«ويكيليكس»: وجها هيلاري كلينتون في سورية

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

كتبت شارمين نارواني في «RT»:

تقول هيلاري كلينتون إن السياسة تتطلّب سياسة كلّ من «الموقفين الخاص والعام». تلقي تسريبات «ويكيليكس» الجديدة الضوء على بعض ما وصفته هذه الرسائل. وأغتنم هنا الفرصة لألقي نظرةً خاطفة على مواقفها الخاصة في مقابل تلك العلنية في سورية في هذه المقالة التي لا تبدو على ذلك القدر من الجمال. فلا غرو أن يجدها 30 في المئة من الأميركيين «صادقة وجديرة بالثقة».

«لا يثق الشعب بهيلاري كلينتون، ولا أحد يستطيع أن يحدّد لماذا بالضبط»، هذا ما استهلّت به مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة خطابها، في شركة «فاست» تموز الماضي.

وفي استطلاع للرأي أجرته قناة «CNN» الأميركية في الشهر عينه، يعتقد 30 في المئة من الشعب الأميركي أن كلينتون «صادقة وجديرة بالثقة»، وإذا لم ينجح المصوّتون في قراءة كلينتون أو فهمها جيداً، فإن اللوم قد يقع عليها بشكل مباشر. ففي خطاب وثّقته «ويكيليكس» في نيسان 2013، تعهدت كلينتون بما يلي: السياسة تشبه النقانق في صنعها. ومن التافه بمكان، أن هذه هي حالها الدائمة، ونحن ننتهي غالباً في المكان الذي نريده. لكن إذا ما كان الجميع كما تعلمون يراقبون الأمور جيداً، وكانت جميع المناقشات والصفقات المطروحة في الغرف الداخلية تؤدي إلى استثارة بعض العصبيات، فإن هذا يحتاج منّا إلى مواقف على الصعيدين العام وكذا الخاص.

إن تعليق كلينتون الأخير «العام في مقابل الخاص»، ساهم في تسريع وتيرة جولات وسائل الإعلام، التي أكدت لمنتقديها، أن نفاقها في عدد من المواقف السياسية جاء متعمّداً.

أمّنت «ويكيليكس» فرصة للخوض في البعض من هذا، إذاً، فلْنلقِ نظرة على واحدة من هذه السمات البارزة جداً في أجندة كلينتون للسياسة الخارجية: سورية، هي البلد الذي يقف اليوم في وسط المواجهة العالمية المحتملة.

ليست انتفاضة سوريّة بل مخطّط لتغيير النظام

كشف بريد إلكترونيّ صادر عن «ويكيليكس» عام 2012، أن وزارة خارجية كلينتون كانت تجري الحسابات حول سياسة سورية، وذلك باستخدام مقاييس مختلفة تماماً عن السرد العلنيّ في وسائل الإعلام الذي يدعم الإصلاحات وينبذ العنف:

«إنها تلك العلاقة الاستراتيجية بين إيران وبين نظام بشار الأسد في سورية ما يجعله محتملاً بالنسبة إلى إيران لتقويض أمن إسرائيل ـ ليس من خلال القيام بهجوم مباشر، الذي لم يحصل على مدى ثلاثين سنة من العداء بين إيران وإسرائيل، إنما عبر الحلفاء في لبنان، كحزب الله، المسلّح والمدرّب للقتال من قبل إيران في سورية. سوف يُنهي نظام الأسد هذا التحالف الخطير. وسوف تدرك القيادة الإسرائيلية جيداً، لِمَ تصبّ هزيمة الأسد الآن في مصلحتها».

لم يُعرف كاتب هذه الرسالة الإلكترونية والتي تندرج ضمن وثائق «ويكيليكس» تحت عنوان «أرشيف كلينتون»، وتستند إلى المخطّط التالي: «قد تستطيع واشنطن البدء بالتعبير عن إرادتها العمل مع حلفائها في المنطقة مثل تركيا، السعودية، وقطر بهدف تنظيم القوات السورية المتمرّدة وتدريبها وتسليحها. ومن شأن الإعلان عن مثل هذا القرار أن يسبّب ـ في حدّ ذاته ـ انشقاقاً كبيراً في صفوف الجيش السوري. ومن ثمّ استعمال الأراضي في تركيا وربما في الأردن، وبدء دبلوماسيي الولايات المتحدة، ومسؤولي البنتاغون بتقوية المعارضة… تسليح المعارضة السورية واستخدام سلاح الجوّ الغربي ضدّ الأراضي والمواقع السورية وطائرات الهليكوبتر السورية بأقلّ كلفة ممكنة».

كان تسليح «المعارضة السورية» من الخارج، هو الغاية والهدف «منذ البداية الأولى»، وذلك وفقاً لمنشور «ويكيليكس »الحديث في خطاب كلينتون الشهير تموز عام 2013:

«إذاً، تكمن المشكلة بالنسبة إلى الأميركيين والأوروبيين منذ البداية وفقاً لما يلي: ما هو لك ـ من ذا الذي تحاول أن تسلّحه. ومن المحتمل أن تقرأ وجهات نظري من خلال الصحف، بأنني كنتُ أحاول إيجاد بعض المجموعات هناك، والتي اعتقدنا أنه بإمكاننا بناء علاقات معها وبالتالي تطوير بعض الاتصالات السرّية التي قد تعطينا ـ على الأقلّ ـ فكرة عمّا يجري داخل سورية».

ومن المؤكد، أننا أدركنا ذلك منذ بداية عام 2012، إذ إن إدارتَي كلّ من أوباما وأردوغان قد أبرمتا اتفاقاً لإنشاء «خطّ الجرذان» لنقل الأسلحة والتموين من ليبيا إلى سورية ـ عبر «CIA» و«MI6»، والمموّلون هنا: تركيا، السعودية وقطر. ولم يكن الهجوم على سفارة الولايات المتحدة في بنغازي والذي قضى على السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز أكثر من نكسة موقتة. ومع ذلك، فإن الأسلحة والمساعدات المالية للعسكريين في سورية، تستمرّ في التدفق من المناطق الحليفة لأميركا من دون الأخذ بالاعتبار تلك النكسة، حتى لو كانت واشنطن تدرك تماماً أنه يجري تحويل أسلحتها بشكل واضح إلى المتطرّفين.

وكانت السرّية حول وثيقة لوكالة الدفاع الاستخبارية في آب 2012 بعد تعميمها على وزارة الخارجية، تنصّ بوضوح على أن السلفيين، الإخوان المسلمين، وتنظيم «القاعدة» في العراق، هي القوات الرئيسة التي تقود «المتمرّدين» في سورية، وأن الدول الغربية ودول الخليج وتركيا هي من تدعم «المعارضة».

لكن، وفي حال تورّط القوات الأميركية الخاصة في إرسال الأسلحة والمقاتلين إلى سورية أوائل عام 2012، فإن هذا كان ليبدأ قبل شهور عدّة. تتطلّب استراتيجية الجيش الأميركي في الحرب غير التقليدية، أن تكون المفاهيم السكانية المستهدفة للدولة هي التي «أعدّتهم» إلى قبول نشر العصيان المسلّح، مستخدمين الدعاية والجهود السياسية والنفسية لتشويه سمعة الحكومة… لخلق تحريضٍ محليّ ودوليّ… مساهمين في تنظيم المقاطعة، الضربات وغيرها من الجهود المؤشرة على استياء الرأي العام… وقل البدء بـ«تسلّل المنظمين الأجانب والمستشارين وأصحاب الدعاية الخارجية، المال، الأسلحة والمعدّات».

يمكننا الحصول على فكرة عن كيفية عمل هذه الدعاية واستمالة البريد الإلكتروني من كلينتون في حزيران 2011، وذلك وفقاً لسياسة آن ماري سلوتر التخطيطية، والتي تدعو علناً إلى التمرّد والى افتعال الروايات الطائفية للتحريض على المتظاهرين السوريين:

«وهذا يشير إلى أن الولايات المتحدة تقترح ضرورة أن تكون القرارات أكثر محاكاةً للعنف أكثر بكثير من الطرق التي يعتمدها النظام السوري. ألا يمكننا أن ندعو إلى اجتماع لمجلس الأمن الدولي ونحثه على العمل، لكن المعلومات الحالية تنسجم ببساطة مع ما عرفناه بأنه لفت انتباهنا إلى المجلس، بطريقة أكثر مصداقية على الصعيد العالمي؟ ومع تكرار القول بأن النظام يريد لهذه الحرب أن تتحوّل إلى عنفٍ طائفيّ؟ وعلى أقلّ تقدير، فإنه يمكن افتعال عدد من السبل التي من شأنها تشجيع المتظاهرين في سورية. إنها حرب معلومات يجري تفعيلها بشكل كبير بإمكاننا فعل الكثير من أجل رفع مستوى وتشريع هذه الحقيقة.

هذا هو ـ كالمعتاد ـ عمل وزارة الخارجية الأميركية الكائن على دراية جيدة في أصول زرع الفتنة في الشرق الأوسط، في حين يُفترض بنا جميعاً التنديد علناً بالفتنة الطائفية. ويشير هذا البريد الإلكتروني من عام 2006 إلى أن هذا التفكير يترسّخ فعلاً وفقاً لضبابية سفلية، مع التركيز على كيفية استغلال نقاط الضعف، وتحديداً تلك الطائفية في الداخل السوري.

تأجيج الجهاد الطائفي

في أواخر عام 2012، استنتجت الاستخبارات الأميركية أن «القاعدة» تعمل في سورية. كانت هذه المعلومة عامة، إنما غير منتشرة على نطاق واسع. وبدلاً من ذلك، فقد ركز فريق كلينتون بكثافة على ضرورة «أن يرحل الأسد» بحجّة «انتهاكات حكومته الواسعة النطاق حقوق الإنسان».

استخدمت كلينتون ذريعة «الإنسانية» للدفع قدماً نحو أجندة تغيير النظام، وذلك خلف الكواليس، بهدف تقديم المزيد من المساعدات للعسكريين وتوجيه التدخل العسكري الأميركي، في حين أنها تشجب علناً تصاعد العنف داخل سورية.

لكن هل اهتمّت يوماً بالحفاظ على أمن السوريين؟ الأدلّة على عكس ذلك كثيرة. ففي إصدار «ويكيليكس» الجديد، المتعلّق بالخطاب الموجّه لصندوق الأمم المتحدة اليهودي في آب 2013، برزت علامة بالمناسبة من قبل العاملين بها والذين يشعرون بالقلق حيال مضمونه، حيث تحدّد كلينتون خياراً سياسياً واحداً ممكناً للحلّ في سورية:

«إن طريقةً واحدةً تشكل خطوةً إلى الوراء، فلنحاول أن نجرّهم إلى الاقتتال في ما بينهم حدّ استنفاذ قواهم وانهيارهم، ونتصوّر في ما بعد السبل للتعامل مع بقاياهم. إنها طريقة للتعامل مع أولئك الذين يظنّون انه ما من مخرج أو سبيل للخروج من هذه الأزمة، ليس فقط بالنسبة إلى الولايات المتحدة، بل أيضاً للغير، لوقف القتال قبل القتلة أنفسهم والعودة إلى القتال بعدما يكون الفريقان قد تعبا من القتل. إنه نهجٌ سلسٌ وفي متناول اليد».

كذلك، فإن أيّ متابع للحرب في سورية من حلفاء واشنطن، يعتمد في معلوماته على التغطية الأجنبية للاستنزاف، حيث يبدو أن كلينتون قد سلكت ايضاً هذا النهج. وبالنظر إلى أن قتال حلفاء واشنطن في سورية، اعتمد بشكل رئيس على قطع الرؤوس، جنود مشاة من الجهاديين، إنه سيناريو كلينتون في القتل للحفاظ على «استنفاذ» قوة جميع الأطراف، وربما تكون هذه هي خطة الانطلاق. يصل هؤلاء المقاتلين إلى أرض المعركة مدجّجين بالأسلحة، بالعقلية الطائفية التكفيرية الجهادية على طريقة المملكة العربية السعودية، تركيا وقطر، وطبعاً، كلّ ذلك يتمّ بإشراف من وكالة الاستخبارات المركزية، التي قطعت أنيابها، في القيام بالأمر عينه مع المجاهدين في أفغانستان.

وكانت «ويكيليكس» قد حصلت على رسالة مرسلة من كلينتون إلى رئيس حملتها الانتخابية جون بوديستا في آب 2014، تشير إلى أن وزيرة الخارجية السابقة تدرك تمام الإدراك أن حلفاءها لم يكونوا يدعمون الإرهاب سوى بشكل جزئيّ: «ففي حين كان الجيش يقود هذه العملية شبه العسكرية، احتجنا إلى استخدام استخباراتنا الدبلوماسية والتقليدية للضغط على حكومة دولة قطر والسعودية، التي تقدم الدعم المالي واللوجستي السرّي لداعش وللجماعات السنيّة المتطرفة الأخرى في المنطقة». وبطبيعة الحال، فإن كلاً من قطر والسعودية هما حليفان أساسيان للولايات المتحدة في المنطقة واللتين تستضيفان على أراضيهما القواعد العسكرية الأميركية، وتدعمان ـ على ما يبدو ـ «داعش».

وهذا يروّج ايضاً، ومرة أخرى، لـ «منطقة حظرٍ جويّ» فوق سورية بقدر ما فعلت مع ليبيا. وفي خطاب آخر، وبعدما رفعت شعارها الانتخابي والذي كشفت عنه ايضاً ويكيليكس، وجرى تسليمه إلى غولدمان ساكس في مؤتمر تنفيذي في حزيران 2013 توضح كلينتون:

لإقامة منطقة حظرٍ جويّ، فعليك بالتخلّص من مناطق الدفاع الجويّ، والمتمركزة بشكل رئيسيّ في المناطق الآهلة بالسكان. لذا، فإن صواريخنا، حتى تلك القادرة على مواجهة الصواريخ الحالية، لن نعرّض بسببها طيّارينا للخطر لأننا بهذا سنقتل الكثير من المواطنين السوريين. وهكذا فجأة، يبدأ الناس بالتحدث عن هذا التدخل على أنه تدخل مشترك من الأميركيين وحلف الناتو لقتل المدنيين.

إذاً، حتى كلينتون تسعى إلى فرض منطقة حظرٍ جويّ على رغم اعترافها أنها ذاهبة إلى قتل كثيرين من السوريين. ما يجعلنا نضع في الاعتبار أن خطابها المتعلق بجرّ السوريين إلى الاقتتال في ما بينهم حتى يُرهقون، يتلاءم مع ما سبق ذكره.

إن حلفاءها الإقليميين الوحيدين في هذا المسعى، هم السعوديون والقطريون، الذين ندرك جيداً الآن انهم يدعمون «داعش» وغيره من التنظيمات الإرهابية في الداخل السوري. ونحن ندرك أيضاً أن كلينتون سوف تستمرّ في تجاهل هذا الطيش، ليس بسبب ما تقوله، إنما بسبب ما تفعله:

موقفها متناقضٌ تجاه السعوديين في ما بين الخاص والعام، وفي النهاية، وهذا ما تؤكده عدّة برقيات انتشرت عبر «ويكيليكس»، وصادرة عن وزارة الداخلية عام 2010.

عام 2009، عثرت «ويكيليكس» على برقية موقّعة من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تقول فيها: «إن الجهات المانحة في السعودية تشكل أهم موردٍ لتمويل الجماعات السنيّة الإرهابية في جميع أنحاء العالم… وتبقى المملكة السعودية الداعم المالي الحقيقي للقاعدة وطالبان وغيرهما من الجماعات الإرهابية… لطالما كان هذا تحدياً مستمراً لإقناع المسؤولين السعوديين بكيفية علاج تمويل الإرهاب الصادر عن المملكة السعودية كأولوية استراتيجية».

ومع ذلك، فإن كلينتون كانت قد أعلنت عن أكبر صفقة أسلحة للسعودية في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية ت تصل إلى 67 مليار دولار من الأسلحة وتقع في أيدي الإرهاب العالمي.

لا تتورّع كلينتون عن طلب المبالغ الطائلة من السعوديين لها ولعائلتها ولمؤساستها الخيرية أيضاً. فقد تلقت مؤسسات كلينتون الملايين من الدولارات من السعودية، وقطر وغيرها من الدول الخليجية، على رغم الدور الذي تلعبه حكومات هذه الدول في تمويل الجهاد العالمي. أما شقيقها مدير الحملة، طوني بوديستا، فقد وقّع للتوّ على تقديم الحكومة السعودية مساعدات له بسبب العلاقات العامة المكلفة للغاية في وقتٍ سابق من هذه السنة.

هناك شيءٌ من الفصام في الشخصية حول تقسيم هيلاري كلينتون للقضايا المتخصصة جداً والتي تتمحور حول المنافسة في الحكم. إن مواقف كلينتون المتناقضة بين تلك العلنية والأخرى الخاصة، تؤكد على الأسلوب الفكاهي المناقض للشفافية، وعلى عملية المساءلة المطالبة بالديمقراطية.

تتحدّث حول «الخطأ» الذي ارتكبته في العراق، ومع ذلك، فنحن إلى الآن لم نسمع عن الدروس التي تعلّمتها. وهي حادثة مزعجة للغاية، لأننا نرى أنها قد تكرّرت مراراً، في ليبيا وفي سورية.

تدعم كلينتون علانية حق تقرير المصير، الحرّية، وحقوق الإنسان لدى السوريين. أما على المستوى «الخاص»، فهي تدعم المذبحة الشاملة التي تطاول جميع السوريين ـ من دون استثناء ـ من خلال شبكة التحالف عن كثب مع الإرهابيين الطائفيين المنحطّين، بهدف إضعاف إيران وتقوية «إسرائيل».

وإذا كنتَ أحد هؤلاء الأميركيين الذين لا يثقون بهيلاري، فأنتَ تملك الأسباب الموجبة لذلك. وعند هذه النقطة، نرى أنه من الصعب التأكد مما إذا كانت كلينتون هي نفسها ستدرك حقيقتها وماهيتها بعد الآن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى