دبابيس

أحمد طيّ

تناولنا في حلقة سابقة من «دبابيس»، وتحديداً في العدد 1655 الصادر في الثامن من كانون الأول الجاري، ظاهرة لاإيجابية لاحظناها ونلاحظها سنوياً في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، والمتمثلة ببيع ألعاب لا تمتّ إلى التربية بِصلة، وأيضاً ببيع بالونات وما إلى ذلك مما يغري الطفل ويثنيه عن شراء كتاب.

ولاحقاً، وردنا ردّ من إدارة المعرض، وتحديداً من مدير عام معرض بيروت العربي الدولي للكتاب فادي تميم، ننشره هنا انطلاقاً من مصداقيتنا وحرصنا على أن تكون الصحافة منبراً للبناء، لا للحديث غير المجدي الذي يتحوّل جدلاً بيزنطياً. وفي نهاية هذا المقال اليوم، سنردّ أيضاً على الأستاذ تميم، علّ بعض ما التبس يتضح.

جاء في ردّ الأستاذ تميم:

في العدد 1655 من جريدتكم الموقرة الصادر في الثامن من كانون الأول الجاري، كتب الأستاذ أحمد طي مقالاً حول معرض بيروت العربي الدولي للكتاب تحت عنوان «معرض كتاب أو بسطة ألعاب».

بادئ ذي بدء نشكر الكاتب أحمد على الإشادة بمعرض بيروت العربي الدولي للكتاب والدور الهام الذي يقوم به النادي الثقافي العربي منذ 58 سنة لإقامة هذا المعرض والذي أصبح معلماً حضارياً من معالم بيروت. إن إصرارنا على إقامة هذا المعرض والعمل على تطويره ينطلقان من إيماننا الراسخ بأن الكتاب هو الذاكرة اللبنانية التي لا تنطفئ مع مرور الأيام.

ومنذ التأسيس الثاني للنادي الثقافي العربي في العام 1956 وإقامة معرض الكتاب الأول في المشرق العربي، جعلنا الثقافة نهجاً لنا والحوار الديمقراطي الحرّ سلوكاً، وحرية التعبير والرأي الآخر مبدأً والنقد، بما هو جزء من التعبير الحرّ، هو عمل مشروع بل إنه من الضرورة بمكان، لأننا نفهم النقد تطويراً ودفعاً إلى الأمام للعمل الثقافي وآلياته.

وفي هذا السياق، نعتبر أن ما ذهب إليه الكاتب حول ما أسماه «الأمور اللاايجابية» التي تتضمن وجود بعض الألعاب لأن ذلك في رأيه يخرج عن مضمون التربية ليدخل في العمل التجاري.

ولسنا معنيين نحن كناد ثقافي بالدخول في حوار حول مفهوم ثقافة الطفل، فهذا الحوار يجب أن يقوم بين الناقد ودور النشر المعنية، فقد يكون لهذه الدور رأي آخر.

وأنه لمن الظلم أن يتناول الأستاذ أحمد جزيئاً صغيراً من المعرض ليعمم ذلك على المعرض كله، أي أن يرى القطرة ولا يرى المحيط. وفي هذا السياق نقول بأننا لا نسمح لأنفسنا أن نكون حرّاساً للثقافة فنصادر رأي مع من يتعارض مع مفاهيمنا. إلا أننا في هذا السياق نؤكد على مسألتين جوهريتين وهما تدخلان في إطار الممنوعات: الأولى إثارة أي نقاش حزبي منحاز إلى هذا الفريق أو ذاك، والثانية الدعوة إلى إثارة النعرات الطائفية أو المذهبية. والمسألتان تدخلان ضمن إطار التحريض وتخرجان عن المبدأ الثقافي لذلك يكون موضعهما في مكان آخر.

إن الكتاب هو رائدنا والثقافة هدفنا وما إصرارنا على إقامة هذا المعرض إلا لإيماننا بأن الكتاب ولبنان توأمان لا ينفصلان. وأن الثقافة هي الزاد الروحي لشعبنا، وإننا لا نرى لبنان إلا بوصفه بلد للكتاب وللثقافة وللحرّية.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.

عظيمٌ كلام الأستاذ فادي تميم، وهذا ما اعتدنا عليه من نادٍ ثقافيّ عريق كالنادي الثقافي العربي. إذ شكّل معرض بيروت العربي الدولي للكتاب منصّة سنوية لحرّية الفكر والتعبير، والتبادل الثقافي بين الشعوب العربية. ومحطّة لتطوير الأدب العربي والمنافسة في التأليف كما في البيع. ولكنّ ما نلاحظه مؤلم حقاً. وما لا يعرفه الأستاذ تميم أنّ النقاشات حول دور تلك الألعاب والبالونات وارتباطها بالتربية أثيرت سابقاً بين دور النشر وتثار سنوياً، وكانت نتائج تلك النقاشات مخزية في بعض المرّات، إذ كانت «حجج» بعض تلك الدور واهية، ومنها: «يا أخي بدنا نطلّع أجار الستاند»، «بدنا نعيش»، «كتبنا ما بتنباع»، وما إلى ذلك.

أما في حديثنا الذي تناول جهود المتخصّصين بأدب الأطفال وكتبهم، فنقول هنا أن البعض عنيت البائعين لا يهتمّون البتّة بتلك الجهود. فالطفل بفطرته ميّال إلى الألعاب، وحكماً عندما يرى لعبةً ما، فإنّ تلك اللعبة ستصرف نظره عن أيّ قصّة مهما كانت جميلة ومهما كانت قيّمة. وبيت القصيد هنا، لا بل أنّ معركتنا هنا في هذه النقطة بالذات، والتي يمكن أن نعطيها عنوان: «كيف نصل إلى طفولة شغوفة بالكتاب والقراءة؟». وفي هذه المعركة، يستخدم من يخوضها مدارس وهيئات تعليمية، مؤلفون، رسامون، دور نشر، وزارة تربية، وزارة ثقافة، جمعيات أهلية… إلخ استراتيجيات دائمة التغيّر والتطوّر، مبنية على دراسات وأبحاث نفسية وأدبية معيّنة. وهنا علينا أن نعي مسألة مهمّة، أن بعض البائعين الذين لا يهمّهم إلّا البيع وكسب الأموال، لا يلتفت إلى هذه المعركة ولا إلى هذه الجهود. وعندما نلفت نظر إدارة المعرض، فإننا ندعوها لأن تكون شريكة معنا في هذه المعركة، انطلاقاً من إيماننا بدور المعرض وأهميته، وانطلاقاً من ثقتنا بالنادي الثقافي العربي وتاريخه العريق.

إننا، عندما أضأنا على هذه النقطة اللاإيجابية، لم نكن نقصد البتّة التفتيش عن سلبيات لنتحدّث عنها، فهذا ليس عملنا كصحافيين، خصوصاً في جريدة «البناء» التي دأبت على نشر التقارير عن فعاليات المعرض ونشاطاته يومياً، ومنذ إعادة تأسيسها منذ سنوات. إننا إذ تناولنا تلك «القطرة»، لم نكن نغضّ الطرف عن «البحر»، لأننا، وفي المقال ذاته الذي ردّ عليه الأستاذ تميم، ذكرنا البعض الكثير من إيجابيات معرض بيروت.

السادة إدارة معرض بيروت، ذكرنا أن لبنان والنادي الثقافي العربي كانا السبّاقَيْن إلى تنظيم معرضِ الكتاب الأوّل في البلدان العربية، وذكرنا أنّ هذا المعرض لم يتوقّف حتّى خلال الحرب الأهلية التي شهدها لبنان، وحتّى خلال الأحداث الأليمة التي شهدها في السنوات العشر الأخيرة. والرقم «58» يشهد على ذلك. ولا بدّ من التنويه بأنّ الدول العربية الأخرى تعلّمت من بيروت تنظيم المعارض. وهنا، لا بدّ من دعوة نوجّهها إلى كلّ المعنيين، فلنحافظ على بيروت المنارة هادية الأمم، من خلال حفاظنا على معرض الكتاب. والحفاظ هنا يعني التطوير ومواكبته، والتشارك في سبيل تقديم الأفضل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى