العالم العربي وسط التحوّلات الدولية الكبرى؟

كمال نادر

الحروب الكبرى تشكّل مفصلاً تاريخياً ومدخلاً لتغييرات جذرية في الخريطة السياسية للعالم، ومناسبة لسقوط دول وقيام أخرى ولصعود قوى عالمية وتقزيم قوى أخرى.

هكذا حصل بعد الحرب العالمية الأولى 1914- 1918 ، سقطت الامبراطورية العثمانية التركية، والامبراطورية النمساوية، وتغيّر النظام في الامبراطورية الروسية بسبب الثورة البولشفية، فنشأ مكانها الاتحاد السوفياتي.

ثم، بعد الحرب العالمية الثانية سقطت الامبراطوريات اليابانية والفرنسية والإيطالية، وخرج من الحرب ثلاثة منتصرين: الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا بنسبة أقلّ. وهذا ما رأيناه في مؤتمر يالطا، إذ اجتمع جوزيف ستالين وفرانكلين روزفلت وونستون تشرشل. أما الجنرال شارل ديغول فلم يدعَ، بعد ذلك صار العالم واقعاً تحت وطأة صراع بين جبارين هما: الاتحاد السوفياتي ومعه حلف وارسو، وأميركا ومعها الحلف الأطلسي. وظلّ الأمر هكذا حتى انهيار الاتحاد السوفياتي، عندها تفرّدت أميركا بالسيطرة على العالم وعاثت فيه حروباً ونهباً وفساداً.

اليوم يشهد العالم تغيّرات جيوسياسية كبيرة بعد صعود روسيا ووصولها بقوة على المسرح الدولي، وتشكّل الحروب الدائرة في سورية والعراق واليمن ساحة التفاعل الحادّ للصراع القديم المتجدّد من أجل السيطرة على الشرق وعلى موارد الطاقة. وسينتج عن هذا الصراع صعود قويّ لروسيا وإيران ودول مجموعة «بريكس» من جهة، ومن جهة أخرى سينتج تراجع لحجم النفوذ الأميركي والأطلسي ولبعض الدول العربية التي انساقت في مسار السياسات المعادية لبلادنا ولمعظم الشعوب العربية.

هي حرب دمّرت ليبيا واليمن والعراق وسورية، وقبلها لبنان، هي حرب تستهدف إتمام مخطط تصفية المسألة الفلسطينية، ومنح العدو الصهيوني الأمان السياسي والعسكري الذي لم يكن يتوقعه بعد حروبه الفاشلة وهزائمه المتتالية في لبنان وسورية.

كيف ستنتهي هذه الحرب الكونية الدائرة على أرض وطننا الكبير، سؤال يطرح كلّ يوم، والمؤشرات تدلّ إلى أنّ أميركا وحلفاءها خاسرون بكلّ تأكيد، وما يفعلونه حالياً من مناورات وضربات ليس سوى محاولات لاستنزاف قوى المقاومة ودولها والحلفاء.

لقد بات واضحاً أنّ سورية والعراق منتصران، وأنّ الحرب في اليمن ستتوقف، وأنّ معظم المناطق في سورية قد خرجت من الحرب وعادت إلى كنف الدولة، كما ظهر للعالم الفارق الكبير في المستوى والمواصفات بين السياسة الروسية والسياسة الأميركية ـ الصهيونية.

إزاء هذه المتغيّرات سنرى دولاً عديدة تنتهج سياسة متبدّلة عن مسارها السابق، وربما تنأى عن المحور المعادي الذي تنتمي إليه، علماً بأنّ هذا التبدّل لن يحصل سريعاً.

يبقى السؤال: ايّ منظومة جامعة يمكن أن تنشأ في العالم العربي لمواجهة التحديات المستقبلية؟.

وكيل عميد الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى