تقرير الشال: حذارِ من التوظيف السياسي للصراع النفطي

أكد تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي أنّ أفضل الوسائل لتخفيف الضرر عن الدول المنتجة للنفط جراء تراجع أسعاره هو قيام الدول بدراسة كل السيناريوات المحتملة، وترتيبها وفقاً لأولويات تحققها، ثم رسم سياسات بديلة وفقاً لمسار الأحداث.

وأشار تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي إلى أنّه بعد فشل ذريع في قراءة الماضي، وتبني سياسات وقائية أو استباقية للتحوط مما يجري لسوق النفط حالياً، «يبقى الأهم من أجل البلد ومستقبله عدم تكرار القراءة الخاطئة لأوضاع الحاضر بما يهدد المستقبل».

وبحسب محللي الشال، تبدأ الإدارات العامة الحصيفة بدراسة كل السيناريوات المحتملة، وترتيبها اجتهاداً وفقاً لأولويات تحققها، «ثم ترسم سياساتها وسياسات بديلة وفقاً لمسار الأحداث، بمعنى أن تكون مستعدة لتبني إجراءات معدة سلفاً، وفقاً لكل الاحتمالات وبأقل قدر من المفاجآت والأذى».

وفي حالة الكويت، الأمر أسهل بكثير. فالمتغير الوحيد المهم والمؤثر، كان ولا يزال للأسف، هو سوق النفط، وذلك يجعل مهمة التنبؤ بالسيناريوات المحتملة وترتيبها وفق أولويات تحققها ورسم سياسات مواجهاتها أمر غير بالغ التعقيد، كما في أوضاع الدول الأخرى.

وفي بناء سيناريوات المستقبل لسوق النفط، لا بد من اجتناب محذورين رئيسيين هما نتاج فهم خاطئ لدى بعض راسمي السياسة، الأول هو افتراض أنّ الصراع مع منتجي النفط الصخري – شركات النفط الكبرى – سيؤدي إلى الإضرار بدولها. والمحذور الثاني هو توظيف صراع الحصص سياسياً ضد دول أخرى منتجة للنفط التقليدي.

في الحالة الأولى، تتضرر شركات النفط المنتجة للنفط الصخري، ما يؤثر سلباً في تدفق الاستثمارات لهذا النوع من النفط، لكن انخفاض أسعار النفط لمستوى 60 أو حتى 70 دولاراًَ للبرميل فيه دعم مباشر وقوي للاقتصادات المستهلكة. وقدرت مجلة «إيكونومست» فاتورة الوفر المباشرة بنحو 1.3 تريليون دولار، «والأهم هو الأثر غير المباشر الموجب على الدخل المتاح للاستهلاك في اقتصادات تنتج سلعها وخدماتها، أي أثره الموجب على تحفيز معدلات النمو».

وفي حالة توظيفه في الصراع مع منتجي النفط التقليدي، إيران روسيا، والجزائر، وفنزويلا…. الخ ، لن يتوقف سعر برميل النفط عند تكلفة الإنتاج لبرميل النفط الصخري، وإنما تتكرر سيناريوات ثمانينات وتسعينات القرن الفائت، ولن يكون هناك قاع أدنى لأسعار النفط.

يفترض أن يملك السيناريو الذي يحقق أقل الضرر وأكبر النفع لكل من المنتجين والمستهلكين حظوظاً أكبر في التحقق، فالمنتجين لا يرغبون في إخراج النفط غير التقليدي تماماً من السوق، وليس في مصلحتهم ولوج دول نفطية حالة من عدم الاستقرار السياسي، وما يحدث في روسيا مؤشر مبكر على خطورة الوضع، ولا بلوغهم حالة من الإدمان على النفط الرخيص، فليس هناك ما يكفي العالم منه.

وأدمنت الدول المنتجة أسعاره المرتفعة لأسباب غير اقتصادية، واستخدمت إيراداته بما زاد جداً من اعتمادها على ريعه، وفقدت اقتصاداتها الكثير من مزاياها التنافسية، وأسعار اقتصادية للنفط قد تحفظ استقرارها وترشد سياساتها المالية والاقتصادية. ذلك السيناريو يفترض أن يدعم أسعار أعلى قليلاً من 70 دولاراً للبرميل. لكن قد لا يسود هذا المنطق، بحسب محللة الوحدة الاقتصادية في الشال، وهو حتماً لن يسود على المدى القصير 6 شهور إلى سنة . لذلك، لا بد من بناء سيناريوات على أسعار أدنى وسياسات لمواجهتها، أي الاستعداد للتعامل مع الأسوأ.

واختتم تقرير الشال الأسبوعي بالقول إنّ الكويت واحدة من الأسوأ تعاملاً مع إيراداتها العامة في حقبة ارتفاع الأسعار، «فمساهمة النفط في الناتج المحلي الإجمالي بلغت نحو 62.9 في المئة عام 2013، بعد أن كان معدلها نحو 51.3 في المئة في العقد الفائت وفقاً للإدارة المركزية للإحصاء، وإيرادات النفط تمول الموازنة العامة بنحو 92.1 في المئة من نفقاتها، أي ما زالت عند مستواها في العقد الفائت البالغة نحو 92.4 في المئة».

الأفضل هو التعامل مع الظرف الصعب الحالي بما يستحقه، وتقديم مشروع موازنة عامة محسوب جيداً للسنوات المالية الثلاث المقبلة، وتحصينه من أية إضافات أخرى. حينها فقط، يمكن التفرغ لعملية إصلاح هيكلي حقيقي، فالعبث في السياسة المالية كان أكبر الأضرار التي أصابت تنافسية الاقتصاد المحلي، وضمنه أصابت بيئة العمل للقطاع الخاص بضرر جسيم، وآخرها ما حدث في شهر تموز الفائت عندما زادت اعتمادات الموازنة بنحو 10 في المئة. والزمن لن يرحم من يهدروا الفرصة تلو الأخرى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى