روسيا في مواجهة استراتيجية الولايات المتحدة الاحتوائية

إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

أصبحت كلمات: «تغّير الأوضاع»، «تغيير النظام»، شعاراً لغالبية السياسيين الأميركيين والمحللين السياسيين والصحافيين، لدى حديثهم عن تدهور قيمة العملة الروسية «الروبل». طبعاً المقصود بـ«النظام» هنا الرئيس فلاديمير بوتين. أي أنّ الهدف من تعمّد الغرب في سياسته المعادية لروسيا، الأمل بأن تنتفض الجماهير بسبب المشاكل الاقتصادية الحالية الناتجة من سياسته، وتطيح بالرئيس بوتين الذي يحكمها على مدى 15 سنة تقريباً.

هذا ما يتصوره الجالسون ما وراء المحيط. أما الأجانب الذين يعيشون ويعملون في روسيا فلهم وجهة نظر مغايرة تماماً.

نأخذ على سبيل المثال، مراسل صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية وير فرويد، الذي يتساءل: «هل سيضرّ هذا بوتين؟». ويجيب نفسه قائلاً: «لا أبداً، لأن نتائج استطلاعات الرأي الكثيرة التي أجريت مؤخّراً، تشير إلى أنّ أكثر من 80 في المئة يساندون بوتين. لقد تعود الروس على كل شيء، وهم لا يميلون إلى الفوضى ولا إلى الاحتجاجات. وعموماً، يدعمون سياسة بوتين في كافة المجالات، سواء كان هذا بالنسبة إلى انضمام شبه جزيرة القرم أو دعم الانفصاليين في جنوب شرقي أوكرانيا. من الصعوبة جدّاً، تصوّر الدرجة التي يجب أن تصلها الاضطرابات والمشاكل الاقتصادية، لكي يستسلم الروس للغرب.

أما رئيس قسم التحليل في شركة «ستراتفور» التي يطلق عليها أحياناً اسم «الاستخبارات الخاصة»، جورج فريدمان، فيقول: «لقد التقيت خلال وجودي في موسكو المسؤولين والطلاب وأناساً عاديين، ونشرت تقريراً عن ذلك في مجلة فوربس. يبدو لي أنّهم الروس على درجة عالية من الشجاعة، وأنه لا يمكن لاضطراب قيمة الروبل أن يغيّرهم».

ويضيف: «للوهلة الأولى، كنت أتوقّع أنّ الجميع سينشغلون بالمشاكل الاقتصادية، انخفاض قيمة الروبل، وانخفاض أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية، وبطء النمو الاقتصادي، والعقوبات الغربية، التي يعتقدون في الغرب أنّها ستدمّر الاقتصاد الروسي. لقد تسبّب انخفاض قيمة الروبل في تخلّي البعض عن القيام برحلات سياحية إلى خارج روسيا، على رغم أنّ الروس بدأوا يشعرون بتأثير العوامل المذكورة، نتيجة ارتفاع أسعار بعض المواد».

ويقول أيضاً: «أعتقد أنّ هناك عوامل أخرى لهذا الهدوء، ليس بين المسؤولين، بل بين الناس البسطاء، لذلك يجب التعامل مع هذا بجدّية تامة. لقد أكّد الناس البسطاء، أنّ صعوبة الحياة في روسيا أمر متعارف عليه، والازدهار أمر استثنائيّ. الناس على استعداد دائم للحياة الصعبة.

لقد اجتاز الشعب الروسي مآسي حكم يلتسين في تسعينات القرن الماضي، والفترات العصيبة التي سبقتها أيضاً. وعلى رغم كلّ هذا، كان هذا الشعب يخرج من الحروب منتصراً ومحافظاً على كيانه الوطني، وله الحق في أن يفتخر بذلك. إنّ قوّة الروس تكمن في أنّهم يتمكنون من تجاوز الأوضاع التي يمكن أن تدمّر شعوباً أخرى. كما أوضح لي الذين التقيتهم، إن الروس يتوحّدون ضدّ المخاطر ويلتفّون حول سلطتهم مهما كان موقفهم منها. لذلك يقول الروس، لا تأملوا ان تستسلم موسكو مهما كانت العقوبات قاسية وشديدة. فإذا كان الأمر كذلك فإن الأميركيين والأوروبيين يخدعون أنفسهم في شأن تأثير العقوبات التي فرضوها على روسيا. أنا شخصياً لا أثق بفائدتها».

وإذا كان من الصعوبة إضافة شيء ما إلى هذا الرأي، فإنّ روسيا، رئيساً وحكومة وشعباً، ماضية في مواجهة أيّ نوع من الحروب التي قد يشنّها الأميركيون عليها، سواء كانت باردة، أو «غبية» عبر عقوبات معيّنة، أو «أغبى» عبر «دفش» الأوروبيين لأن يكونوا رأس حربة في هذه المواجهة.

في ما يلي، ترجمة لتقريرين مختلفين، حول روسيا وأحادية القطب وخطاب فلاديمير بوتين الشهير في قاعة «سان جورج» في الكرملن، وحول إمكانية عودة الحرب النووية، للكاتب بيبي إسكوبار، وهو مراسل لـ«آسيا تايمز» في هونغ كونغ.

خطاب بوتين

ورد تقرير في مدوّنة «bhadrakumar» جاء فيه: يقيم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مناسبة سنوية في مركز التجمّع الاتحادي للتباحث في شأن توسّع سياساته الدولية. غير أن خطاب فلاديمير بوتين لهذه السنة في قاعة «سان جورج» في الكرملين، أمام أكثر من ألف مستمع من نخب المدينة نال اهتماماً استثنائياً.

من المؤكد أن وضع روسيا الحالي يوصف بـ«الاستثنائي»، إذ إنّ سياساتها واستراتيجياتها الوطنية تقف اليوم على مفترق طرق. وعلى موسكو اتخاذ قرارات حاسمة حيالها. فالغرب يجبرها على إعادة توجيه بوصلة استراتيجياتها الوطنية.

وخلافاً للمعتاد، أصرّ بوتين على وضع سياسات بلاده الخارجية جانباً، واستهلّ خطابه بإطلاق جملة واسعة من التصريحات حول القضايا العالمية من أجل توضيح الأسباب الرئيسية لإعادة تقويم استراتيجيات روسيا الوطنية.

تصريحات لا تثير الدهشة نظراً إلى التطوّرات الحاصلة في أوكرانيا خلال السنة الماضية، خصوصاً بعد الانقلاب وتغيير النظام بدعم من الغرب، الذي أطاح بالحكومة المنتخبة في كييف في شباط، وذلك بعد تأجيل الرئيس فيكتور يانوكوفيتش توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

لو عدنا قليلاً إلى الوراء، لوجدنا أن الغرب قد سجّل هدفاً انتصارياً باعتبار أن الاتحاد الأوروبي نجح في الحصول على اتفاقية الشراكة التي وقّعها النظام «العميل» في كييف بقيادة نماذج منتقاة بعناية ومشغولة بدقة، والواقع أن استقرار أوكرانيا غير ممكن من دون استعادة خيوط الحبل السرّي لربط ذلك البلد التعيس برحم «الأمّ روسيا».

وكان بوتين قد وجّه اتهاماً صريحاً إلى «الرعاة الأميركيين وحلفائهم» ممّن يعتبرهم العقل المدبّر الذي أطاح بالحكومة الأوكرانية المنتخبة في شباط الماضي. لكن وبالمقارنة مع البليارات الـ33 التي أنفقتها روسيا على الاقتصاد الأوكراني في السنتين الماضيتين، لم يقدّم الغرب إصلاحات مماثلة، بل انغمس في سياسة دونكيشوتية تافهة تقدّم وعوداً واهية، بعد أن رفضت الولايات المتحدة فتح خزينتها للمساعدة في النهوض بالاقتصاد الأوكراني.

أكثر من مجرد مواجهة

تصبّ أهداف تصريحات بوتين في مكان آخر تحديداً، فأوكرانيا هي أحد العوارض الجانبية للولايات المتحدة، الهادفة إلى تعقيد علاقات روسيا مع جيرانها. كذلك تتسلّح أوكرانيا بالعقوبات الغربية المفروضة ضدّ روسيا، هذا الغرب الذي وضع في صلب اهتماماته وعلى مدى العقود الماضية قدرات روسيا المتنامية على رأس هرم جدول أعماله.

وفي الحقيقة، أنّ بوتين جاهر بالقضايا الجوهرية العالقة مع الغرب منذ الربع الأخير من القرن الماضي. وبدا فجّاً في تصريحاته حول آلية عمل وكالات الاستخبارات الغربية في الشيشان إبان التسعينات ودعمها الانفصاليين، على أمل إعادة كتابة سيناريو التمزيق والتفكك اليوغوسلافي عينه هناك.

يظهر خطاب بوتين رفضاً تاماً للمتطلبات الأميركية من أوكرانيا وروسيا. ومن الواضح أن الأخيرة لا ترتدع من العقوبات الغربية المفروضة ضدّها، بل هي تستعدّ لفترة أطول من جمود في علاقاتها مع الولايات المتحدة. ولا يمكن للعقوبات أن تكون قاضية لدولة مثل روسيا، متعطشة للعولمة والانفتاح، عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والدولة المتمتعة بالموارد البشرية والفكرية والمادية الهائلة.

وبعد كلّ هذا، هل ما يجري، فقط مجرّد مواجهة؟

في الواقع، وكما ترى روسيا المسألة، إنه صراع وجوديّ مصيري، لا يبدو أقلّ قتامة وصعوبة من غزو هتلر في القرن الماضي و«الذي خطّط لتدمير روسيا والدفع بنا بعيداً إلى ما وراء الأورال». فقد حذّر بوتين بلهجة متحدّية، أن استراتيجية الغرب الاحتوائية محكومة ـ في نهاية المطاف ـ بمواجهة مصير الاجتياح النازي نفسه. وأكّد مراراً وتكراراً أنّ روسيا لن تسمح البتّة بأن تقبل إملاءات ما من جهة ذات قوة، أيّاً كانت هذه الجهة.

وأثار بوتين موضوعاً رئيسياً يتعلق بمحاولات الولايات المتحدة نشر نظام دفاع صاروخيّ معطّل، يهدف إلى تحقيق التوازن الاستراتيجي العالمي. وأكد بوتين أن روسيا لن تقع في فخّ سباق التسلّح مع الولايات المتحدة، لكنها ستستخدم قدراتها لإيجاد «حلول مبتكرة» من شأنها أن «تضمن الثقة والاعتماد عليها». إنها دفاعات روسيا في الظروف الجديدة.

لم تعُد موسكو تتوقع أن الرئيس باراك أوباما سيفي بما وعد به من استثارة قضية تحقيق النظام الصاروخي الدفاعي ووضعها على طاولة المفاوضات مع روسيا. ما يترك روسيا من دون أيّ خيار سوى اللجوء إلى التدابير المضادّة الهادفة إلى إحباط «بحث» الولايات المتحدة عن «الأمن النووي»، وسعيها الدؤوب إلى تحقيق التفوق العسكري على روسيا.

وانطلاقاً من هذه الخلفية، ما هي الخيارات المتاحة أمام روسيا في سياستها الخارجية؟ قارب بوتين نهجاً متعدّد الجوانب. أولاً، ستواصل روسيا ـ وبحزم ـ اتّباع مسارها السياسي الخارجي المستقلّ نفسه الذي تنتهجه لحماية نفسها من

«التنوع العالمي». وبعبارة أخرى، أنّ روسيا تسعى إلى فرض نظام عالمي متعدّد الأقطاب على أساس الالتزام الصارم بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومواجهة الهيمنة العالمية للولايات المتحدة.

ثانياً، لن تقع روسيا في فخّ الانزلاق إلى حرب باردة جديدة في وجه محاولات الولايات المتحدة «خلق ستارة حديدية حول روسيا». وهذا يعني أمرين ـ لا انعزالية أو خصومة عقلية مع أوروبا وأميركا، والتوصل إلى تحقيق تواصل على مستويات أوسع بهدف تطوير الشراكات في كلّ من الغرب والشرق على حدّ سواء.

لكن، وضمن هذا الإطار العام، فإن روسيا ستركز جهودها على توسيع رقعة وجودها في عددٍ من المناطق مثل آسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا والشرق الأوسط وحتى أميركا اللاتينية. ويبدو أن لدى بوتين اهتماماً خاصاً بآسيا والمحيط الهادئ، كما أنه يضع الصين نصب عينيه على رغم عدم ذكر هذا علانية.

إنه السؤال الكبير الذي يطرح نفسه، والوحيد الذي لم يتطرّق إليه بوتين بوضوح خلال خطابه، لكنه بدا حاضراً بقوة في طيات كلامه: ما هي أسباب العداء الأميركي الواضح تجاه روسيا، وما هي الأسباب الكامنة وراء اتباع الولايات المتحدة هذه الاستراتيجية الاحتوائية ضدّ روسيا؟

ما من شك أن «استراتيجية الاحتواء» قد سبقت الاضطرابات الأخيرة الحاصلة في أوكرانيا، وكما أشار بوتين إلى أن هذا إنما يعود إلى حقبة حكم يلتسين عندما بدأت منظمة حلف شمال الأطلسي ـ الناتو ـ بالتوسع شرقاً لتشمل أعضاء سابقين في حلف وارسو القوي وليد حقبة الحرب الباردة .

التحوّل في المواقف

لكن جوهر المشكلة، أنّ روسيا تمثّل حجر عثرة كبير في طريق هيمنة الولايات المتحدة عالمياً. ففي المستقبل المنظور، يبدو أنها القوة الوحيدة القادرة على فرض توازن استراتيجي عالمي مع الولايات المتحدة، محبِطةً آمال هذه الأخيرة في السيطرة على النظام العالمي للقرن الحادي والعشرين. فمنذ عقود ـ والولايات المتحدة ـ تصارع لتحقيق التفوق النووي والهيمنة على العالم، اللذين يتراكضان الآن للجلوس في حضن «الأمّ روسيا».

ومن ناحية أخرى، وكقوة آخذة في الانحدار، بعيداً من التفوق النووي، تخسر الولايات المتحدة نفوذها على الساحة الدولية بشكل مطّرد، وتفتقد يوماً بعد يوم المهارة والقدرة على إخضاع المجتمع الدولي. فدول صغيرة في الشرق الأوسط كالعراق وسورية ومصر واليمن، جاهرت بعدائها للولايات المتحدة. كذلك، لم تعُد أميركا اللاتينية روضة أطفال في مدرسة الولايات المتحدة، وها هي مجبرة ـ من ناحية أخرى ـ على التفاوض مع الدول الأفريقية.

تنزلق سياسة واشنطن الاستراتيجية في آسيا والتي عملت عليها كثيراً نحو الهاوية. ومن المفارقات العجيبة، أن الولايات المتحدة تبدو غير مستعدة بعد، لمواجهة معضلتها الوجودية القاضية بحاجتها إلى تحقيق التصالح مع ذاتها والعمل على قبولها شراكات متكافئة مع دول أخرى، صغيرة كانت أم كبيرة.

وضعت الولايات المتحدة أوروبا في مواجهة مباشرة مع المشكلة الروسية. فمن الواضح أن الفوضى الحاصلة في أوكرانيا لن تنتهي في وقت قريب، وما من أحد يستطيع التكهن بالأشخاص الذين سيحكمون البلد في السنوات القليلة المقبلة. لكن الأمر الأكيد، مراهنة واشنطن على أن أوروبا ستبقى عالقة ـ على البدل منها ـ في الوحول الأوكرانية طالما أن الأزمة في البلاد باقية غير منتهية.

لمّح بوتين قليلاً إلى أوروبا خلال خطابه. فأيّ أوروبا هي اليوم؟ هل تمتلك شخصيتها الخاصة؟ هل لديها صوت مستقلّ؟ في الحقيقة، إن الأمر الوحيد الجيد في كل هذه المعمعة، أنه لا بدّ أن نلمس تحوّلاً في مواقف أوروبا يوماً ما.

تضرّ أوروبا بنفسها في قطيعتها الحالية مع روسيا. وعليها أن تعيد التفكير ـ في مرحلة ما ـ في أنها تمتلك مصالح مشتركة مع روسيا في أوكرانيا، وأن تطبيع العلاقات مع موسكو تندرج ضمن مصالح أوروبا الجوهرية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. فعلى العكس من الولايات المتحدة، التي لا تلقي بالاً إلى العلاقات التجارية والاقتصادية مع روسيا، تتمركز السوق الأكبر للبضاعة الروسية في أوروبا. وقد أصبح صعباً على الولايات المتحدة أن تشقّ حلق الأوروبيين بفرضها عقوبات جديدة على روسيا. إذ بدأنا نستشعر تململاً واضحاً لدى سكان مناطق أوروبا الوسطى حيال مثل هذ العقوبات. ومن غير المحتمل أن تمدّ أوروبا يد العون العسكرية لأوكرانيا لتشعل حرباً بين أوكرانيا وروسيا.

لكن، يكمن الجانب السيء في عدم رغبة الولايات المتحدة بالاستسلام في مسألة استراتيجيتها الاحتوائية تجاه روسيا، حتى بعد أن يتغير النظام الحالي في البيت الأبيض عام 2017. فقد لمّح بوتين في خطابه إلى احتمال علاقات باردة جداً وطويلة الأمد لبلاده مع الغرب. وقد سيطرت فكرة حشد روسيا لقواتها الداخلية على خطابه، كما فعلت مراراً في تاريخها لحماية أمنها القومي وسيادتها الوطنية وإرثها الحضاري.

وفي مواقف للذكرى، فإن بوتين قد أوضح لمستمعيه أن الصراع على الساحة الأوكرانية يلعب على أوتار روسيا الداخلية الحساسة والخاصة. ويقول إن شبه جزيرة القرم بالنسبة إلى الروسيين تعادل في أهميتها هيكل سليمان لدى اليهود أو الحَرَم القدسيّ لدى المسلمين، «وسنعتبرها دوماً هكذا».

أفلا يدرك الأميركيون هذا الواقع جيداً؟ ومع ذلك، فإنهم إن أصروا على التدخل في إدارة عجلة الأزمة في أوكرانيا، سيكون الهدف من تدخلهم واضحاً: محاصرة روسيا وتطويقها من عصابة من بعض الجيران غير الودّيين، الأمر الذي سيعقّد علاقاتها مع الأوروبيين لإجبارها على الاستسلام بشكل أو بآخر.

الحرب النووية عادت ممكنة

وكتب بيبي إسكوبار، وهو مراسل لـ«آسيا تايمز» في هونغ كونغ، ومحلّل للـ«RT» و«TomDispatch» ومساهم بشكل متكرّر في مواقع وبرامج إذاعية بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط، متسائلاً: كيف يمكن لروسيا وألمانيا أن تنقذا أوروبا من الحرب؟

ويضيف: أوصلت الولايات المتحدة الأوكراني الموالي بيترو بوروشينكو والذي يجسّد حالياً بطولة الرقصة الأوليغارشية للأقلية الأوكرانية، والمرجح أنه بعد عددٍ من الإصلاحات التي قام بها، سيتقدّم بطلب الانضمام إلى الناتو. لكن هل أن الولايات المتحدة وروسيا والناتو يصارعون في دوامة العنف التي ستقود إلى حرب حتمية في أوروبا؟

فلنكن جدّيين هنا. قد يشعر البعض أنهم ضمن مصطلح «تحطيم الحزام»، المقاطعات والأفراد الذين تقلّصوا ما بين النسر الجرماني الألماني والدبّ الروسي. وها نحن نقف ـ أمام حزام متحطم بعيداً من أوكرانيا إنها بيلاروسيا التي أصبحت عضواً في حلف شمال الأطلسي. فهل يتحتم على أوكرانيا تحطيم هذه المنطقة العازلة وتحطيمها كشرط أساس لقبولها، ما يعني أن حلف شمال الأطلسي قد أصبح مزروعاً حقيقة وواقعاً على الحدود الروسية الغربية؟

أعلنت واشنطن للتوّ أنه سيكون من السابق لأوانه تحضير المركبات العسكرية في أوروبا لاستخدامها في التدريبات أو العمليات العسكرية المحتملة. ما يتناغم تماماً مع مفهوم الولايات المتحدة المعروف التفكير في الآليات البرّية. من أنّ الناتو والولايات المتحدة سيُجبران على تحقيق التوازن في التزامهما نشر الأمن في أوروبا الشرقية ضدّ العدوان الروسي المحتمل.

لا تزال أوكرانيا كغيرها من دول البلطيق وبولندا يعيشون حالة شبه هستيرية بسبب حرب نووية محتملة بين الولايات المتحدة وروسيا عوضاً عن العودة مرّة أخرى إلى طاولة النقاش. وبعض الخبراء يتساءلون: لماذا سيكون على الولايات المتحدة الدفاع عن أوروبا في الوقت الذي يصل فيها الناتج الإجمالي الأوروبي إلى أكبر من ذلك الذي في الولايات المتحدة.

أتريد لعبة حربية جديدة، يا راعي البقر؟

وقياساً على التهديد بحرب نووية جديدة في أوروربا ـ الوهمية أم الحقيقية. من غير المجدي مقارنة قدرات القدرات النووية لكل من الولايات المتحدة وروسيا على أساس الأرقام لا على مستوى النوعية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الناتج المحلي الإجمالي لكلّ من ألمانيا وفرنسا وإنكلترا ومقارنتها بذلك الروسي سيكون انتصاراً واضحاً وبغالبية ساحقة. ثمّ نقوم بتفحّص السيناريو النووي الاستراتيجي، فإن القصّة ستختلف كثيراً. فالناتج الإجمالي المحلي وحده، لن يحقق الفوز بأيّ شكل من الأشكال. كذلك تعيش النخب في واشنطن ووول ستريت رهاب الحرب النووية، كما تؤكّد بعض الدراسات التي أُجريت حول هذه المسألة، ملمّحةً إلى ضعف الولايات المتحدة الاستراتيجي.

يحلم مهرّجو الناتو بشنّ حرب على روسيا بهدف التوصل إلى فرض نظام صارم بحق القيصر الروسي. لكنهم يدركون جيداً أنه سيكون عليهم مواجهة الترسانة الروسية التي يمكن نشرها في كلّ مكان. فتخيّل مئات من الطائرات الروسية المدمّرة تغير على بلدان الاتحاد الأوروبي المدمّرة مالياً والتي تئنّ تحت وطأة طاعون التقشّف القاتل.

وكأن ذلك لا يكفي، فما من أحد يعرف دقة قدرات الناتو الاستراتيجية سوى الاستخبارات الروسية. موسكو أوضحت أن روسيا تملك ترسانة هائلة تزيد على 5000 رأس نووي، وأنها مستعدّة للدفاع بشراسة عن الأمة ضدّ أي عدوان محتمل من الناتو، من دون الأخذ بالاعتبار التحالف الروسي ـ الصيني الذي قد يغيّر من قصة قواعد اللعبة الأوراسية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

لكن فقط في حال التمحور حول آسيا، فإن الصين تدرك يقيناً أن الأسطول الأميركي قد عفا عليه الزمن، وأنّ تطوّرات الصين التقنية تسير بطريق أسرع بكثير من أيّ تطوّر حاصل في الولايات المتحدة.

تتوسّع روسيا لتكون الامبراطورية التي لا تُقهر في القرن الحادي والعشرين. وهنا، يشرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وبإسهاب كيف أن كلّ ما يدور من أخبار مجرّد هراء.

فالحقيقة أنّ موسكو استوحت خدعة بريجينسكي في أوكرانيا، فلا عجب إذاً، بحسب رأيه أن تكون إمبراطورية الفوضى تعيش حالة غضب عارم. ومع ذلك، تبقى الحلول لنزع فتيل الحرب متوافرة والتأني في الهروع إلى منطق الهيستيريا الحربية. لذا، نرى أن الوقت قد حان لتقديم عرض متواضع نوقش من قبل عدد من المحللين الأميركيين والأوروبيين والآسيويين واستوجب قلقهم.

في الأساس، الأمر بسيط جدّاً، ويعود تحديداً إلى ألمانيا… مع الحرص على عدم استنساخ ستالين.

فستالين، وفي بداية الحرب العالمية الثانية، كان قد أخذ شرق بروسيا من ألمانيا، وما لبث أن انتقل إلى شرق بولندا، ثمّ إلى أوكرانيا. القسم الشرقي من أوكرانيا يعود في الأصل إلى روسيا، وقدّمه ستالين لأوكرانيا. فلو قمنا بإعادة بروسيا إلى ألمانيا والقسم الشرقي من بولندا إلى بولندا، وإعادة القسم الشرقي من أوكرانيا وكامل جزيرة القرم ـ التي أعطاها خروتشوف لأوكرانيا ـ إلى روسيا. يستعيد الجميع حصصهم. فستالين قد ذهب إلى غير رجعة. ولا مزيد من حدود تعسفية، ما سيشجع الصينيين على توقع احتمال فوز ثلاثيّ.

ستقاتل إمبراطورية الفوضى ضدّ هذا الموت فلن يكون هناك المزيد من التبريرات غير الواقعية للحروب الصليبية ضدّ هيمنة «العدوان» الروسي.

الكرة ترقد حالياً في ملعب الفيصل الألماني. وأصبح الأمر متروكاً الآن للبروسيين الشرقيين الذين تمثّلهم آنغيلا ميركل. فهل ستنجح في تلقّف هذه الرسالة القيّمة؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى