الأكثر شططاً في المطالبة بإسقاط الدولة وتنحية الرئيس بشار الأسد، والأكثر مراهنة على ذلك.

لكن حسابات أردوغان و أقرانه ذهبت سدى، رغم كلّ الأضرار وحجم الخسائر الهائل التي ألحقت بالدولة في سورية، على الصعيد البشري والاقتصادي والمقدّرات والشروخ الاجتماعية التي أحدثتها آلة الإعلام المضلّل.

ولم تذهب سدى فحسب المراهنات والأموال الهائلة التي أهدرت لإسقاط الدولة وتفتيت سورية وإقامة كانتونات مذهبية وطائفية واثنية متصارعة ـ وإنما أيضاً بدأت تنقلب على الدول الإقليمية الفاعلة في الحرب على سورية والعراق واليمن وليبيا… وهذا الإنقلاب لا يزعج واشنطن، فهي وعواصم ااستعمار القديم في أوروبا، تريد كلّ شيء في المنطقة، بمن في ذلك أكثر الزعماء و الدول تبعية وانخراطاً في المشاريع العدوانية، والفوارق هي فقط زمنية وفي الكيفية، ولكلّ حالة أو نظام طريقة في إسقاطه كلياً، إنْ استطاعوا حتى لو كان ساقطاً وطنياً .

لكن أردوغان رغم كلّ الجراح التي أثقلت الجسد التركي بسبب حماقاته ومراهناته العثمانية الجهالية، لم يرعو، فتركيا الآن أقلّ أمناً مما كانت عليه وقت وصول أردوغان إلى الحكم، وعلاقات أنقرة بدول الجوار متوترة، والإنجازات الاقتصادية التي تحققت في عهده آخذة في التلاشي وكان لسورية فيها بعض فضل بما أتاحت من انفتاح اقتصادي واجتماعي على تركيا كان على حساب المصالح الاقتصادية السورية، وبما ساعدت على انتقال الصادرات التركية إلى الخليج والأردن ولبنان عبرها بسلاسة ويسر، فضلاً عن تعاظم أعداد السياح السوريين إليها وعبر سورية لغيرهم .

رغم كلّ ذلك يتابع أردوغان حركاته الرعناء الدونكيشوتية الهوجائية، التي لا يمكن أن تنطلق من رجل دولة يحترم ذاته والدولة التي يجلس على أنفاسها، فقد هدّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام، بالقتل خلال 24 ساعة في حال تمّ إعدام الإخواني محمد مرسي. إنّ هذا التهديد فضلاً عن كونه ينمّ عن بلطجة، وفضلاً عن كونه تدخلاً في الشأن الداخلي لدولة أخرى ذات سيادة، يؤشر على أنّ لأردوغان نوايا ومطامع عسكرية خارج حدود تركيا، وفرض إرادات عثمانية على دول الإقليم، مثلما شنّ العثمانيون حروبهم التوسعية، بذريعة «نشر دين الله»، فارتكبوا من المجازر ما لم يرتكبه أحد في التاريخ الإسلامي، فأساؤوا لصورة الدين السمحة، وكان التوسع ضمن صفقة تمّت على حساب الكنيسة الشرقية، والتخلي عن نصرة عرب الأندلس الذين مورست عليهم أبشع أنواع التصفية العرقية، في صفقة لا يعلم بها إلا قليل من الناس.

ولم تقتصر تطاولات وتجاوزات العثماني أردوغان على السيسي ولسنا هنا بصدد تلميع الأخير، فلنا عليه ما يكفي ويزيد من الملاحظات، ولكن شأن مصر هو شأن داخلي مصري لا علاقة لأردوغان به، ولا لسواه من أصحاب المال .

إنّ لسان أردوغان المغمّس بشيء نجهل ماهيته، انطلق بمفردات لا تليق بصبي في حواري العشوائيات في بلدة معظم سكانها لم يدخلوا مدرسة يوماً، بما طال العبادي وهنا أيضاً لا نلمّع العبادي، لكن شأن العراق شأن شعبه وليس شأن عثامنة أتوا من خلف التاريخ فسوّدوه ولم يتركوا فيه صفحة بيضاء، ولم يدعوا لأنفسهم ما يفخروا به، وتركوا البلاد أكثر تخلفاً وجهلاً وفقراً وأقلّ أمناً واستقراراً مما كانت عليه.

لا ندري بمن سيأتي أردوغان إنْ تمدّد، هل سيأتي كما العثمانيين بالإرساليات الأجنبية الأوروبية التي تقاسمت الإشراف على الطوائف المسيحية… ليس حباً بهم ولكن محاولات لزرع فتن، وأقيمت في عهدهم أولى المستعمرات الصهيونية في مرج بني عامر وفي قرية المطلة في أقصى شمال فلسطين، وهذا يناقض روايات إسلاموية بأنّ العثمانيين رفضوا إقامة وطن يهودي في فلسطين، وسوى ذلك مما لا مجال للتفصيل به هنا.

أقول لصاحب اللسان الذلق المغمّس بشيء نجهله، فضلاً عن الأمجاد القديمة لآل عثمان، فإنّ زمانهم الغابر لن يتكرّر في أيامنا ولا مستقبلاً، فحملته مدّعون كاذبون قتلة ظلاميون فتنويون جهلة تابعون لأعداء ما يزعمون انهم حملته، وأنّ مصالحات أردوغان سواء مع الكيان الصهيوني عدو العرب أو مع صديقتهم روسيا الاتحادية، لن تخوّله شطط الكلام أو الأفعال، وأنّ الارتدادات المتصاعدة في بلاده جراء تدخلاته في الشؤون الليبية والسورية والعراقية وربما يتورّط أكثر هي مجرد بدايات، لن تكون برداً وسلاماً.

وختاماً فإنّ «إسرائيل» التي يتزنّر أردوغان بها لن تحميه، فهي لم تعد قادرة على حماية ذاتها بدلالة الحروب الأخيرة، أما روسيا الاتحادية فضلا عن أنها لن تبيع حلفاءها كما درجت أميركا وجماعة سايكس بيكو على بيع وخذلان حلفائهم وأتباعهم والأمثلة كثيرة، ستدافع عن سورية كما تدافع عن الساحة الحمراء، فهي بدفاعها هذا تدافع عن الذات فضلاً عن الأصدقاء، والشيء ذاته بالنسبة إلى طهران.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى