مَنْ يسبق مَنْ ومَنْ له الأولوية؟

مصطفى حكمت العراقي

تستمرّ التحضيرات والاستعدادات للمعركة الحاسمة في العراق لتطهيره من إرهاب داعش ومن سار معه في مشروعه التدميري والتكفيري، فتمّ تأمين تفوق عسكري عراقي وصف من المختصين بغير المسبوق في معارك كهذه، ما يمهّد لجعل قدرات الإرهاب في الصمود معدومة، رغم ما يرافق عملية التحرير من ملابسات وتشابك في الأدوار والأهداف، رغم انّ الجميع يظهرون نوايا المشاركة في التحرير وبينهم من يضمر النوايا السيئة، فالأتراك وإنْ كان من المستبعد ان يتدخلوا عسكرياً وبشكل مباشر وكبير، الا أنّ أهدافهم بتثبيت أقدامهم في شمال العراق لم يخفوها وأكدوها مراراً وتكراراً فهم يريدون المساهمة بإعلاء أسهم دعاة الإقليم السني في العراق وعلى رأسهم النجيفي الذي عاد إلى منصبه نائباً لرئيس الجمهورية قبل أيام من التحرير ليكون في موقع يسمح له بقيادة حشده الذي توالى الأتراك على تدريبه منذ عام، وبذلك سيعود حاملاً راية النصر المزيّف ومدعوماً بالإعلام الأصفر الذي تدعمه الرياض وأنقرة وغيرهما من دعاة مشروع التقسيم في العراق.

إضافة إلى ذلك فإنّ حليف الاتراك الثاني في البلد مسعود البارزاني الذي لاحظ الجميع اختلاف نبرته التصعيدية التي تبجّح بها لسنوات، والآن وبعد زيارته الأخير لبغداد أصبح التناغم مع القرار الحكومي ظاهراً بشكل كبير، لذلك فإنّ خرق القوات المرتبطة بالبارزاني للقواعد المتفق عليها مع المركز امر مستبعد، لأنه سيعتبر جنوناً في هكذا توقيت إضافة الى خشية البارزاني من ردود الحشد الشعبي بشكل خاص بعد أن اصبحت العديد من فصائل الحشد على حدود اربيل، والتي ستكون لها مشاركة قوية في عمليات تحرير الموصل لتختم المسيرة الجهادية لهذه الفصائل منذ دخول الإرهاب إلى العراق والى الآن، فمن غير المعقول ان نفتح الباب لأردوغان بالتوغل في الموصل من خلال المجاميع المرتبطة بالنجيفي والبيشمركة المرتبطة بمسعود البارزاني وهما اللذان شاركا بشكل كبير في إدخال داعش إلى العراق، وعدم السماح لمن حرّر الارض وأعاد للبلد هيبته وحفظ الدولة العراقية من السقوط الكلي بيد الإرهاب، وهذا ما أشار اليه واكده السيد حسن نصرالله في خطبة عاشوراء بكشفه مخطط الحلف الأميركي بجعل الإرهاب يخرج من الموصل سالماً ويتحصّن في الشرق السوري ليكون خاصرة رخوة للدولتين، ويكون ورقة يُعاد استعمالها متى ما شاء محرّكها الاميركي ذلك.

فمن البديهي إذن، عدم الثقة بمن سلّم الأرض لداعش بلا قتال والاعتماد على من جرّبناه في قتال الإرهاب وجعله يمسك الحدود العراقية السورية في شمال العراق لمنع هروب عناصر داعش الذين سيكون طريق هروبهم أسهل بكثير مما نتوقع لو منع الحشد من ذلك وسمحنا لمجاميع النجيفي بمسك هذا الملف بدعوى منع التأجيج الطائفي وغيرها من محاولات إبقاء داعش بصورة وبأخرى، ومن هنا سيكون المدخل لتحرير العراق مما هو أهمّ من تطهير أرضه من عصابات إرهابية ما هي إلا أدوات يفرضها الغرب والأميركي على العراق الذي أصبح مرتهناً بيدهم، وأصبح ممراً لتحقيق أهدافهم وتجاربهم، وساحة لرسم الصراعات وتنفيذها في ظلّ ساسة يقودون العراق بلا وعي وبلا رؤية شاملة لما كان وما سيكون في البلد، فمن وثق بآل سعود وتوسل بهم بأمر أميركي لمجرد فتح سفارة لهم في بغداد في ذروة اشتداد طبول الحرب بين مختلف المحاور، هو ذاته الذي يقف اليوم حائراً بين واشنطن التي يسير معها بالرغم من تأكده بأنها تكذب على حلفائها لسنوات، فكيف معه التي تنظر اليه بأنه أداة تسقط بمجرد انتفاء الحاجة إليها! ومن ذهب الى اردوغان ووسع التبادل التجاري مع انقرة وقدّم لها كلّ التسهيلات لجعلها الأكثر استثماراً في العراق، هو ذاته اليوم الذي يرى في أردوغان داعماً للإرهاب ومحتلاً للعراق وغير ذلك من الصفات السيئة للسياسة التركية بشخص أردوغان ومن معه، والتي كانت ملازمة لطوال السنوات الست الماضية. فما الذي تغيّر يا قادة البلد بعد أن كان صديقاً أصبح اليوم عدواً رغم انّ مخالبه الشريرة كانت ولا زالت ممتدّة في جيرانه؟

لا شيء تغيّر سوى أنّ من يقود البلد لا يمتلك بعد نظر يقود البلد الى برّ الأمان، وانّ من يقود البلد ليس لديه قرار لانّ أغلبهم جاؤوا على دبابات المحتلّ الاميركي، فلن يكون بمقدورهم اليوم الاستقلال بقرار وطني يكون صمام أمان لما بعد مرحلة داعش التي اقتربت أيامها ولم يتهيأ لها القادة في البلد لأنهم يعرفون جيداً أنّ ما بعد داعش وخصوصاً في الموصل سيكون مشروعاً جاهزاً، وما عليهم إلا تطبيقه والسير شيئاً فشيئاً في نقاط هذا المشروع إنْ استمرّ الانبطاح الحكومي على ما هو عليه الآن، فعندما سكتت الحكومة على تواجد الأتراك في بعشيقة لأكثر من عام تمادى أردوغان واصبح يتحدّى العبادي وحكومته بعدم الخروج لأنه يعرف انهم عاجزون عن الردّ، ولكنه تناسى الحشد الشعبي الذي أكد قادته في أكثر من مناسبة بأنّ سيادة العراق والحفاظ عليها لا تتطلب امراً حكومياً وانّ الردّ على اردوغان وإخراجه من الموصل بالقوة مع جيشه لا داعي فيها لقرار حكومي، فالشعوب تتحرّر بنفسها ولا تترجّى من حكوماتها شيئاً إنْ عجزت عن الردّ في العديد من المرات.

لذلك فإن تحرير القرار العراقي وجعله مستقلاً يسير وراء مصالح شعبه وأمته ويقف مع المظلومين ويجعل من الصهاينة أعداء وينضمّ لمن يحاربهم هو الأهمّ والأولى من تحرير الموصل الذي ان لم يدار بشكل صحيح سيكون ضرره أكبر من نفعه وسيكون للإرهاب صفحات جديدة متشابهة في المضمون ومختلفة في التسميات…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى