مقتل الإرهابي الاسترالي هارون مؤنس والأبواق المذهبية

حسين الديراني ـ أستراليا

تهافتت جلّ وسائل الإعلام العالمية العربية والأجنبية والمحلية على كشف هوية محتجز الرهائن في مقهى في قلب مدينة سيدني الاسترالية، ألا أنّ التغطية شابها الكثير من الالتباس في كشف الحقائق، وكلّ وسيلة إعلامية وجدت ضالتها في هذا الحدث الإرهابي المأسوي الذي ذهب ضحيته مواطنون استراليون من الأبرياء المحتجزين خلال عملية تحريرهم، إضافة الى مقتل الجاني الإرهابي هارون مؤنس.

الإعلام الاسترالي تعاطى ولأول مرة مع الحدث بمهنية ومسؤولية لأسباب عدة أحدها تهدئة الرأي العام الاسترالي الذي صُدم بحدث لم يتعوّد مشاهدته، واعتبرت هذا العمل الإجرامي عملاً فردياً ليست له خلفية سياسية او دينية، وجاء ذلك على لسان كبار المسؤولين الاستراليين من رئيس الوزراء توني ابوت الى رئيس الشرطة الاسترالية معتمدين على السجل الجنائي لهذا الرجل الإرهابي.

أما الإعلام العربي «الجهادي التكفيري» بما فيه مواقع التواصل الاجتماعي التكفيرية، فقد وجد ضالته في صورة المجرم بزيّه الذي يرمز الى كونه شيخاً «شيعياً» وجنسيته السابقة إيرانية، غايته الانتقام من خلال تشويه سمعة إيران ومحور المقاومة، وكأنّ ما يدور في سورية والعراق ولبنان غير كاف لإشباع غرائزهم المذهبية التكفيرية، غافلين عن حقيقة تاريخ هذا الرجل الذي سوف نكشف بالأدلة عن بعض من تاريخه ليشكل صدمة لتلك الأبواق المذهبية التكفيرية، وليقطع عليهم طريق الاصطياد في الماء العكر، وليخرس أصواتهم الناعقة.

أصحاب الإذاعات والأصوات الناعقة لم تصلهم تغريدات الإرهابي «ابو حفص الاسترالي محمد العمر» الداعمة للإرهابي هارون مؤنس، ولم تصلهم بعد تصريحات المتحدث الرسمي باسم «حزب التحرير الاسلامي في استراليا عثمان بدر الذي ندّد بمواقف مفتي استراليا الدكتور الشيخ ابو ابراهيم محمد الذي دان هذا العمل الإرهابي.

كما لم تصلهم تغريدات الإرهابي «ابو حمزة المهاجر الاسترالي» التي تثني على عملية الرهائن، ولم تصلهم تغريدات الإرهابي محمد علي البريالي الاسترالي والتي يقول فيها: «تهتز الدنيا لـ13 استرالياً محتجز ولا تهتز لـ 130000 قتلوا في سورية».

هوية المجرم

ولد في إيران عام 1964، اسمه الأصلي منطقي بروجوردي، وهو مطلوب للسلطات الأمنية الإيرانية بجرائم تتعلق بالنصب والاحتيال وانتحال صفة رجل دين، وقد فرّ الى استراليا عن طريق البحر عام 1996 حيث مُنح اللجوء السياسي رغم سجله الجنائي في إيران، ولأنه أوهم السلطات الاسترالية أنّ سبب فراره من إيران هو عداؤه للنظام الإيراني، ونشاطه السياسي الليبرالي ضدّ الحكومة الإيرانية، وهذا ما سهّل حصوله على اللجوء السياسي بسرعة، ومن بعدها مُنح الجنسية الاسترالية وتخلى عن جنسيته الإيرانية، واستبدل اسمه ليصبح هارون مؤنس، كما أنّ تعاونه مع السلطات الأمنية الاسترالية سهّل له حرية الحركة ليصبح رجلاً مثيراً للجدل في المجتمع الاسترالي.

ولم يكن انتحاله صفة رجل دين بزيّ علماء الدين الشيعة بريئاً وبعيداً عن غرف الاستخبارات، ومن ثمّ ارتكابه لعدة جرائم أخلاقية وجنائية، من اغتصاب العديد من النساء خلال معالجتهن من السحر والشعوذة الى محاولة قتل زوجته السابقة مستعينا بزوجته الثالثة.

وكان مؤنس يبعث برسائل كراهية الى أهالي العسكريين الاستراليين الذين يسقطون في افغانستان والعراق، متشفياً بمقتلهم وواصفاً إياهم بأنهم قاتلو أطفال العراق وأفغانستان، وكان كلما قام بفعل ذلك، يزداد سخط شرائح من المجتمع الاسترالي على المسلمين في استراليا.

لذلك أصدر الاتحاد الفيدرالي الاسلامي أواخر عام 2007 بياناً باسم رئيس الاتحاد السيد اقبال باتال يقول: إنّ قادة المسلمين في استراليا جميعهم لا يعرفون شيئاً عن المدعو هارون مؤنس، الذي ينتحل صفة رجل دين.

وبتاريخ 28-1-2008 أصدر ممثل المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في استراليا الشيخ كمال مسلماني بياناً عبر صحيفة «الاستراليون» يقول فيه: إنّ المدعو هارون مؤنس ليس رجل دين شيعياً ولا أحد يعرفه. مضيفاً: «انه من خلال الفتاوى التي ينشرها يتبيّن أنه جاهل وأنه حتى ليس شيعياً»، مطالباً السلطات الامنية الاسترالية بالتحقيق في هويته وأهدافه.

وعندما ارتكب مؤنس جريمته باحتجاز الرهائن في مقهى سيدني كان خارجاً من السجن بكفالة مالية وتحت المراقبة المشدّدة من الجهات الأمنية لما له من سوابق جنائية، اما ملاحقته القضائية بسبب توجهاته السياسية الداعمة لـ«الدولة الاسلامية ـ داعش» والتي يدعو فيها الى الجهاد في بلاد المسلمين، وتحديداً في سورية والعراق وافغانستان، ضدّ الكفر الاميركي وحلفائه البريطانيين والاستراليين، فقد كان يفلت منها، ويخلى سبيله تحت قانون حرية الرأي والتعبير.

وقبل مقتله بأسبوع كتب على صفحته الرسمية إعلان مبايعته لمن أسماه «أمير المؤمنين وخليفة المسلمين ابو بكر البغدادي»، حامداً الله على انتقاله من مذهب «الرافضة» الى «الاسلام»!

واعلن قائد قوى الأمن الداخلي الإيراني، العميد اسماعيل احمدي مقدم رفض السلطات الاسترالية تسليمها الارهابي هارون مؤنس عبر الانتربول الدولي بحجة عدم وجود اتفاقية تسليم المطلوبين بين البلدين.

أما بعد مقتل الارهابي هارون مؤنس مع اثنين من الضحايا الرهائن الأبرياء، فهناك أسئلة عدة لا بدّ من الإجابة عليها، وأتوقع من الإعلام الاسترالي البدء بطرح هذه الاسئلة بعد فترة الحزن على الضحايا وبعد امتصاص الصدمة.

1 ـ كيف يمكن لشخص مُدان باغتصاب 50 إمراة ان يكون خارج السجن؟

2 ـ كيف يمكن لشخص مُدان بمحاولة قتل زوجته السابقة بإحراقها أن يكون خارج السجن؟

3 ـ كيف لشخص استرالي ان يهاجم الجيش الاسترالي ويعتبر ضباطه وجنوده قتلة ومجرمين ثم يفلت من الملاحقة والمحاكمة والسجن والعقاب؟

4 ـ هل انه تعمّد بداية ظهوره بزيّ رجل الدين الشيعي، وإعلانه عن ولائه ومبايعته لأبي بكر البغدادي قبل عملية الاحتجاز بأسبوع تقع ضمن خطة مخابراتية؟ فكان من مصلحة الاستخبارات في المرحلة الأولى تشويه سمعة الشيعة وإيران ومن ثمّ تشويه سمعة السنة من خلال شعاره الأخير «كنت رافضياً وأصبحت مسلماً».

5 ـ لماذا لم تستجب الحكومة الاسترالية لمطالب ايران بإعادته الى موطنه الأصلي ليُحاكم على الجرائم التي ارتكبها في إيران قبل فراره؟ وما هي الحكمة والمصلحة للشعب الاسترالي في إيواء المجرمين الفارّين من عدالة بلدانهم؟ فهل استراليا ملجأ للمجرمين؟

6 ـ السؤال الأخير أو اللغز: هل كانت عمليته الأخيرة والتي تعدّ انتحاراً، خياراً شخصياً أم تمّت بتعاون وتنسيق مع جماعات إرهابية خارجية وخلايا إرهابية نائمة في استراليا؟ وهل كان ممكناً تفادي وقوع خسائر وإلقاء القبض عليه حياً لاستنطاقه؟ أم أنّ هناك من سهّل له الأمر لينال حتفه ويُدفن مع أسراره؟

وهناك المزيد من الأسئلة التي تستوجب الإجابة عليها، نكتفي بهذا القدر من طرح الاسئلة بعد أن بيّنا الكثير عن شخصية هذا الإرهابي، والكفيلة بإخراس الكثير من الأبواق المذهبية في استراليا وخارجها، الباحثين عن تغطية عاهاتهم بعاهاتهم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى