دمشق تُنذر بإسقاط الطائرات التركية التي تخترق أجواءها الحريري يكسر المحرَّمات… وعون لكسر جليد عين التينة

كتب المحرّر السياسي

ترنّحت الهدنة اليمنية مع تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن فشل يومها الأول بين الرياض وصنعاء، ومواصلة المساعي الدولية لترميمها، بينما تمدّدت هدنة حلب لأيام في ضوء النتائج المتقدّمة التي حققها الخبراء في جنيف، بعد ظهور بدايات واعدة لتعاون سعودي قطري تركي في مساعي الفصل بين جبهة النصرة والجماعات المسلحة المحسوبة على الثلاثي الذي تولى قيادة الحرب في سورية، بالتنسيق والشراكة مع واشنطن، وفقاً لمصادر روسية متابعة لمحادثات الخبراء الروس والأميركيين ودول الثلاثي التركي القطري السعودي في جنيف.

التحوّل الأبرز كان ردّ دمشق على غارة تركية استهدفت مناطق الأكراد في سورية، بالإعلان عن عزم الدفاعات الجوية السورية التصدّي لكلّ خرق تركي للأجواء السورية، مهدّداً بإسقاط أيّ طائرة تركية تدخل الأجواء، ويستكمل هذا التهديد ما سبق وحمله بيان سابق للخارجية السورية منذ اليوم الأول للهدنة قبل أكثر من شهر لم تحترمه تركيا، لكنه يضع التدخل التركي في سورية أمام تحدّ كبير، فالتورّط في مواجهة الردّ السوري سيتكفل بالتورّط مجدّداً بالمواجهة مع روسيا، والجرح معها لم يكد يلتئم، والتراجع أمام التهديد السوري سيسقط ما تدّعيه أنقرة من مهابة الدولة العظمى لمشاغباتها في كلّ من سورية والعراق.

لبنان تصدّر الأحداث الدولية والإقليمية، مع إعلان رئيس تيار المستقبل سعد الحريري تبنّي ترشيح المرشح الرئاسي المدعوم بقوة من حزب الله، الواقف على الخطّ المقابل للحريري في الحروب الإقليمية الدائرة في المنطقة من سورية إلى العراق فاليمن، والتي يتصدّر فيها حزب الله جبهة حلفائه، ويتخندق فيها الحريري على الضفة السعودية التي تقود الحرب على حزب الله وحلفائه الإقليميين.

كسر الحريري المحرّمات مرتين، مرة بالخضوع لإصرار حزب الله باعتبار ترشيح العماد ميشال عون معبراً إلزامياً لملء الفراغ الرئاسي، ومرة بخوض مغامرة تشقق كتلته النيابية من بوابة خياره الرئاسي الجديد، على خلفية مَن يتمسك بالنظر للترشيح من بوابة الخيارات الإقليمية ذاتها، ويرى الترشيح هزيمة واستسلاماً، ومَن يسير وراء الحريري باعتباره الزعيم الصانع للمكانة الشعبية للكتلة التي يتزعّمها.

بكسر الحريري للمحرّمات وتلبية ما طلبه حزب الله بالسير بترشيح عون، ومن ثم بقبول الإعلان أولاً ثم السير بالتعاون لتذليل العقبات، خلافاً لما فعل يوم رشح فرنجية وعلّق حزب الله نعلن موقفنا عندما يصير الترشيح رسمياً، وردّ الحريري يعلن الترشيح رسمياً عندما يصير خارطة طريق للانتخاب.

أول الخطوات الناتجة عن كسر الحريري للمحرّمات كانت توجه العماد عون كمرشح قوي للرئاسة إلى عين التينة لكسر الجليد مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، تمهيداً لبدء الحوار. وهو حوار أخذ حزب الله على عاتقه البدء بخوض غماره الصعبة بعد هذا الترشيح العلني، ولا يبدو أنه سيبدأ قبل عودة الرئيس بري من سفره بعد أسبوع وقبيل أيام من موعد جلسة الانتخاب في الحادي والثلاثين من هذا الشهر، ما يطرح أسئلة حول مستقبل هذه الجلسة، بين التأجيل والخروج بدون انتخابات رئاسية منها، في ضوء تمسّك حزب الله بربط الخطوة الحاسمة بمسار الاستحقاق الرئاسي لدخول العماد عون إلى قصر بعبدا وفق إنجاز تفاهم يضمن الشراكة في خيارات واحدة مع الرئيس بري.

الحريري: أرشح عون للرئاسة

كما أوحت معطيات ومؤشرات الأيام القليلة الماضية، أعلن الرئيس سعد الحريري أمس، تأييد ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية في خطوة ستفتح باب التأويلات والتحليلات حول مصير جلسة 31 الشهر الجاري وعن كونها الأخيرة والحاسمة وتفتح أبواب القصر أمام الرئيس العتيد أم ستحدث مفاجآت سياسية في ربع الساعة الأخير تؤدي الى تأجيلها إفساحاً في المجال أمام توسيع مروحة التفاهمات لتأمين التوافق السياسي الشامل.

وقال الحريري في كلمة من بيت الوسط: إن هذا القرار نابع من ضرورة حماية لبنان وحماية النظام وحماية الدولة وحماية الناس، لكنه مرة جديدة قرار يستند إلى اتفاق بأن نحافظ معاً على النظام ونقوي الدولة ونعيد إطلاق الاقتصاد ونحيّد أنفسنا عن الأزمة السورية. اتفاق يسمح لي أن أعلن تفاؤلي، بأننا بعد انتخاب رئيس الجمهورية، سنتمكن من إعادة شبك أيدينا معاً لنقوم بإنجازات يستفيد منها كل مواطن ومواطنة ولنعزّز أمننا الداخلي ووحدتنا الوطنية في وجه كل الحرائق المشتعلة حولنا، ونعود لنجعل من لبنان نموذجاً للدولة الناجحة والعيش الواحد الحقيقي في منطقتنا والعالم».

وغاب النواب أحمد فتفت ومحمد قباني وعمار حوري عن مشهدية بيت الوسط، حيث أكدوا أنهم لن يمنحوا أصواتهم لعون، وقال حوري لـ «البناء»: «أكتفي بالنص المعبر الذي وزّعته وموقفي منطقي ومنسجم مع نفسي ولم يتغيّر لا الآن ولا في المستقبل حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً كما ولن أصوّت في جلسة 31 الى العماد عون». وأوضح حوري أن «موقفي وزملائي في الكتلة لم يتم بالتنسيق مع الرئيس الحريري كما لم يكن توزيعاً للأدوار داخل الكتلة».

ورغم حضوره الى جانب الحريري، أكد رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة أنه لن ينتخب عون، كما أعلن ذلك نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري، بينما تحدثت مصادر مستقبلية أن 7 نواب في الكتلة لن يصوّتوا لعون.

عون: الميثاقية لا الثنائية

وعقب خطاب الحريري، حطّ العماد عون في بيت الوسط يرافقه الوزير جبران باسيل والتقى رئيس المستقبل في خلوة دامت نصف ساعة خرج بعدها عون ليؤكد في كلمة أمام الإعلاميين أن «لا اتفاقات ثنائية أو ثلاثية أو رباعية، بل هناك اتفاق واحد على إدارة شؤون البلاد»، وقال: «تعاهدنا سوياً من أجل إنجاز المهمة وإخراج لبنان من أزمته. لقد توصّلنا إلى الحل، لأننا كنا نلتقي على مبدأ أن هناك مشكلة في لبنان، وبدأنا بالتحاور، فعبر الحوار لا أحد يخسر، ولبنان يربح لأن النتيجة للجميع. وكانت هناك مواضيع نريد الكلام عنها، كالميثاقية فهي ليست للمسيحيين فقط، وإنما هي عهد بين جميع المسلمين والمسيحيين بالعيش المشترك على قاعدة المساواة. ولذا، لا ثنائية في الميثاقية».

أضاف: «من يحاول إلغاء طائفة والسيطرة عليها يلغي لبنان الرسالة الذي يجب أن نحافظ عليه. وهذا ما تفاهمنا عليه». وتابع: «نؤكد أن مَن يعارضون اليوم ينطلقون في موقفهم من معتقدات مسبقة، وغداً سيعودون فنحن لسنا هنا من أجل الكيدية. أنا مشرقي والمشرقية تراكم للحضارة المسيحية والإسلامية، ولبنان هو جوهرة العالم. هل يمكنكم أن تتصوّروا ما يجري في العالم ونحن لا نزال نحافظ على استقلالنا».

من جهتها أكدت كتلة «الوفاء للمقاومة» خلال اجتماعها أمس، أنها «ترقب الخطوات العملية والضرورية ضمن مسار جدي يؤدي إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي ويطلق دينامية العمل المنتظم في مؤسسات الدولة كافة وفق وثيقة الوفاق الوطني وأحكام الدستور والقوانين المرعية الإجراء».

كسر الجليد بين الرابية وعين التينة

وفي غضون ذلك، انتقل عون من بيت الوسط إلى عين التينة في محاولة لكسر الجليد السياسي مع رئيس المجلس نبيه بري الذي استقبله قرابة ربع ساعة وخرج بعدها عون ليؤكد أن «واجبنا إطلاع رئيس مجلس النواب على مسار الأمور في ما يتعلق بالنشاطات حول انتخابات رئاسة الجمهورية. وتبادلنا الآراء حول الوضع القائم وحول بعض الإيضاحات، فأحياناً هناك جو من الشائعات والخبريات لا تركب أحياناً على قوس قزح، وتفاهمنا حول الموضوع. وشربنا فنجان شاي».

وفي ردّه على أسئلة الإعلاميين قال عون: «جئنا كي نشرح الأوضاع كلها، ولا أحد يتدخّل في شأن حرية الآخر، ماذا سيفعل ولا أحد طلب من الآخر، لكن أكيد نحن نطلب دعم بري، ولكن نحترم حرية قراره في النهاية. والآن الرئيس مسافر. وبالتأكيد هناك لقاء آخر بعد عودته».

واكتفى الرئيس بري بعد اللقاء بالقول: في هذا اللقاء بين دولة الرئيس عون وبيني، سمع مني وسمعت منه. والاختلاف في الرأي لا يفسد في الودّ قضية».

وقال مصدر مقرّب من الرابية لـ «البناء» إن «خطوة الحريري بترشيح عون ستأخذ ديناميكية جديدة لإعادة إنتاج منطق الدولة وستزخم شعبياً ودولياً وإقليمياً وستسلك الطريق اللازم لإعادة استنهاض القوى السياسية لتلتفّ حول هذا الهدف الوطني الكبير. وبالتالي قرار الحريري فتح المسار الطبيعي للرئاسة وقرّب عون من بعبدا أكثر من أي وقت مضى وتجاوز معظم المعوقات».

وأوضح المصدر أن «اللقاء بين بري وعون طبيعي، والمشكلة لم تكن بين الطرفين بمعزل عن تأييد بري لعون للرئاسة أم عدمه، فبري لديه التزام مع مرشحه الوزير سليمان فرنجية ولا يريد انتخاب عون، غير أن هناك مساحة مشتركة واسعة بين عين التينة والرابية ترجمت في السابق من خلال الاتفاق على كل الأمور بما فيها رئاسة الحكومة والنفط وقانون الانتخابات ورئاسة المجلس».

وأشار المصدر الى أن «الرابية تضع كل الاحتمالات في حساباتها في جلسة 31 المرتبط مصيرها بمشاورات ولقاءات الأيام الفاصلة عن موعدها». ولفت الى أن «عون يفضل الإجماع الوطني حول انتخابه، لكنه سينزل الى جلسة الانتخاب المقبلة وسيخوض المعركة في حال استمرّ فرنجية على ترشيحه»، واستبعد المصدر حصول مفاجآت في جلسة الانتخاب أو نصب فخاخ لعون، مضيفاً: «حتى لو حصل هذا الأمر فعلى جميع الكتل حينها درس مصالحها وحساباتها وتحمل النتيجة السياسية المتأتية عن موقفها على المستوى الوطني». لكن المصدر أكد أن «هناك متسعاً من الوقت لتذليل التشنج والوصول الى تفاهم بين عون ورئيس المجلس نبيه بري ولدينا 10 أيام فاصلة. وهناك لقاءات عدة ستجمع بري وعون وقد تؤدي في نهايتها الى تغيير موقف رئيس المجلس».

ولم يطلب الحريري بحسب مصادر «البناء» موعداً جديداً للقاء الرئيس بري، وبالتالي لم يحدد اللقاء بينهما حتى الآن بعد أن رفض بري استقباله منذ أيام. وفي المقابل رصد اتصال أمس بين عون ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط تمّ خلاله الاتفاق على لقاء قريب.

فرنجية: سأخوض المعركة بالتنسيق مع بري

شظايا قنبلة الحريري الرئاسية وصلت الى بنشعي رغم أنها لم تتفاجأ باحتفالية بيت الوسط، فالحريري كان يطلعها على تطور مسار الأمور وأنه سيتجه الى ترشيح الخصم الرئاسي لفرنجية، غير أن ذلك لم يغير أو يبدل في القناعات السياسية لزعيم زغرتا ولا في استمراره في المعركة حتى النهاية. هذا ما نقلته مصادر المردة لـ «البناء» والتي أكدت أن «فرنجية مستعد لخوض المعركة الرئاسية في الجلسة المقبلة حتى النهاية وهو على تنسيق دائم ومستمر مع الرئيس بري والموقف الذي سيتخذه سيكون بالتضامن مع بري»، وتطمئن المصادر إلى أن زيارة عون الى عين التينة لن تغيّر حتى الآن بموقف فرنجية كما لم تغير بموقف بري لا الآن ولا في المستقبل، فبري مصرّ على موقفه بأنه لن ينتخب عون».

ماذا سيسمع عون في بنشعي؟

وعن رهان فرنجية على أكثرية تنتخبه في المجلس، قالت المصادر: «فرنجية لديه الحظوظ بالفوز أكثر من عون في حال تركت الكتل الخيار لأعضائها»، ولم يطلب عون موعداً من بنشعي حتى الآن، كما أكدت المصادر التي أوضحت أن «أبواب بنشعي مفتوحة لعون لزيارتها، لكنه سيسمع من فرنجية موقفاً واضحاً من مسألة الرئاسة ولا مسايرة وسيؤكد لعون أنه مستمر في ترشحه ولم ينسحب ولن يقايض انتخاب عون بشروط أو حقائب وزارية».

ولفتت المصادر الى أن «الحريري نسّق مع فرنجية خياره بترشيح عون وكان أول من أبلغه بأنه سيسير في هذا الخيار، ولكن فرنجية أسدى له نصيحة خلال لقائهما بأن لا يدخل في هذه المغامرة نظراً لتاريخ عون غير الثابت على مواقفه. فرد الحريري بأنه سيضحي في سبيل لبنان». ولفتت المصادر الى أن «خطوة الحريري كانت نتيجة الابتزاز السياسي الذي تعرض له من عون». وتؤكد على العلاقة الجيدة مع حزب الله وأن التحالف ثابت في الاستراتيجيا والسياسة الخارجية والقضايا الوطنية الكبرى وفي طليعتها خيار المقاومة، رغم التباين في وجهات النظر إزاء الملفات السياسية الداخلية، كما ولن يفت الخلاف حول الرئاسة في عضد التحالف بين أمل وحزب الله وعون والمردة، فهم في خط سياسي استراتيجي واحد».

وعن موقف المردة من رئاسة الحكومة وترشيح الحريري قالت المصادر: «لم يحسم هذا الأمر، لكن لا مانع من المشاركة في الحكومة، لكن هذا نقرره بالتنسيق مع بري وفريق 8 آذار».

..وجلسة منتجة للحكومة

وحضر المشهد الرئاسي المستجدّ على طاولة مجلس الوزراء عبر مواقف لعدد من الوزراء على هامش الجلسة العادية التي ستكون الأخيرة، إذا ما وصلت التسوية الرئاسية الى خواتيهما الإيجابية.

وعقدت الجلسة برئاسة الرئيس تمام سلام، وحضور الوزراء الذين غاب منهم وزيرا الإعلام رمزي جريج بداعي السفر والخارجية والمغتربين جبران باسيل، وأقرّت 160 بنداً أبرزها التعيينات والخلوي والمعاينة الميكانيكية وزيادة التعرفة على الكهرباء بنسبة 39 في المئة.

وعلمت «البناء» أن وزير التربية الياس بو صعب عطّل قراراً بمنحة تقدر بمليون دولار الى إحدى المناطق، كما شهدت الجلسة بعض السجالات حول البنود أبرزها بين بو صعب ووزير المال علي حسن خليل على أحد البنود المتعلقة بوزارة التربية. وتمّ نقاش بند مناقصات الخلوي ولم يتم الاتفاق عليه، فتمّ تأجيله الى الجلسة المقبلة لإقراره بعد أن رأى الوزراء إيجابية في طرح وزير الاتصالات بطرس حرب.

وقال وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ «لبناء»: «صحيح أن الحكومة أنتجب وأنهت جدول الأعمال في الجلسات المتعاقبة الثلاث، لكن والآن قد أصبحت الحكومة في نهايتها، فالجلسات حوّلت الحكومة الى مجلس طوائف وليس مجلس وزراء نتيجة التعطيل المتبادل للمشاريع بمنطق عقلية المقاطعجية السياسية».

..وحوار ثنائي بين حزب الله والمستقبل

وبالتزامن مع لقاء بري – عون شهدت عين التينة جلسة للحوار الثنائي الـ35 بين «حزب الله» و «تيار المستقبل»، بحضور المعاون السياسي للامين العام لـ «حزب الله» حسين الخليل، الوزير حسين الحاج حسن، النائب حسن فضل الله عن الحزب، ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري السيد نادر الحريري والوزير نهاد المشنوق والنائب سمير الجسر عن تيار «المستقبل». كما حضر الوزير خليل.

وتمّ البحث، بحسب بيان، في المستجدات السياسية، وأكد المجتمعون حرصهم الكبير على استمرار التواصل بين جميع الأطراف لتحقيق تفاهمات وطنية جامعة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى