الغياب عن لبنان «تسليم» لحزب الله؟

روزانا رمّال

أزمة الرئاسة اللبنانية بالعين الدولية لم تشكل يوماً سوى افرازات مراحل سياسية بين اختتام بعضها وافتتاح اخرى، فغابت استقلالية القرار اللبناني لسنوات طويلة منذ الانتداب الفرنسي وصولاً للحرب الاهلية اللبنانية ودستور الطائف والوجود السوري في لبنان. كلها محطات لعبت الحقبات السياسية فيها دوراً مركزياً في اختيار رئيس الجمهورية اللبنانية.

بالواقع اختيار رئيس الجمهورية اللبنانية لم يكن وحده مهمة القوة الحاكمة التي غالباً ما تكون سلطة امر واقع تفرض على اللبنانيين شكلاً من نظام امني وسياسي حاكم يقود البلاد بسياسات اقتصادية واجتماعية تفرض طابعاً واضحاً، بل يتعداها ليكون واحداً من مهمات اساسية اخرى. وهي اختيار رئيس الحكومة اللبنانية ايضاً ورئيس مجلس النواب بحكم القوة السياسية على الأرض وهذا ما عايشه اللبنانيون منذ خروج الفرنسيين من بلادهم وصولاً للوصاية السعودية السورية في لبنان. فالحديث عن الحكم السوري فيه بات اليوم شعارا لا يعدو كونه عنوان محطة. فالمملكة العربية السعودية كانت شريكة واضحة في تلك المرحلة، وهي أخذت على عاتقها انتقاء رئيس الحكومة اللبنانية فدخلت الحريرية السياسية الى لبنان بكل سلاسة وسهولة، وباتت الرياض شريكا واضحا او على الاقل مباركا لرئيس الوزراء المعين حتى. فالمرجعية السنية في المنطقة لم يكن يتخطاها لا السوريون في ما يتعلق في لبنان، ولا حتى اي شخصية سنية كانت تتسلم مهام كرئاسة الوزراء فشخصيات أساسية مثل سليم الحص والراحل عمر كرامي لم يكونوا اسماء مستفزة للجهة السعودية. وكانت اسماء تدعو للتواصل والتوافق مع الجوار العربي والسني وأسماء تحترم المرجعيات الكبرى في ذلك الوقت. بالتالي لم يكن ممكناً حتى في ظل الوجود السوري ألا يراعي الأخير الرغبة السعودية في اختيار رئيس للحكومة اللبنانية.

استثنائياً، استطاع العماد ميشال عون أن يحصد اكبر عدد ممكن من اصوات النواب المتوجهين الى جلسة 31 تشرين، إذا ما بقيت الامور على ما هي عليه حتى الساعة، وإذا طرأ ما لم يكن بالحسبان وجرى تعطيل بحسابات سياسية لا تتوقعها مصادر سياسية مطلعة، فإن العماد عون رئيس الجمهورية اللبنانية المقبل.

الاستثنائي في هذا هو غياب العنصر الإقليمي او حراك السفارات كالاميركية والفرنسية في هذا الاطار، كما جرت العادة منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان في فترة ما بعد اغتيال الرئيس الحريري، ما أخذ لبنان الرسمي نحو اللحاق بالركب الغربي والعربي معاً وهو المعادي لسورية وايران. بطبيعة الحال كان حزب الله فيه الحلقة الأضعف نظرياً كفصيل محلي موالٍ لسورية وإيران ومتهم، حسب المحكمة الدولية باغتيال الحريري، التي سبق واتهمت الحليفة سورية قبله ايضاً.

يتساءل الصحافي البريطاني روبرت فيسك في مقاله الأخير الذي نشر في صحيفة «إندبندنت» عن أسباب نجاح لبنان البلد الطائفي بالنأي بنفسه عن الحروب المستعرة في الشرق الأوسط، والتي آلت إلى نجاته في نهاية المطاف، بالرغم من التفجيرات المتقطّعة التي أصابته، معرجاً نحو الشأن الرئاسي، ومشيداً بالاجهزة الامنية ابرزها الامن العام والمدير العام اللواء عباس ابراهيم.

يصف فيسك لبنان بالجنة المنعزلة ويقول «يُمكن أن نكون قد نسينا أنّ هذه الجنّة لا تزال موجودة في العالم العربي، علماً أنّ لبنان بلا رئيس وبلا حكومة فاعلة..».

يتحدث فيسك عن الصدمة السنية التي أرخاها الحريري فيقول «الحريري يدعم الرجل المتحالف مع النظام الذي يعتقد الحريري أنّه قتل والده. هل هذا لأنّ الحريري يريد أن يصبح رئيس حكومة مجددًا؟».

كلام فيسك بأسئلته الاساسية يضع المشهد اللبناني بوضعيه الامني والسياسي في خانة ما يشبه الاستقلالية الاولى من نوعها، وسط الجنة المعزولة التي يتحدث عنها. وهنا فإن الإجابة عليها لم تعد مقنعة، كما روّج بالفترة السابقة عن أن قرار إبعاد اللهيب عن لبنان هو قرار دولي، وما يروّج اليوم بالطريقة نفسها أن الدول غير مهتمة بلبنان لانشغالها بملفاتها الكبرى، فهل هذا وارد في بلد يضمّ فريق يقاتل إسرائيل؟ هل وارد أن تزاح العين عن لبنان وضمن أي إطار؟

لم تعد الأمور كما كانت، نعم، لكن كل ما يجري لا يدل عن اخلاق سياسية مستجدة او انشغالات عربية ودولية. على العكس فإن عدم التدخل هذه المرة بملف الرئاسة بعد جولات الحريري بالمنطقة والعالم وعدم فرض مرشح رئاسي، كما جرت العادة أكدت أن العجز عن التدخل هو السبب الأساسي والحقيقي وراء ذلك، والتسليم بأن لبنان دخل مرحلة جديدة لا قدرة للغرب فيها على الحسم هي الأدق سياسياً، وما التجاهل الاميركي والتدخل المتواضع إلا دليل على ذلك. واذا كانت واشنطن منشغلة بالانتخابات الامريكية وبوضع سورية واليمن فإنه من غير المقنع الا تلتفت الى لبنان فرنسا التي كانت حاضنة وأماً حنوناً لهذا البلد لعقود مضت.

الضوء الأخضر الذي لم يعطىَللحريري بمبادرته ترشيح عون دولياً لم يقابله بالجهة الاخرى ضوء أحمر لا دولي ولا عربي. هذا الاسلوب الاميركي تكرر اكثر من مرة في استحقاقات كبرى بالشرق الاوسط، بينها لدى التفرج على التظاهرات بالمنطقة من دون رفع الفيتو امامها او التعليق فاستكمل الضوء الأصفر المهمة.

الغياب الدولي عن لبنان تسليم للأمر الواقع ان حزب الله يفرد اليوم لاول مرة مساحة جديدة استثمر فيها انتصاره في سورية مع حليفتها روسيا على الساحة السياسية اللبنانية، والتباهي بترك الفرنسيين والاميركيين لبنان لا يعني الا ان الغرب ترك الحكم في لبنان لحزب الله.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى