معركة تشكيل الحكومة وألغام العهد الجديد…

محمد حميّة

مع التسليم بفوز العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في الجلسة المقبلة بدأت القوى السياسية تُعدّ العدة وجمع أوراق التفاوض لمعركة التكليف والتأليف للرئيس وللحكومة العتيدة، والتي لن تقل ضراوة عن معركة انتخابات الرئاسة والتي استغرقت قرابة عامين ونصف العام إلا أن تشكيل الحكومة ربما يحتاج أشهراً عدة وسوابق تشكيل الحكومات في لبنان «الحريرية والميقاتية والسلامية»، حافلة بالخلاف السياسي حول توزيع الحصص والحقائب.

فماذا بعد انتخاب الرئيس؟

هل ستؤدي الاستشارات النيابية التي سيجريها رئيس الجمهورية القادم لتكليف الحريري تشكيل الحكومة في ظل موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أعلن أنه لن يسمّيه فضلاً عن أن حزب الله لم يحسم موقفه بتسمية رئيس تيار المستقبل ولا النائب وليد جنبلاط؟ وهل يستطيع تفاهم الحريري – عون المستجد ضم جميع الأطراف الرئيسية الوازنة في الحكومة في ظل «تقاتل» القوى السياسي الذي بدأت معالمه تظهر منذ الآن، على الحقائب السيادية والخدمية؟ وماذا لو لم يشارك بري وينتقل الى صفوف المعارضة؟ وهل تؤلف حكومة من دون وزراء شيعة، علماً أن حزب الله وبحسب ما أبلغت «البناء» مصادر مطلعة ربط مشاركته بمشاركة حركة أمل، وهل سنكون حينها أمام أزمة ميثاقية مجدداً؟ وفي حال شارك الحزب هل ستصفها المملكة العربية السعودية بحكومة الإرهاب؟ وهل ستصمد أمام رياح الصراع الإيراني – السعودي في المنطقة؟ وكيف ستواجه سيف العقوبات المالية الأميركية والخليجية المسلط على حزب الله؟ وأي سياسة ستتبعها تجاه سورية وملف النازحين السوريين والتنظيمات الإرهابية في الجرود؟ ثم كيف ستتأقلم الحكومة الحريرية مع وجود حزب الله في سورية بعد إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بوضوح في خطابه الأخير أن الحزب لن يعود من جبهات القتال قبل حسم المعركة وتحقيق الانتصار؟ ماذا عن البيان الوزاري ووضعية سلاح المقاومة فيه ومعادلة الجيش والشعب والمقاومة؟

ماذا عن السياسة الخارجية، لا سيما في المؤتمرات العربية والدولية، ولم ينسَ اللبنانيون بعد حزمة العقوبات الخليجية على بلادهم، بسبب موقف لبنان في مؤتمر وزراء الخارجية العرب من وقف الهبات العسكرية للجيش ودعوة الرعايا الخليجيين الى مغادرة لبنان والتهديد بسحب الودائع المالية في المصرف المركزي وتقليص التمثيل الدبلوماسي؟ كيف ستوازن الحكومة ورئيسها بين المصالح الإقليمية للسعودية من جهة، والإيرانية من جهة ثانية، مع تموضع إيران الجديد في المنطقة؟ وأين سيكون اصطفاف الحكومة في ظل العلاقة المتأزمة بين السعودية وحزب الله منذ حرب المملكة على اليمن لا سيما وأن هذه العلاقة آخذة في التصاعد في المرحلة المقبلة، ومؤشرات ذلك بدأت تلوح في الأفق مع إعلان السعودية فرض عقوبات جديدة على أفراد من حزب الله بالتزامن مع إعلان الحريري ترشيح عون وإعلان مجلس الوزراء السعودي أن «السعودية تجدد عزمها على مكافحة الأنشطة «الإرهابية» لحزب الله اللبناني»، الذي جاء عقب الكلمة الأخيرة للسيد نصرالله.

ترى مصادر مطلعة لـ «البناء» أن «بيان مجلس الوزراء السعودي تعبير عن رفض التسوية الرئاسية في لبنان، خصوصاً أنه أتى غداة خطاب السيد نصرالله وقبيل جلسة الانتخاب الرئاسية، بينما لم يخرج أي موقف سعودي حتى الآن مؤيّد للتسوية الرئاسية أو يدعم الحريري. مشيرة الى أن الحريري أبلغ قيادة المملكة بأنه إذا لم نَسِرْ بتسوية توصل عون الى الرئاسة فستفقد المملكة نفوذها في لبنان، فلم تبدِ الجهات السعودية أي اهتمام فأولوياتها في مكان آخر، وأكثر ما قدّمته التغطية المبدئية وغير المعلنة وعدم الممانعة لخطوة الحريري، لكنها لن تتحمل المسؤولية عن نتائج خياره الرئاسي الذي لم يأت نتيجة تسوية إقليمية دولية، فإيران مؤيدة لخيار حزب الله أما سورية فأوكلت الملف الرئاسي للسيد نصرالله، أما الدور الفرنسي المعتاد فغاب اليوم بينما بقي الموقف الأميركي غامضاً.

وتتخوّف المصادر من غياب الاهتمام الدولي في لبنان، الأمر الذي يفقد التسوية الرئاسية حضانتها الإقليمية – الدولية ما يجعلها مكشوفة أمام التحوّلات والمتغيرات في المنطقة. وتلفت إلى أن إشكاليات عدة ستعترض انطلاقة العهد الجديد، متسائلة عن مواقف الحريري من قضايا المنطقة وكيفية تصرفه حيال طلبات السعودية في لبنان؟ وخطابه تجاه سلاح المقاومة والأزمة في سورية واليمن والمحكمة الدولية الخاصة بلبنان؟

يبدو أن العهد الجديد مليء بالعقد والألغام السياسية فانتخاب رئيس الجمهورية ليس سوى محطة من مسيرة طويلة، فتعطيل صواعق الألغام ينقذ العهد أما انفجارها فسيؤدي الى موته قبل ولادته، خصوصاً أن سيد القصر لا يملك الكثير من الوقت، فالحكومة المقبلة ستتولى إجراء الانتخابات النيابية في الربيع المقبل تليها مرحلة تشكيل حكومة جديدة وصياغة بيان وزاري قد تمتد الى خريف العام 2017 ليجد رئيس الجمهورية نفسه والمجلس النيابي الجديد والحكومة والقوى السياسية محكومين بقانون انتخاب جديد وإيجاد الحلول لأزمة النظام السياسي وللمشاكل الاقتصادية والاجتماعية المستفحلة منذ عقود.

ويبقى السؤال: ماذا عن بلوكات النفط والغاز في المتوسط التي تقبع مراسيمها في أدراج مجلس الوزراء بانتظار توقيعها وانطلاق قطار الاستثمار؟ وهل ستكون اللغم الأكبر الذي سيفجّر الحكومة والعهد معاً؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى