بحثاً عن ابتسامة وسط الحزن والغمّ والكآبة 1

جورج كعدي

لنأخذ من هموم الواقع وأحزانه الكثيرة وكآباته غير المنقضية استراحةً فيها من اللطف الكثير، ومن البهجة والنسيان والترويح عن النفس المتعبة أكثر، فلن نمضي العمر في الهمّ والغمّ، بل يريد كلٌّ منّا أن يفرح ويبهج نفسه، أيضاً بمواضيع بعيدة عن الجدّية الفكريّة والفلسفيّة التي لا غنى من العودة إليها. بيد أنها اليوم ولبضعة أسابيع مقبلة استراحة أنس وطرافة وتأمّل في وجه الإنسان الضاحك.

يقول هوراس والبول: «الحياة كوميديا لمن يفكّر، وتراجيديا لمن يشعر»، علماً أنّ لا تناقض بين التفكير والشعور، والأرجح أنّ والبول يعني أنّ من يفكّر في الحياة يُبصر تناقضات كثيرة تضحكه، أمّا من يتلقّى الحياة بانفعالاته ومشاعره فإنّما يتلقّى منها كلّ ما يزعجه ويؤلمه فتبدو الحياة له تراجيديا أو مأساة. نيتشه نفسه اعتبر أنّ الإنسان هو أتعس الكائنات في الوجود لذا ابتكر الضحك. ورأى هربرت سبنسر أنّ الضحك مماثل في جوهره لتفريغ الطاقة العصبيّة بالغة القوّة التي لا تجد متنفّساً آخر لها. وقال أفلاطون قديماً إنّ الناس يضحكون من سوء حظّ الآخرين، وتحدّث هوبز عن «البهجة المباغتة المقرونة بالفخر» والتي تفضي إلى الضحك، وقال ديكارت إنّ الضحك ينشأ عن اختلاط الصدمة بالبهجة أو المرح المعتدل، وربط برغسون الضحك بالتناقض المدرك بين الحيّ والميكانيكيّ الآليّ.

دراسات عديدة متخصّصة دلّت على فوائد البهجة والمرح، فالضحك يمتّن التعاون الاجتماعيّ والتفاعل بين الأفراد والجماعات ويرفع حوافز العمل والنشاط والإنجاز، كما أنّه ينشّط العقل والخيال والإبداع، ويعزّز اللباقة الاجتماعيّة ويلطّف غضب الآخرين وسلبيّتهم فيحوّلها إلى حالة إيجابيّة. كذلك يساوي الضحك بين البشر لمجرّد وجودهم معاً، فهم يضحكون أكثر في قاعات المسرح والسينما مع أناس لا يعرفونهم. الضحك مثل الحزن، ظاهرة معدية، بل أكثر عدوى من الحزن. والمؤكّد أنّ الضحك يقاوم الاكتئاب والقلق والغضب الشديد ويساعد في الوقاية من الأمراض النفسيّة واضطرابات الشخصيّة والأزمات الاجتماعيّة، كما لوحظت تأثيراته الإيجابيّة في العديد من الجوانب البدنيّة مثل الصحّة العامّة وجهاز المناعة. وفي الربع الأخير من القرن العشرين ولد علم جديد هو «علم الضحك» Gelotology ، فضلاً عن ظهور مصطلح «فيزيولوجيا الدعابة» Humor physiology الذي يشير إلى التغيّرات التي تحدث في أجسامنا وتتّصل باختبار ضاحك، فالإنسان يتعرّض لمثيرات فكاهيّة وتستثار في داخله مشاعر البهجة وتعقبها الابتسامة فالضحك.

للطرفة المضحكة النكتة وظائف مميّزة، أبرزها: تحقيق التواصل أو التفاعل الاجتماعيّ وتجديده على نحو مستمرّ، تعزيز التماسك الاجتماعيّ بين الأفراد والجماعات خاصة في الأزمات إذ يزداد إلقاء «النكات» مثلاً مع تفاقم شعور الناس بالتهديد والحصار، تحديد بعض أنماط السلوك الاجتماعيّ المقبولة وغير المقبولة أو الفئات في المجتمع بأسلوب مستتر ضاحك، التعبير عن الاتجاهات العامّة حيال السلطة بأشكالها كافّة السياسيّة والدينيّة والعائليّة والتعليميّة، إلخ . وهنا تؤدي الطرفة وظيفة النقد الاجتماعيّ على نحو خاصّ، اللعب الذهنيّ بالأفكار والألفاظ من خلال التوريات مثلاً والتعبير عن الإدراك العميق الضاحك لبعض المتناقضات في المجتمع أو في سلوك الناس، مقاومة الاكتئاب والقلق والغضب والإحباط من خلال «الوجود الضاحك معاً» فالطرفة أسلوب لمواجهة الأزمات النفسيّة أيضاً، التخفيف من وطأة بعض القيود الاجتماعيّة وبخاصّة تلك المرتبطة بالنواحي الغريزيّة الجنسيّة مثلاً والسلوكيّات التي تنظّمها المجتمعات على نحو أخلاقيّ النواحي الجنسيّة والعدوانيّة ، التنفيس عن مشاعر الإحباط أو اليأس التي يشعر بها الناس إزاء بعض الشخصيّات السياسيّة أو الظروف الاقتصاديّة والسياسيّة السيّئة لبنان نموذجاً . وقد تكون الطرفة أو النكتة موجّهة ضدّ شخص أو مجموعة أشخاص في السلطة مثلاً أو ضدّ نسق من القيم والأفكار السياسيّة أو الدينيّة مثلاً أو ضدّ جماعات أخرى بعض فئات المجتمع مثلاً ، وقد يكون هدفها مجرّد اللعب والمرح.

أختار هنا من قاموس أنييس ميشو Michaux الذي منحته عنوان Dictionnaire misogyne قاموس كُره النساء أقوالاً طريفة جَمَعَتْها عن ألسنة كتّاب وعلماء كبار:

زيغموند فرويد: «بعد ثلاثين عاماً أمضيتها في دراسة بسيكولوجيا النساء، لم أعثر إلى الآن على الجواب عن السؤال الكبير: ماذا يُردن بالضبط؟».

ساشا غيتري: «لو كانت المرأة كائناً حسناً، لاتّخذ الله لنفسه واحدة».

جول رونار: «مضى عامان على عدم تحدّثي إلى زوجتي، وذلك كي لا أقاطعها».

إدمون وجول غونكور: «المرأة ليست كريمة ولا معطاءة في طبيعتها: إنها لا تصرف إلاّ مال زوجها أو عشيقها».

فكتور هوغو: «المرأة التي تملك عشيقاً هي ملاك، والمرأة التي تملك عشيقين هي وحش، والمرأة التي تملك ثلاثة عشّاق هي امرأة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى