أنطوان شارتييه… نقاء وصفاء وعطاء

ابراهيم موسى وزنه

في حضرة الموت الحقّ ينطلق الدعاء وتتهاوى الأمنيات، دعاء بأن يتغمّد الله المتوفى بواسع الرحمة ويسكنه فسيح الجنان، وأمنيات تنطلق من محبي المتوفى بأن يبقى ذكره عطراً وفعله درساً وسيرته نهجاً يحتذى للأجيال، فكيف إذا كان الراحل عن هذه الدنيا هو من طينة الكبار، العاملين بصمت ومن دون رياء ومن المجتهدين بعلم وخبرة في ساحات العطاء، والفاعلين بصدق في ميادين المحبة والتلاقي والصفاء، باختصار هكذا عرفناك أيها الزاهد في صومعة الحياة، النشيط في ملاعب الدنيا… رحلت وسنونك ترفع الرقم الدال إلى النصر… حقاً أنت المنتصر بأخلاقك ورحابة صدرك وصدق تعاطيك مع صحبك وعارفيك، حتى أولئك الذين ناصبوك العداء فكنت كبيراً عندما واجهتهم بالصبر والمحبة وطيبة القلب وصلابة الموقف، كما أنك انتصرت في عملك الرياضي الدؤوب الذي سخّرته في خدمة الأجيال الواعدة وفي أكثر من ساحة شبابية وإنسانية وكشفية وتعليمية، محطات كثيرة زيّنت رحلتك الرياضية من الملاعب إلى ساحات التدريب وصولاً إلى مقاعد الإدارة والرعاية والسهر على أداء رسالتك في خدمة وطنك الذي انتسبت إليه عن طريق الأم فكانت والدتك، وبحقّ… المدرسة التي خرّجت مخلصاً في بلاد الأرز اسمه أنطوان شارتييه، وكما شجرة الميلاد لا تبهر الأنظار إلا من خلال أضوائها وزينتها وعلب الهدايا المرصوفة تحتها، كذلك كنت يا أيها المعلّم، شجرة مزيّنة بأخلاق طيّبة وتواضع لافت ونجاحات لا تعدّ ولا تحصى ومناصب قيادية ملأتها بجدارة ومحطات خير سيبقى أريجها يفوح في صرحك الرياضي الأحب إلى قلبك «المون لاسال»… هناك حيث انطلقت بطلاً وسقطت شهيداً في محراب السهر والاهتمام على راحة أولادك من الطلاب، لأمثالك أيها المعلّم تليق الحياة.

منذ أكثر من عشرين سنة تعرّفت عليك عن قرب، تعلّمت منك ومن دون أن تعلم بأن نجاح أي عمل لا يتمّ إلا من خلال إعطائه الأهمية الزائدة وضرورة التشاور مع أهل العلم والدراية والخبرة، فكنت تدير أعمالك بذكاء المدير وهمّة الناظر وإخلاص الأستاذ، تعمل ولا تتكلم، تستشير ولا تتهيب الانتقاد، تحضر إلى موقعك الإداري وكأنك الموظف، أعطيت الناس حقوقهم ولم تبخس جهد أي إنسان أبداً، وكم من مرة عند احتدام الخلافات بين أي طرفين في ساحات العمل الرياضي كان اسمك المتوافق عليه لحسمها بالتراضي، وما تسلمك دفّة القيادة في اتحاد كرة السلة ومن ثم دفّة الرئاسة للجنة التنفيذية للجنة الأولمبية اللبنانية إلا دليل ساطع على ما أقول، اختيارك لمعاونيك في أي عمل كان نقطة الانطلاق للوصول إلى تحقيق النجاحات وما أكثرها، وهنا يقودني فرس الرثاء إلى بيدر الثناء، وتحديداً إلى رفيق دربك وتلميذك النجيب وقارئ أفكارك الزميل العزيز جهاد سلامة الرئيس الحالي لنادي المون لاسال فهو بحقّ أهل لحمل الأمانة ومواصلة الطريق التي رسمتها بريشة العلم والصدق والتفاني في كل المواقع. كانت وستبقى الطريق إلى المون لاسال تخبرنا بأننا ذاهبون إليك أيها الراحل الكبير، ويا حبّذا لو يأتيك التكريم سريعاً من الاتحادات والجمعيات التي برزت فيها، فتطلق اسمك على إحدى القاعات الرياضية أو البطولات الرياضية، وهكذا تعيش مع الرياضيين وفي قلوبهم وأفكارهم… تحثّهم على الاجتهاد وتكون لهم القدوة والمثال… رحمك الله وأسكنك فسيح جنانه في دار الآخرة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى