معركة وادي الضيف بين الخسارة والربح

د. سليم حربا

لا يوجد في تاريخ الحروب، قديمها وحديثها، أنّ جيشاً ربح الحرب إلا وخسر بعض المعارك. وفي الحديث عن الجيش السوري، لا يوجد في تاريخ الجيوش جيشٌ واجه ما واجهه وقاتل لمدة أربع سنوات في مواجهة تنظيمات إرهابية متعدّدة الجنسيات وحلف من دول وأنظمة العدوان بوكلائه وأصلائه، فلم يترك نوعاً ولا شكلاً من المعارك إلا وخاضها، ولا بيئة طوبوغرافية إلا وقاتل فيها تحت الأرض وفوقها في معارك هجومية ودفاعية ومعركة التطويق وداخل الطوق والخروج من الطوق، كما في وادي الضيف والحامدية. فقواتنا تواجدت هناك لحماية المعسكر وتمّ تطويق المستودعات منذ عام، ومن كلّ الاتجاهات، من قبل «جبهة النصرة» وأخواتها، ذراع تنظيم القاعدة الإرهابي في سورية، وبما ملكت أيمانها من أسلحة أميركية وتركية وخليجية وغرف عمليات. وقد استطاعت قواتنا على مساحة 5-6 كلم2 أن تقاتل ببسالة وتقدم ملاحم أسطورية في الصمود والقتال داخل الطوق، في ظلّ انعدام التعاون التكتيكي الناري من أقرب قوات صديقة، وظروف إمداد تقتصر على الإمداد جواً، وصمدت أمام عشرات محاولات الهجوم عليها من فوق الأرض وتحتها.

ووفق عدّاد المجموعات الإرهابية، سقط لتلك المجموعات خلال العام المنصرم حوالي ألفي شخص، بين قتيل ومصاب، ولم تفلح في السيطرة على المعسكر، فكانت الرؤية الاستراتيجية العسكرية السورية أن تتسع عملية الريف الشمالي لحماه بعد مورك، وأن تزداد وتيرة التطهير والتقدم لفكّ الطوق عن وادي الضيف، لكنَّ تبدُّلات مفاجئة حصلت نتيجة زيادة عديد وعتاد المجموعات الإرهابية في ريف إدلب الشمالي القادم من تركيا، ونتيجة المناورة ببعض من قواتنا الدافعة في ريف حماه إلى جبل الشاعر لأهميته، بعد محاولة تنظيم «داعش» الإرهابي السيطرة عليه، ما أدّى إلى إبطاء وتيرة التقدّم ما بعد مورك، فكانت الخطة البديلة وهي معركة الخروج من الطوق في وادي الضيف والحامدية، وفق مبدأ الجدوى من البقاء أو الإخلاء، وكانت الحسابات والجدوى ترجّح الإخلاء انطلاقاً من عدم جدوى البقاء والحرص على حياة أكثر من ألف مقاتل لا يمكن تعويضهم، وقد تحول كلٌّ منهم إلى أسطورة في المراس والصمود والأداء والبسالة، أما الكيلومترات وما فيها فيمكن إعادة تطهيرها لاحقاً. فكانت معركة الخروج من الطوق مع الاستفادة من الأخطاء الفردية والارتجالية التي حصلت في مطار الطبقة والفرقة 17 وعين عيسى على ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى، كانت صدّ الهجمات المتلاحقة للمجموعات الإرهابية بفعالية عالية ومنعها من الاقتحام، وخلق الشروط الملائمة للمرحلة الثانية، وهي البدء بتجميع القوات من وادي الضيف إلى الحامدية ثم إلى بسيدا تحت تغطية قوات حماية من داخل الطوق وضربات ونيران قواتنا من خارج الطوق. أما المرحلة الثالثة، فهي الخروج من الطوق لمسافة 25 كلم في الليل. ومع ظروف الرؤية الصعبة والضباب الكثيف ومناطق تحرُّك تعجّ بالمجموعات الإرهابية من معرحطاط إلى حيش والتمانعة وخان شيخون وسكيك وعطشان وصولاً إلى مورك ومحيطها، أنجزت قواتنا هذه المرحلة بكفاءة عالية من حيث تنظيمها وترتيب قتالها واشتباكها وقيادة وحداتها والتزامها وجرأتها وتدابير القيادة العامة بتأمينها نارياً وقيادةً، ما مكنها من تنفيذ هذه المرحلة في زمن قياسي استغرق أقلّ من 8 ساعات وصل خلالها أكثر من 97 في المئة من الأفراد والسلاح والعتاد. ولم يتجاوز عدد الشهداء الذين سقطوا 3 في المئة من تعداد القوات التي نفذت المعركة بمراحلها الثلاث، بالإضافة إلى فقدان بعض العتاد الذي دُمِّر أو تعطل وتعذر إصلاحه، أما ما تبقى من وقود المستودعات في وادي الضيف فقد تمّ تنفيذ ضربات نارية أعطبتها ودمرتها، واعترفت المجموعات الإرهابية بسقوط 250 قتيلاً، وضعفهم من المصابين في المعركة.

نعم خسرنا وادي الضيف والحامدية على مستوى التواجد والسيطرة، لكننا ربحنا حياة أكثر من ألف مقاتل من النخبة، ونتساءل: لو استخدمنا هؤلاء المقاتلين الآن بما يمثله كلّ منهم كمنظومة مقاتل وقتال على أي اتجاه من مورك إلى جبل الشاعر والغوطة والشيخ مسكين أو دير الزور أو حلب، ألا يمكن أن يغيِّروا موازين الميدان بشدّة وحدّة في أكثر من اتجاه؟

من هنا يمكن القول أنّ معركة الخروج من الطوق في وادي الضيف، إذا كانت مَجازاً انسحاباً تكتيكياً أو حتى خسارة موقتة لموقع، فإنها في إطارها وحساباتها اللاحقة تُعتبر حكمة استراتيجية إذا لم تكن كسباً وربحاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى