إضاءة

كلّ مَن شاهد برنامج «الجديد» الجديد «العين بالعين» بحلقته الأولى لطوني خليفة، شعر بانطباع مفاده أن بعض الإعلام يلعب دوراً محرّضاً ومثيراً للغرائز المذهبية الشرسة التي تنهش مجتمعنا، وتُمعن في تمزيقه حتى الإنهاك، تحضيراً لتقسيمه بعدما يفقد الناس كلّ أمل بعودة الروح إلى الجسد المتهالك.

تبدأ المسرحية بديكور ضخم وأضواء متلألئة، ليطلّ المقدّم بوسامة، وبأناقة عالية، ليعلن موسمه الأول باستيراد «نجم» من نجوم التعصّب من أرض الكنانة، أشعث اللحية باسمَ الثغر أنيق المظهر عدة الشغل .

المشهد الأول: «هل انا كافر؟»، تناغماً مع «هاشتاغ» خاص بالمسرحية الكافر هو: ويأتي الجواب: «نعم أنت كافر ولن تدخل الجنّة لأنّك مسيحيّ!». ودارت المنازلة و«المقاتلة» بين المقدّم والخبير في الإسلام السلفي الذي ارتكب أخطاء لغوية فادحة عدّة.

توازياً مع ذلك، كان في كواليس البرنامج رجل دين معمّم جاهز للحضور دائماً مع طوني ربما لشراكة ما ، وعميد متقاعد عسكري ـ حسبناه في بداية الأمر أنه سيقصف بمدافعه جبهة التعصّب والتكفير. وبدأ «السوسبنس»! وسؤال يُعاد مرّات عدّة: هل أنا كافر؟

لم يَطُل المشهد كثيراً حتى دخل مَن في الكواليس إلى الطاولة المستديرة، وبدأت المعركة. أشعث اللحية «السنّي»، ضدّ المعمّم «الشيعيّ». والعميد ساكت إلى أن تدخّل وكانت المفاجأة أنه اتفق مع المصري في طرحه التكفيريّ، وألقى قنبلة هزّت الأرجاء إذ قال: «يوجد من القرآن أكثر من عشرة قرائين مختلفة»، ومدير المسرح يوزّع الأدوار مستنكِراً عنف العميد، مستأنساً بالمعمم لأنّ الحماسة والصراخ من عدّة الشغل في برنامج كهذا ، تأثراً بفيصل القاسم المحرّض الأمميّ المشهور.

واكتمل المشهد بالتهديد بالانسحاب من البرنامج، ولكن المايسترو دائماً يسيطر على اللاعبين ونشازهم المتنافر.

ويأتي المشهد الأخير مختلفاً، أحضر الإعداد شخصاً مصرياً هو شقيق أحد الذين اغتالتهم عصابات «داعش» في ليبيا، وهو «قبطيّ». وعاجله المقدّم بالسؤال: «هل تسامح الذين اغتالوا أخاك؟»، فيجيب: «نعم أسامحهم وأحبّهم لأنّني مسيحيّ!». السؤال التالي لصحافية مدعوّة من أجل الدعاية للبرنامج: «ماذا ستكتبين غداً عن العين بالعين؟». «برنامج ناجح… وصل إلى الهدف المرسوم له»، تجيب.

وفي النهاية، قام المتقاتلون بقيادة المقدّم فتصافحوا وتعانقوا بتكاذب واضح. وكانت منهم كلمات تشيد بالبرنامج والمحطة. أعتقد أنّه ـ وهم خارجون ـ تناول كلّ واحد منهم مغلّفاً بِاسمه كان موضوعاً مع لجنة التشريفات.

عيب على إعلامنا تقديم مسرحيات سخيفة محرّضة كهذه، مسرحيات تنكأ الجراج وتثير الغرائز المذهبية وتَضحك على الذقون!

سين. غين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى