«حماس» تصحّح علاقاتها مع إيران تدريجيّاً

كتب عاموس هرئيل في صحيفة «هاآرتس» العبرية:

إطلاق القذيفة الوحيدة أوّل من أمس من قطاع غزّة باتجاه منطقة «إسرائيلية» قرب الحدود، لا يعكس حالياً تغييراً أساسياً في الوضع الذي نشأ بعد الحرب في نهاية آب. لذلك فإنّ الردّ «الإسرائيلي» جاء محدوداً ـ قصف واحد ضدّ مستودع لصناعة الاسمنت في جنوب القطاع، وإعلان جديد أن «إسرائيل» تعتبر أن المنظمة مسؤولة عن أي هجوم ضدّها من غزّة. وما زال تبادل النيران يعكس احتمالية التصعيد. وبعد نحو أربعة أشهر على الحرب، بقيت غزّة «طنجرة ضغط» على شفا الغليان. اتصالات خاطئة بين الاطراف كما حدث إلى حدّ كبير قبل اندلاع الحرب في الصيف، من شأنها أن تؤدّي إلى اندلاع سيضع العملية الانتخابية لـ«الكنيست» في الظل.

يعتقدون في الأجهزة الأمنية «الإسرائيلية» أن المسؤول عن الإطلاق أول من أمس هو حزب فلسطيني صغير. يقولون إن «حماس» اتخذت خطوات لمنع إطلاق القذائف بعد سقوط القذيفة فوراً. هكذا تصرّفت «حماس» في الاشهر الاخيرة التي سبقت اندلاع الحرب في الصيف. وبين الفينة والاخرى أطلِقت قذيفة وحيدة، وحينذاك نُقلت رسائل مستعجلة إلى «إسرائيل» بأن إطلاق القذائف ليس مقبولاً على القيادة في غزّة. ولكن في الأسابيع التي سبقت اندلاع الحرب في تموز، حدث تغيير تدريجيّ في نظرة «حماس»: في البداية قامت منظمات صغيرة بالإطلاق، وبعد ذلك منظمات الجبهة التي لاقت دعماً وتشجيعاً من «حماس»، وفي النهاية شاركت «حماس» نفسها، أي قبل الاندلاع الكبير بسبب الافشال «الإسرائيلي» التحضيرات لعملية كبيرة عن طريق نفق كرم أبو سالم.

معظم الجهات الأمنية في «إسرائيل» تتفق على أن السبب الأساس للتدهور في الصيف كان بالامكان تحديده قبل سنة، في الازمة بين «حماس» ومجموعة الجنرالات التي سيطرت على الحكم في مصر في تموز 2013. فمنذ ذلك الحين قطعت القاهرة الهواء عن القطاع من خلال الهدم الممنهج والشامل للأنفاق وإغلاق معبر رفح إلى جانب الإغلاق «الإسرائيلي». وجد الغزّيون أنفسهم في حصار آخذ في الازدياد، وعندما ازداد سوءاً وبعد فشل محاولة تطبيق اتفاق المصالحة مع «فتح» كي تصل أموال الرواتب إلى القطاع، بدأ التدهور الذي أدّى إلى اندلاع الحرب.

الوضع الآن لا يختلف كثيراً عن الوضع الذي ساد في بداية تموز. عندما اضطرت «حماس» إلى طلب وقف إطلاق النار في نهاية آب، كانت التوقعات في غزّة كبيرة. تم الحديث عن رفع الحصار وإعمار غزّة من التدمير، وسُمعت أيضاً وعود ضبابية حول نقاش مستقبلي لإقامة مطار وميناء في غزّة. القليل جدّاً حدث منذ ذلك الحين. صحيح أنه تم وعد الغزّيين بمساعدة اقتصادية بنحو 7 مليارات دولار، ولكن 100 مليون دولار فقط نُقلت حتى الآن. وحصل في غزّة في الصيف تسونامي حقيقي، بسبب عملية الجيش «الإسرائيلي». نحواً من 600 ألف منزل أصيبت وهي تحتاج إلى الاعمار، 20 ألفاً من بينها دُمّرت كلّياً، عشرات الآلاف ما زالوا يسكنون في الخيام. إرساليات مواد البناء بدأت تصل عن طريق «إسرائيل»، ولكن استخدامها يتم ببطء. والقاهرة ترفض حتى الآن التحرك. معبر رفح مغلق وهدم الانفاق سُرّع. منذ أسابيع كثيرة لم يجدّد المصريون المفاوضات غير المباشرة بين الاطراف حول اتفاق بعيد المدى لوقف إطلاق النار.

إن رسالة «حماس» التي قدّمتها في الذكرى السنوية لإنشاء المنظمة قبل أسبوع كانت «إعمار أو انفجار». العنصر الكابح في المعادلة ـ هو قوي اليوم أكثر من تموز ـ يرتبط بالمعاناة التي حدثت للسكان الفلسطينيين في القطاع. الدمار الذي خلّفته الحرب الاخيرة هو الأكثر من أيّ وقت مضى. وعلى رغم الغضب على «إسرائيل» ومصر، فإنه من المشكوك فيه أن سكان القطاع متلهفون إلى جولة قتال إضافية.

في المقابل، نتنياهو في طريقه إلى الانتخابات. وكالمعتاد، ثمة فجوة بين الخطابات الكلامية المتشدّدة لنتنياهو وبين أفعاله على الارض. خلال ست سنوات حكم متواصلة لنتنياهو كرئيس للحكومة، خرج مرّتين للحرب في القطاع.

عمل نتنياهو ذلك من دون رغبة كبيرة. عملية «عمود السحاب» في تشرين الثاني 2012 بدأت عندما كان نتنياهو في ذروة الفترة الانتخابية، وهوجم في الصحافة من قبل خصومه السياسيين بذريعة أنه لا يدافع بما يكفي عن سكان غلاف غزّة. وقد جُرّت «إسرائيل» وراء الحرب في الصيف، كما أعلن وزير الخارجية ليبرمان وبحقّ. لم تقرّر «إسرائيل» في التطورات، ويمكن الافتراض أنه إذا كانت الامور مرتبطة بنتنياهو، فإنه سيمتنع عن حرب أخرى في غزّة خلال الفترة الانتخابية، خشية من عدم قدرته على السيطرة على الاحداث. ومع ذلك إذا وضعته «حماس» أمام تحدّ مباشر، وهذا سيشكّك بنتائج الحرب، فإنه قد يحدث التصعيد.

وفي الخلفية، ثمة تطور يجب الانتباه إليه. «حماس» تقوم بتصحيح علاقتها تدريجياً مع إيران. حتى 2012 كانت إيران وسورية هما الراعيتان ومزوّدتا السلاح الأساسيتان لـ«حماس» في القطاع.

وقد تراجعت العلاقات بسبب الحرب في سورية. أخلت «حماس» مكتبها السياسي في دمشق، ويجلس خالد مشعل الآن في الدوحة عاصمة قطر، وقد انتقد النظام السوري. وردّاً على ذلك، أوقفت إيران إرساليات السلاح إلى «حماس». وفي الاشهر الاخيرة بدأت تتضح حلول وسط بين إيران وغزّة. الإيرانيون يمتدحون صمود «حماس» ضدّ الجيش «الإسرائيلي» في الصيف، وتشكر حماس «إيران» على إرساليات السلاح التي تسلّمتها في السابق. في بداية الشهر قام وفد من «حماس» بزيارة إلى طهران، وللمرّة الأولى منذ سنوات يمكن التقدير أن إيران ستحاول استئناف تهريب السلاح إلى القطاع. ومثلما في كل مرة ينشط فيها الإيرانيون في المنطقة، فإنّ عودتهم إلى الصورة في غزّة لا تعتبر أمراً جيداً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى