نعي داعش المعلق على أسوار الرقة… الرحم الأميركية الولاّدة

د. محمد بكر

لا يمكن وضع الاجتماع الثلاثي الذي دعت إليه موسكو على مستوى وزراء الخارجية بحضور الجانبين الإيراني والسوري، وكذلك تحذير قائد العمليات الميدانية لحلفاء سورية للجانب التركي من تجاوز الخط الأحمر لناحية الدفع بقوات عسكرية والتماس مع قوات الجيش العربي السوري، وذلك قصف الطائرات السورية لمواقع المسلحين المدعومين من تركيا وإجبارها على التراجع، إلا في سياق مرحلة جديدة وعناوين اشتباكية مختلفة باتت تتكاثر في المشهد السوري، بدورها أعلنت واشنطن ولندن عن بدء تحرير مدينة الرقة من داعش خلال الأسابيع المقبلة، قبلها تمّ الإعلان أميركياً عن عزل المدينة والاعتماد على قوات محلية في استرجاع المدينة، كلّ ذلك هدفه فرملة الروسي وحلفائه المتقدّمين في حلب، فرملةٌ تمضي واشنطن في تصنيعها وصياغة جملة من الممهّدات وعوامل حرف أنظار الخصم نحو ساحات وجبهات سورية أخرى، من هنا يمكن فهم كلّ ما قيل عن استعداد «جبهة فتح الشام» لإدارة التحشيد العسكري في الجنوب بمؤازرة فصائل مسلحة عدة عبر الحدود الأردنية، حتى ما بثه داعش من فيديو يعرض عملياته القتالية في مخيم اليرموك والتهديد بأنّ ما سمّاه «عيون المجاهدين تبقى ترقب قلب العاصمة السورية»، إنما تسير كلّ هذه المشاهد تحت العيون الأميركية لإشغال حمية موسكو وحلفائها عن جبهة حلب على قاعدة إشعال عدة جبهات لخلخلة مركز القوة لدى الخصم.

الإعلان الأميركي عن القدرة على العمل العسكري ضمن مساري الرقة والموصل معاً بالتوازي مع جملة ما ذكرناه، إنما يأتي في إطار «تقزيم تطاول» موسكو والحدّ من يدها في الميدان السوري والعمل الأميركي باقتدار في المراوغة وتصنيع الردود، وهي أي واشنطن الخبيرة وصاحبة الباع الطويل في تشكيل الإرهاب من الإرهاب ذاته لكن بنكهات متعدّدة وهياكل مختلفة، لكن بذات المضمون ولذات الأهداف، بمعنى يمكن القول إنّ بداية النهاية لكتلة مسلحة اسمها داعش قد دخلت مرحلة التنفيذ، وإنّ مرحلة ذوبان التنظيم في إطار الإسم قد بدأت، لكن ماذا بعد ذوبان وانحلال داعش؟ وكيف ستستثمر واشنطن سياسياً من حصاد نتائج ذلك على طاولة التسويات مع الروس، وكيف سيكون شكل البناء المشيّد على أنقاض داعش؟

ربما يكون عناصر داعش أنفسهم هم المكون الرئيس للقوات المحلية التي ستعتمد عليها واشنطن في عملية التحرير لكن بزي جديد وحلة مختلفة تنتهي معها مشاهد اللحى المرخية والرايات السود والأثواب القصيرة.

تختم صحيفة «نيزافيسميا غازيتا» في أحد المقالات بالقول: إنّ تحرير الموصل من داعش لا يعني انتهاء محاربة التنظيم في المنطقة، وستعمل الولايات المتحدة على الاستمرار في تغذية الصراع بين الملكيات الخليجية وإيران للزعامة على المنطقة، وإنّ محركي الدمى في الغرب سيستفيدون أقصى ما يمكن من هذا الصراع، وهو ما يشكل جوهر المسلك الأميركي في طريقة إدارته للحاصل اليوم، وهذا ما أكدته الصحف «الإسرائيلية» لجهة التوظيف السياسي للمعركة ضدّ الإرهاب الذي يخدم الصالح «الإسرائيلي» ويحرف الأنظار الدولية عن تحرك «إسرائيل» في الضفة وغزة دون رقيب.

قراءة «الفاتحة» أميركياً على «داعش» هي بمنزلة المباركة لعقد قران جديد تكتبه واشنطن لن يبخل باستيلاد الأوراق الجديدة التي ستخط سطورها الإدارة الجديدة للبيت الأبيض، بانتظار ما سيفجره لقاء محور موسكو من مفاجآت تجهض ما تنتظره واشنطن؟ أم «فات الميعاد»؟

كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا

Dr.mbkr83 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى