سباق التتابع… من يخرق جدار الأزمة؟

محمد ح. الحاج

مضت أشهر منذ التقط العصا ستيفان دي ميستورا من الأخضر الإبراهيمي ليكون الوسيط المؤهّل لحلّ الأزمة السورية، وهو الحائز على رضا جميع الأطراف، معتمداً حيادية مطلقة من دون أن يصرح أو يعلن موقفاً يستفزّ أيّ من أطراف الأزمة، سواء على الساحة الداخلية أو الدولية… دي ميستورا غير متعجّل، لا يسابقه آخرون في ذات المضمار رغم رغبة أكثر من طرف في المشاركة، إنه يعتمد توافق الأقطاب أصحاب القرار… موسكو وواشنطن.

موسكو لم تعد حمراء، ولا تنقصها الرساميل والأموال، تتحدث عن شراكة مع الغرب، على وجه الخصوص… الشركاء الأميركان، هذا ما يردّده بوتين ولافروف، شراكة غير متكافئة، مطلوبة روسياً وغير مرغوبة أميركياً، إذ اعتاد الأميركي أن يعالج القضايا العالمية طبقاً لنظرته الأحادية ومصالحه، وقد يأخذ في الحسبان مصالح الحلفاء إلى حدّ ما، ولأنّ الأزمة الدولية التي تجتاح العالم اليوم ركيزتها صراع المصالح الاقتصادية، والنفوذ السياسي، ونشر المزيد من القواعد، فإنّ مبدأ الشراكة يصبح عقبة من وجهة النظر الأميركية… إذاً لا بدّ من خلق مشكلة ما تجعل الشريك يفكر بمصالحه الأقرب، وليكن الحريق في ساحة منزله أو حديقته الأمامية، أوكرانيا قد تدفع بالشريك غير المرغوب بعيداً عن الساحة السورية.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لم يبتعد كثيراً عن المضمار رغم منحه الثقة لدي ميستورا، لافروف كان يجري ضمن حارة موازية على أكثر من صعيد، وقبل فترة وجيزة قذف بالعصا إلى معاونه السيد بوغدانوف ليتابع على صعيد محلي، داخل سورية، بل وداخل المنطقة بالكامل، وقد تكون خطواته داعمة أو مكملة لخطوات دي ميستورا الذي اجتمع أكثر من مرة ومع نفس الأطراف… الحريق في أوكرانيا جعل الشريك الروسي متمسكاً أكثر بدوره، بل ومُصرّاً على التأكيد أنّ الحريق سيشعل الأصابع والأيدي الغربية… رائحة الغاز لن تزكم الأنوف الأوروبية، والعائدات تبخرت.. ردّ مشروع على عقوبات غير مشروعة، أميركا تقرّر والغرب الأوروبي يدفع ثمن الغطرسة غير المقبولة في عالم الشركاء.

يتجه الموقف الروسي إلى تحقيق وحدة موقف ما بين المعارضة الداخلية، وبعض المعارضة الخارجية مع الحكومة السورية يضمن في حدّه الأدنى إعلان الرفض لمشروع «الدولة الإسلامية» أو تقسيم الأرض السورية، أو فرض وصاية خارجية من أيّ نوع، ولا يغيب عن التفكير الروسي أنّ المعارضتين الداخلية والخارجية لا تمتلكان القدرة على فرض قرار وقف القتال والتخريب على الساحة السورية، ولا مجرّد إعلان موقف ضدّ التنظيمين الإرهابيين «داعش» و«النصرة» وتوابعهما أما الحديث عن جيش حرّ، وعودة هذا الجيش إلى أحضان الدولة الأمّ فهو نوع من الفانتازيا السياسية، إذ لم يعد لمثل هذا التنظيم وجود، فقد التحق أغلبه بـ«النصرة»، أو بايع بعضهم «داعش»، واختفى الآخرون، هرباً أو موتاً، الذين خرجوا في البدايات من الجيش، خرجوا بدافع ديني وليس وطنياً، وما بقاء بعض الوجوه المعتدلة ضمن التحالف الخارجي، كوجوه مقبولة توحي بالثقة للمواطن أن الحفاظ على التنوّع ضمن البيئة السورية لن يتأثر إلا حاجة خارجية بروباغندا إعلامية لا وزن لها بالمطلق على ساحة الثقة.

مشروع دي ميستورا الهادف إلى وقف القتال في مدينة حلب كمقدمة لتطبيق ذلك في باقي المدن السورية، بدأ يظهر إلى العلن بعد إبلاغه موافقة الحكومة السورية، وبعض فصائل المعارضة الخارجية وأغلب الداخلية، ولكن ماذا عن أجندة كلّ طرف من أطراف الصراع على أرض الواقع؟ وهل طلب الهدنة ناتج عن الشعور والقناعة بالعبثية التي طال أمدها، وأنّ استحالة الانتصار على الآخر هي الدافع؟ أم هي فرصة التقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوضاع وتوفير المدد اللازم لاستمرار الصراع وتحقيق غايات هي أقرب إلى المستحيل…؟

قبل إعلان مشروع وقف القتال في حلب، أفادت المعلومات عن اجتماعات ولقاءات مكثفة بتشجيع من الحكومة التركية واستخباراتها مع مساهمة فرنسية لعشرات من الفصائل المسلحة في منطقة إدلب تحت قيادة المدعو جمال معروف، مع قيادات من «جبهة النصرة» وحلفاء لها من الجماعات الإسلامية، ونتيجة تلك اللقاءات والمفاوضات وتحت الضغوط والإغراءات الخارجية، تمّ الاتفاق على إعلان مصالحة شاملة ووضع خطط لعمليات مستقبلية تؤدّي إلى إخراج كلّ ما يرمز إلى الدولة من محافظة إدلب بشكل كامل مع بسط السيطرة على أريحا وجسر الشغور، على أن تبدأ عمليات الدعم التركي الفرنسي فوراً وتزويد الأطراف المتحالفة حديثاً بكلّ ما يلزم، من هنا يمكن القول إنّ قبول أطراف الصراع وقف القتال في محافظة حلب، وإعلان ممثليهم في الخارج وإبلاغ دي ميستورا بذلك، إنما لحاجة هؤلاء المستقبلية إلى مزيد من المقاتلين في إدلب، وبنفس الوقت الحفاظ على المواقع التي ما زالت تحت سيطرتهم في ريف حلب، والتي بدأ الجيش السوري بقضمها بعد أن استكمل الطوق لحصار هذه المجموعات والقضاء عليها، وهذا ما يفعله في دير الزور ودرعا، ما دفع بهؤلاء إلى ربط الموافقة على وقف القتال في حلب بتطبيقه على مناطق أخرى، وبالطبع بعيداً عن إدلب، إذ من الممكن أن تقبل تركيا بخسارة حلب على أن تحقق السيطرة في إدلب، بما يضمن استمرار فتح الحدود أمام تحرك تركي تحت يافطة «قوى معتدلة هي في حقيقتها النصرة»، وضمن منطقة تعتبرها عازلة، تنتقل إليها رموز ما يُسمّى حكومة التحالف.

مشروع وضع اليد على محافظة إدلب وإخراج الدولة منها، وكان موعده قبل أسبوعين، بدأ لاحقاً بالهجوم الواسع على معسكرات وادي الضيف والحميدية بما يزيد عن ألفي مقاتل من التحالف الجديد خليط من الفصائل مع النصرة والجبهة الإسلامية ومن المحتمل أنّ التخطيط الخارجي كان له دوره مع استغلال انشغال الجيش في مناطق حلب وشمالها وشرقها، ولأنّ السيطرة على إدلب غير ممكنة بوجود حامية في المعسكرين المذكورين، ويبقى السؤال هل تسقط إدلب بعد السيطرة الحالية على المعسكرين اللذين قاومت حاميتاهما على مدى سنتين؟

اللعبة أكبر بكثير من إدلب ومن درعا أو دير الزور، أو حتى دونتسك ولوغانسك، اللعبة على مساحة العالم، صراع مصالح، نفوذ، روائح الغاز والنفط، والخامات والدماء، مسارات للأنابيب، وبازار غريب، حرب أسعار بحيث يصبح برميل برنت في عز الشتاء بـ64 دولاراً مع الحاجة العالمية إلى الدفء، بينما سجل في عز الصيف أكثر من 106 دولارات، حرب عضّ الأصابع بين الشرق والغرب، وبين الجنوب والشمال…! من يصرخ من الألم أولاً…؟ الشعوب هي الضحية، عالم الفقراء هو من يصرخ منذ البداية… اليوم شعبنا على مساحة الأمة يصرخ من الغيظ والألم، لكنه مستمرّ في المقاومة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى