حزب الله منتصراً… ما هي مسؤولية الحلفاء؟

ناصر قنديل

– مارس اللبنانيون قادة وساسة وكتاباً ومواطنين فوضاهم الديمقراطية حتى الثمالة في الأيام التي أعقبت ترشيح الرئيس سعد الحريري للعماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وأفرغوا ما في أفكارهم وقلوبهم وعقولهم، كما أفرغوا ما في نزواتهم وأحقادهم ورغباتهم، وسمحوا لذواتهم ببلوغ حدّ قلب الحقائق مرات، والاحتكام للغرائز وإطلاق الشتائم بدلاً من المواقف، وبلوغ التأليه في موضع التأييد. وآن الأوان للقول إنّ هذه الفسحة من الفوضى لم تعد جائزة أن تحتلّ مساحة تحتاج السياسة اللبنانية للعقل فيها، ويحتاج الساسة فيها لضبط الشوارع قبل أن تقودهم، ويقود الشوارع من يجد فيها صيده الثمين، فتنتقل الفوضى من ساحات الكلام إلى مساحات لا يريد أحد لها أن تستبيح البلد بأحقاد، لا تملك من الأسباب الموجبة ما يبرّر الدرجات العالية من الحرارة التي تختزنها بما يكفي لإشعال الكثير من الحرائق، فكيف يصبح فجأة ما كان صحيحاً قبل أشهر، خطأ تاريخياً، وما كان أبيض ناصع البياض، مجرد سواد بصباغ أبيض زائل شاحب؟

– فشة الخلق الناتجة عن احتباس للمشاعر، وتضارب اتجاهاتها، بقياس الموقع من الاستحقاق الرئاسي، تستنفد حدودها، وبات لزاماً على القادة لجم اندفاعاتها، ووضع ثقلهم لمنع تماديها، ليعود العقل مصدراً للشرع، قبل أن تصير لغة الشارع مصدراً لصناعة السياسة، وبلغة العقل لا بدّ من إدراك حقيقتين متناقضتين، الأولى أنّ وصول العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية بات حدثاً واقعاً، بقوة الحقائق التي يعرفها الجميع، مؤجل التنفيذ ليوم الاثنين المقبل، وأن لا مكان لمعركة انتخابية، بمعنى التأثير على تحديد اسم الرئيس المنتخب. والحقيقة الثانية أنّ هذا الحدث انتصار لخط سياسي يلتقي عليه المختلفون على العماد عون كخيار رئاسي، سواء من يؤمنون بهذا الخط السياسي ويعتبرون النصر نصرهم، أو من يعارضون هذا الخط السياسي ويصلون حدّ رفض الخيار الرئاسي للعماد عون لهذا السبب، كما وصفه النائب سليمان فرنجية في الشق السياسي من كلامه بعيداً عن كلامه الشخصي القاسي بحق العماد عون، أو كما يقول من الموقع الآخر حزب الكتائب والوزير أشرف ريفي في رفضهما لخياري العماد عون والنائب فرنجية للرئاسة. وتطرح هاتان الحقيقتان في السياسة الحاجة لتقديم أسباب موجبة أبعد من الاعتبارات الشخصية لتصويت مخالف لخيار العماد عون الرئاسي، للذين ينتمون لهذا الخط السياسي، ويملكون حق التصويت في جلسة الانتخاب، خصوصاً أنّ الظروف التي تولد فيها هذا النصر، ربطت بينه وبين القوة الحامية له ولصناعة سياقه وهي حزب الله، والمكانة التي يمثلها الحزب لحلفائه، في دوره المقاوم والصانع للانتصارات في مواجهة إسرائيل ، وفي الوقوف مع سورية بوجه الحرب الظالمة التي نظّمها وموّلها ورمى بثقله للفوز بها حلف، كان يمثله ولا يزال بين اللبنانيين، مَن تصرفوا تجاه الاستحقاق الرئاسي ضدّ خيار العماد عون بخلفية منع حزب الله من تحقيق هذا النصر، ويتصرفون اليوم بتبني هذا الخيار بخلفية سرقة هذا النصر. وعلى التصويت أن ينتبه بقوة للموقع الذي يخدمه في قلب هذا الصراع السياسي والإعلامي، وهل يمكن أن يبقى مجرد تسجيل موقف، أم سيتحوّل بمعزل عن إرادة أصحابه إلى تسهيل لمهمة الساعين لسرقة النصر والهادفين لتطويق وإحاطة العهد الرئاسي الآتي بقوة المقاومة وانتصاراتها، بتحالفات وصداقات وعداوات، تحول بينه وبين أن يكون نصراً للمقاومة وخياراتها وتحالفاتها.

– يرغب حزب الله أن يتوّج النصر لخياره الرئاسي بعرس جامع للحلفاء، ويحزن للغة التحدّي والتصادم ويتألم كثيراً عندما تتحوّل إلى لغة الشتائم بين بعض جمهور حلفائه، أو بعض قادتهم، ولأنّ حزب الله، كما قال أمينه العام يحرص على إدارة العلاقات مع الحلفاء بهوامش تحفظ حرية خياراتهم، وليس تخييرهم بين أن يكونوا حلفاء ويسيروا بالخيارات الموحدة، أو يسلك كلّ حليف طريقه بهدي خياراته الحرة، بعيداً عن صفة الحليف، ويمارس احترامه لحق الاختلاف دون المساس بالتحالف القائم على الثوابت، والمتّسع للاجتهادات في مقاربة الاستحقاقات تكبر مسؤولية الحلفاء، وعليهم أن يقاربوا الموقف بروح عالية من المسؤولية، بعيداً عن طبيعة العلاقة التي ربطتهم أو ستربطهم بالرئيس القادم إلى قصر بعبدا، بل بالحليف الذي جعل هذا الخيار الرئاسي رمزاً لنصره الإقليمي من جهة، ومعبراً إلزامياً للاستحقاق الرئاسي من جهة أخرى، بما يشبه في كثير من الوجوه لحظة الموقف من التمديد للرئيس إميل لحود، وكيفية التصرف، رغم الاجتهادات المتعدّدة تجاه الخيار الرئاسي بالتمديد نفسه، بعدما صار التمديد بعضاً من معنويات سورية ورئيسها.

– يقارب حزب الله المحطات واحدة واحدة، وينصرف الآن لجلسة الانتخاب، وضمان فوز هادئ ومريح للمرشح العماد عون، ويتقبّل بكلّ روح رياضية مواقف الحلفاء الذين لن يمنحوا أصواتهم لهذا الخيار، وبعدها سيسعى حزب الله لردم الهوة وتقريب المواقف، والسعي لجعل الحكومة المقبلة أوسع تعبير ممكن عن النسيج الوطني الذي يتّسع في حساباته، لقبول ترؤس الحريري أول حكومات العهد، ولو أنّ كلّ شيء متاح يقول باستحالة توفر ظروف تتيح قيام الحزب بالمشاركة في تسميته لهذه الرئاسة، لكن بكلّ حال بعدها ستكون الحكومة العتيدة للعهد، أولى حكوماته. وهنا المعضلة التي على الجميع التفكير فيها بروية، وبعقل بارد، وهي حكومة انتخابات مستحقة خلال شهور، رغم كون مهمتها الحصرية بالتحضير لإجراء الانتخابات والسعي لإنتاج قانون جديد لها، لا تسقط حاجتها لبيان وزاري يتطرق لقضايا السياسة الخلافية، وكلها تحديات كبيرة، سينقسم القادة والسياسيون والأحزاب بين خيار زيادة التعقيد فيها، كامتداد لتصويت بعضهم ضدّ الخيار الرئاسي للعماد عون، وربما عدم تسميتهم للرئيس الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، وخيار تسهيل المهمة من موقع السير بخيار العماد عون للرئاسة والرئيس الحريري لتشكيل الحكومة. وسيبدو منطقياً أن ينال المسهّلون مكانة مميّزة في الحكومة الجديدة إذا أبصرت النور سريعاً، أو تسنّت لها الولادة قبل حلول موعد إجراء الانتخابات، كما سيبدو منطقياً ما يفعله الممانعون، رغم قولهم إنهم لا يفتعلون التعقيدات، وإنّ ما سطلبونه من تفاهمات وإيضاحات هي حقوق ديمقراطية، إضعافاً للعهد الجديد، ووضعاً للعصي في دواليب إقلاعه. وهو ما لم يفعلوه مع عهود وحكومات لا يمكن مقارنة حجم التوظيف المعنوي للمقاومة لقيامه وانتصاره بحجم ما يبلغه توظيف حزب الله لمكانته وانتصاراته في خدمة توفير شروط إقلاع آمن لهذا العهد.

– يصير السؤال هنا، إلى أيّ حدّ يستطيع حزب الله، التصرف بحياد تجاه تشكيل وقيام الحكومة الأولى في عهد رئاسي، سيسجل فشله الافتتاحي فشلاً سياسياً كبيراً لحزب الله، وسيحتسب الإفشال من خانة الحلفاء، وسيحسب تمنّعهم وتحسب ممانعتهم، تسهيلاً لسرقة الخصوم لنصر حققه حزب الله بالثبات والصمود والتضحيات، وتهويناً لوقوع العهد في أحضان خصوم ينتظرون هذه اللحظة، ويبشرون بها، لعزل حزب الله عن العهد الذي جاء به بشق النفس، ولإحاطة العهد بتحالفات تقدّم نفسها بهويات متعددة، بصفتها الأقرب والأشدّ حرصاً، وما لا يحق للقادة الناضجين والكبار تجاهله في هذه المنزلة هو أنّ وحدة المشاعر وتبادل الفرح والحزن في الشارع هي التحالف، وليست بيانات القادة المفعمة بالكلمات المنمّقة، واللحظة التي ستتأسّس مع جلسة الانتخاب ستراكم المزيد من المشاعر، وتبني جدراناً جديدة أو تهدم الجدران القديمة. والقرار هنا، بقيمة تتخطى كونه مجرد تصويت عابر، يظلله التفهّم والتفاهم.

– حبّذا لو يبادر الرئيس نبيه بري للدعوة لجلسة وداعية لهيئة الحوار الوطني قبيل جلسة الانتخابات الرئاسية، تكون فرصة ربما تولد فيها مفاجآت تجعل ما هو آت محاطاً بما هو أشدّ سلاسة وأماناً مما نستشعره الآن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى