خيانة الخائن…

يعقوب مراد

«يا للعار… أهكذا يتحوّل حقد شخصي إلى تدمير وطن!؟»

المشهد الأول

استوكهولم ربيع 2008

عاصفةٌ كبيرة من الاستنكار والاحتجاج والغضب، في أوساط المغتربين السوريين المتواجدين في السويد عموماً، وفي العاصمة استوكهولم خصوصاً.

أما السبب، فتصرفات السفير السوري محمد بسام عمادي غير المسؤولة، واستخدامه منصبه في عمليات رشوة ونصب واحتيال، حيث قام بتشجيع مجموعة من رجال الأعمال السوريين المقيمين في السويد، لإنشاء مشروع تجاري كبير في سورية، وبعد أن استولى على أموالهم بدأ يماطلُ ومن ثم يتهرّب باعتذاراتٍ وهمية، ما جعل الذين رهنوا أموالهم لديه، يلجأون لتقديم رسائل شكوى بحقه، لوزارة الخارجية السورية، ولوزارة المغتربين.

فعلوا ذلك، فتناقلت وسائل الإعلام السورية والسويدية شكاوى المغتربين، التي منها أنّ «سعادة السفير» وضع تسعيرة لكلّ معاملة، ولكلّ ختم، ولكلّ زيارة، حتى أُطلق عليه لقب «منشار» بسبب الكمّ الهائل من الكسب الذي كان يحصل عليه، عن طريق التحايل والغش، واستغلال السلطة المؤتمن عليها، ولم يكتفِ بالنصب على المواطنين السوريين المغتربين، وإنما أيضاً، على وزارة الخارجية السورية، وبخيانته للمسؤولية التي حمّلته إياها، والتي تنكّر لها عندما قام بشراءٍ منزلٍ كبيرٍ في السويد.

اشترى المنزل وسجّله باسم أمّ زوجته، وبعد ذلك أستأجره منها بعقد سنوي مرتفع تدفع قيمته وزارة الخارجية السورية. وبعد تزايد الشكاوى لم يكن أمام وزارة الخارجية السورية، إلا أن استدعته إلى دمشق، وحوَّلتهُ إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش.

بعد التحقيق معه، تمّ تحويله للقضاء، ولما وجده مذنباً، أصدرَ قراره بصرفه من الخدمة…

هذا التصرف الحكيم والمسؤول من الحكومة السورية، لاقى ترحيباً وارتياحاً بين أوساط الجالية السورية في السويد، ولقد نوّه الإعلام السويدي بعدالة الإجراء السوري الذي كان لا بدّ منه بحق السفير ـ «المنشار».

المشهد الثاني

استوكهولم ربيع 2012

فجأة، ومن دون أيّ مقدمات، فوجئ المغتربون السوريون بالسويد، بالتحقيق الذي نشرته جريدة «افتنبلادت» الشهيرة من منطقة قريبة من الحدود السورية ـ التركية… فوجئوا، بسبب تسليط الضوء على محمد بسام العمادي السيّئ السمعة. ولكن هذه المرة، كمسلَّحٍ يضع مسدسه على خصره، ويترأس مجموعة «مجاهدين» هدفهم «محاربة النظام في سورية من أجل إسقاطه لأنه نظام فاسد»، حسب قوله.

توالت الاتصالات بين المغتربين، وكثرت علامات الاستفسار والتعجب، والاشمئزاز من هذا الرجل الذي تمرّغ أكثر بالخيانة. ففي البداية، وحين كان سفيراً، خان قسم الولاء والأمانة وتمثيل الوطن، وها هو اليوم يخون الوطن مرة أخرى، باستباحته للدمِ السوري. أيضاً، بتعاونه مع الشيطان الذي وسوس له بأن يعلن وعبر الجريدة السويدية: «سنُسقط النظام ولن نتراجع وسنتعاون مع إسرائيل من أجل ذلك»…

«يا للعار… هل يتحول حقدٌ شخصي إلى حقدٍ ورغبة بتدمير وطن!؟»

بهذا الكلام بدأت حديثي مع صديقي الصحافي السويدي، مذكراً بالماضي القريب حين كانت الصحافة السويدية تلوم الحكومة السورية، لأنها لا توقف السفير النصّاب، وحين هلَّلتْ بفرحٍ لقرار عزله ومحاكمته، واليوم تقدِّمهُ كبطلٍ يجاهد من أجل العدالة والديمقراطية!

أسأل صديقي: «كيف انطلت عليهم هذه الخدعة، وكيف قبلوا بها؟!»

يستغربُ مثلي ويعدني بمعرفة الحقيقة… بعد أيام قليلة، يُخبرني بأنّ السفير «الخائن» وبحكم معرفته وعلاقاته السابقة بالإعلام السويدي، وجّه إليهم الدعوة لإجراء تحقيق من أرض الواقع، وعبر لقاء المهجَّرين، وكانت فرصة وسبق صحافي لنقل صورة عما يحدث في سورية…

ها أنا أكتب للإعلام السويدي، لأوضِّح الصورة التي أعرفها، ويعرفها كلّ ذي ضمير حيّ، وأقول: «كتبتم ونشرتم ولكنكم تجاهلتهم شيئاً هاماً… انظروا الى الصور المرافقة للتحقيق، ستجدونهم مسلحين يقاتلون ويتباهون ولا ينكرون. وهذا اعتراف بأنّ كلّ ما كنّا نسمعه عن سلمية المتظاهرين، هو كذب وافتراء، وبأنهم مرتزقة باعوا أنفسهم لشياطين الخليج لقاء حفنة من المال، وما وجودهم على الحدود التركية مع توفير كلّ الدعم اللوجستي والإعلامي لهم من تركيا، إلا اعتراف واضح بتدخل تركيا في شؤون دولة مستقلة..

أكتب لكم اليوم وأقول، ها هي أعمال العمادي وزمرته تدوّي بانفجارات تهزّ دمشق، وتزهق الأرواح، وتزرع الرعب في عبير الياسمين لتحويل سورية الى ليبيا ثانية.

فهل هذه هي الديمقراطية والحرية التي يريدها العمادي وأمثاله؟

أعرف ويعرف كلّ مواطن سويدي وأوروبي بأنّ ما حدث في ليبيا ومصر وتونس واليمن ليس ثورة حرية. ولعلّ انحسار نسبة السياحة الأوروبية هذا العام لهذه الدول، يثبت بالدليل القاطع حالة عدم الأمان والاستقرار الذي كان متوفراً سابقاً… فلماذا تريدون خراب سورية أيضاً؟

هذه سورية تفتح أبوابها السبعة مرحّبة بكلّ الإعلاميين لزيارتها ـ والاطلاع على الصورة الحقيقية لما يريده الشعب السوري، فتعالوا لنكتب كلمة حق نابعة من الضمير الإنساني وليس من حقول النفط الخليجي الذي يموّل خيانة الخائن!

كاتب سوري مقيم في السويد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى