تانغو «داعش»!

نظام مارديني

من حق تنظيم «داعش» أن يفرح وهو يشاهد العالم يرقص التانغو على أنغام تراثه المتخلف الذي يختصر بجزّ الرقاب و«النقاب». فالغرب هو الذي اخترع هذا الوحش مع بن لادن، بحيث رأى النور في مغارات تورا بورا المظلمة ومعسكرات كويتا الباكستانية ومدارس المجاهدين العرب، وصدّره إلى بقاع الدنيا باعتباره نموذجاً حضارياً يجب أن يقتدى به. وها هو العالم المتمدن يعيش على وقع ألحان «ثقافته» المكلّلة بالسواد في كل شيء إلا من شريط يظهر عيون نسائهم كأنهن صندوق بريد! ومن لحى رجالهم الشبيهة بلحى اليهود.

صخب يعمّ الغرب حول «الإسلاموفوبيا»، والسجال هناك طفح وتشعب، واللهجة أصبحت أكثر حدة، خصوصاً داخل المجتمعات الأوروبية، في المقاهي والحانات ووسائل الإعلام. وفي مثل هذه الأجواء، كان لا بد من وضع المسألة في سياقها، تجنباً للغرق في تفاصيل بضع مئات من المنقبات أو من «الدواعش» ينتظرهن الغرب أمام كل مبنى أو في كل زاوية وشارع.

وكان أول من استخدم مصطلح «إسلاموفوبيا» هو الكاتب الفرنسي ماليه أميل في مقالة نشرها في «لوموند» الفرنسية عام 1994 تحت عنوان «ثقافة وحشية»، وحذر فيها من «الإسلاموفوبيا» الزاحفة إلى الغرب المسيحي. وقد تبنى هذا المفهوم الكاتب البريطاني رمنيميد تروست في تقرير نشره عام 1997 وعرفه على أنه هو «الخوف الذي قد تخلفه الكراهية تجاه كل أو معظم المسلمين بسبب موقف الإسلام من الأديان الأخرى لكونه كتلة وحدانية معزولة وغير قابلة للتغيير… ويستخدم الإيديولوجية السياسية والعسكرية للوصول إلى أهدافه».

ليس المجال هنا تقديم قراءة حقوقية خاصة بسنّ أو عدم سنّ تشريع يلاحق هؤلاء، ولكن من المهمّ الإشارة إلى وجود محاولة لإعادة تعريف مفهوم العلمانية في أوروبا على ضوء الموقف من الإسلام السياسي فيها، لا سيما أن أوروبا اليوم تشهد ظاهرة مزدوجة يتلازم في إطارها الإحساس بالانتماء الطائفي مع انحسار درجة الاندماج الاجتماعي، ما يطرح أسئلة جوهرية على المجتمعات الأوروبية ينبغي قراءتها بهدوء. ولا تخفى هنا إعادة إطلاق مقولة

«صدام الحضارات» بما يخدم أهداف صموئيل هنتنغتون في مقال نشره في مجلة فورين أفيرز عام 1993 بعنوان صراع الحضارات ، وأشار فيه إلى أن عالم ما بعد الحرب الباردة سيشهد صراعاً بين الغرب وأميركا من جهة والإسلام والصين واليابان والهند من جهة أخرى، وأن ما سيحكم العلاقة بين هذه الحضارات هو الصدام على أساس الثقافة والهوية.

ليس ذنب أوروبا، والغرب عموماً ، حماية معتقداتها من مظاهر لا تحترم روح الإنسان. ففي دساتيرها، ومن ثم في قوانينها، يحظر ارتداء المرأة النقاب مثلاً، لأن كرامتها لا تتجزأ، ولذلك تفترض الدساتير بذل كل جهد ممكن كي لا يشعر أي أوروبي أو مقيم على الأراضي الأوروبية بأنه مستهدف بسبب إيمانه وممارسة شعائره الدينية العلمانية الأوروبية مختلفة عن العلمانية الأميركية .

ليس هناك عاقل يمكنه معارضة مقولة إن هناك قوانين ينبغي احترامها. هذه القوانين لها رهاناتها العديدة ولعلها في بعض الأحيان الرهان الانتخابي قصير الأمد، من خلال البحث عن استمالة أصوات فئة مهمة من الناخبين الأوروبيين. أيضاً هناك رهان ثقافي بمعنى الدلالة على نوع من «صدام حضارات» يندفع العالم في اتجاهه نفسياً.

من الطبيعي القول أيضاً إن التوجهات الأوروبية في قوانينها هي في الحرص على «فضاء علماني» في تلك المجتمعات. ومن ثم مناقشته من خلال شقين متلازمين:

الأول، احترام النساء من ناحية. والثاني عدم المساس بالأمن العام من ناحية أخرى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى