إيقاعات الميدان السوري… الهدنة ولوزان ورائحة البارود المقدّس

نضال القادري

إنّ اشتعال الميدان السوري قد وصل إلى ذروته. لا نهايات واضحة بعد. ربما لن تبصر كلّ الرهانات النور قبل حلول العهد الرئاسي الأميركي الجديد. إنّ الإدارة الأميركية الجديدة، وساكن البيت الأبيض، سيحدّدان العلاقة مع دول العالم العربي، ومع الأحداث المتصاعدة المشتعلة في سورية والعراق. ربما تقوم الإدارة الأميركية بعملية تظهير صياغة سياسة جديدة لعلاقتها بالدول التي ترعى مسيرة دعم حركات الإرهاب في سورية والعراق علناً، وستظهر على قوائمها السوداء أسماء منظمات إرهابية جديدة، أو حركات محظورة لم تكن موجودة قبله، أو ربما دولاً صديقة بعد موافقة الكونغرس الأميركي على «قانون جاستا» الذي يتيح لأسر ضحايا هجمات 11 أيلول 2001 مقاضاة السعودية والمطالبة بتعويضات مالية، إذ وصفته السعودية على انه «مصدر قلق كبير».

أما حلول الميدان العسكرية تسير على قدم وساق مع الدبلوماسية النشطة، والنظرة إلى الواقع الإنساني المتردّي في أكثر من مدينة مفصلية غير مهمل وبخاصة في محافطة حلب. كلّ ذلك الكمّ الهائل من الضجيج يسير على وقع محادثات لوزان، والتهديد الأميركي بشنّ عدوان مدمّر على تخوم خطوط الإمداد مع حلب، ولمدارج كلّ المطارات العسكرية والمدنية لإحداث توازن جديد يعوّض الفشل المتكرّر منذ 5 سنوات لإصدار قرار أممي بتشكيل منطقة حظر للطيران في الشمال السوري. يأتي كلّ هذا الفشل الأميركي على هامش الانتخابات الإشكالية والمرتبكة في سياساتها تجاه سورية ومكافحة التنظيمات الإرهابية هناك، ونظرة المتنافسيْن دونالد ترامب وهيلاري كلينتون إلى تظهير علاقة صارمة في اتجاه نظام الدولة القائم في سورية والعلاقة المستقبلية معه. قد تحتاج الدبلوماسية الدولية إلى أوقات إضاقية أكثر من الوقت المتبقي من ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما. أم محادثات «لوزان» ليست إلا إغراقاً للفراغ والتباين بين الدول المتصارعة على الساحة الدولية، وتحكيماً للأحجام الحالية التي قد سلّمت به كلّ الأطراف المستفيدة إقليمياً، ومن خلالها قوى الأمر الواقع المحلية المرتبطة بمموّلي الحرب على سورية. كلّ الأطراف توحي لك على أنها صاحبة حصص وازنة في الصراع، وحضور على موائد المفاوضات، وبيدها مفتاح إضافي للحلّ، وصاحبة رباط وكلمة ورأي.

إنّ الحلول القادمة للأزمة السورية متشعّبة أكثر مما تتصوّر بعض الدول النافذة في الميدان والمؤثرة داخل الصالونات السياسة. ما يتمناه المواطن السوري، أن ينتهي حلّ المحرقة السورية باتفاق حلّ سياسي بين أطرافه المتباينة، وأن يكون الحلّ مشرفاً يكفل مكنون النسيج السوري – السوري، ولزاماً أن يكون المتحاربون المتصالحون فيه سوريين، وأن يبدأ اختبار حسن النوايا بورقة تنازلات متبادلة. وأن يكون التدخل الدولي قائماً على تجفيف منابع الإرهاب. ذلك كله لا يتأتى إلا من خلال تفعيل القوانين المتعلقة به، وبوقف إمداد المجموعات الإرهابية بالمال والسلاح. وإلا حذار استكمال الموت الرحيم، فكلّ شيء سيموت هنا. حذار الحقن بالوقاحة القاتلة!

إنّ السلم الدولي، ميزانه يترامى في طريق عوجاء تقف فيه قوانين مكافحة الإرهاب عند الحدود السورية كما يحصل اليوم، فيسمح لكلّ دولة مناهضة لسورية أن ترعى عصاباتها وتمدّهم بعناصر المناعة والقوة والمعدات العسكرية لتخريب ما بقي، ومن بقي على هذه الأرض. كلّ ذلك وسط جوع تركي أردوغاني لقضم ما تيسّر من ما بعد بعد «جرابلس»، يوازيه هوس المؤسسة العسكرية لكيان العدو «الإسرائيلي» ومفاده أنّ سورية لا بدّ أن تبقى تصارع في أوحال المدّ الإسلامي الإرهابي إلى أن لا تقوم أيّ قيامة للشعب، وسط تطبيع العمل المتسارع لإقامة مطار عسكري أميركي – كردي اقترحت قيامه «إسرائيل» في «عين العرب كوباني» على الحدود السورية التركية. هذا المشروع، يوازي في أهميته لجان الصداقة الكردية الإسرائيلية التي تمتدّ بجذورها بعيداً، حيث تتشابه تشكيلات الكورد العسكرية مع الإعمال العدائية لعصابات «الشتيرن» و«الأرغون» التى قضمت أولى خيرات فلسطين أرضاً وغلالاً عبر التاريخ. إنّ مقدمة العمل المنظم لحزام الخلايا الكردية المطالبة بالإنفصال عن قلب سورية هو حلم المؤسسة «الإسرائيلية»، ونتاج سمومها ودروسها المستقاة غبر التاريخ الدموي لنموذج «الأسرلة» الممنهج.

على الهامش الآخر، إنّ على هذه الأرض السورية الكثير من الحضارة والتاريخ الإنساني المشرّف التي تستحق أن تعمل لها مؤسسات «المجتمع الدولى» بحيادية الراعي العارف من أجل تفعيل الحياة وإيقاف آلة الموت والدمار. وما انكشاف الفلول الإرهابية التي تقاتل أجهزة الدولة الأمنية وعلى رأسها الجيش السوري، إلا الاستجداء بذاته، وهو ما يجعلها تذهب في منحى المصالحة والتسليم بالواقع على أنّ المصالحة الوطنية هي حلّ واقعي رحيم يحميها من الموت المؤكد بعد تخلي وعجز الدول الراعية أمام جهوزية الجيش السوري و«المقاومة الوطنية» و«نسور الزوبعة» التي يزداد حضورها يوماً بعد يوم.

ما يؤلمك هو مشاهدة القطعان الكاملة من الإرهابيين العرب والأجانب يرتكبون ما تيسّر من المجازر في الشمال السوري، وليس بينهم سوري واحد. كلام عن هدنة من هنا في الصالونات، وأخرى لاستنهاض وقاحة المهزومين تحت ذرائع وحجج إنسانية. يضاهيه في لوزان مشهد مضحك: أجانب وعرب وإرهابيون يجتمعون لتقرير مصير سورية وليس بينهم أيضاً سوري واحد. نعم، ليست العقلانية في المصالحات، ولا صحوات الضمير هي نتاج عقلية المستسلمين لمراسيم العفو العامة التي يصدرها الرئيس د. بشار الأسد، وتعمل من وحيها لجان المصالحة الوطنية. واستنتج، قبل أن تفرز المفاوضات في «لوزان» أو «جنيف» أو أي «مدينة سلام» أخرى شروطها، لا بدّ للعارف الوطني أن يتماهى مع معادلة بقاء واحدة، معيارها: وحدة الأرض السورية، ووحدة نسيجها الوطني، وكما ردّدها في ذات مرة أبدية أنطون سعاده: «سورية للسوريين، والسوريون أمة تامة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى