ديانا المير… وجه قوميّ مضيء من غير قسمٍ وانتماء حزبيّ

لبيب ناصيف

في ستينات القرن الفائت التقيتها كثيرا في «دار الزعامة» في ضهور الشوير، حيث كانت الطبقة السفلية صالحة للسكن، أو في منزل الأمين جبران جريج في منطقة قريطم. فإليه كانت تتردد، وكنت بدوري أتردد مذ تعرفت إلى الأمين جبران جريج منفذاً عاماً لبيروت عام 1960، فأصرّ على أن أتولى مسؤولية مدير مديرية المصيطبة عام 1961 بدلاً من الرفيق المناضل سيمون بهنا.

في منزل الأمين جريج كنت ألتقي الفاضلة نبيلة صليبا عقيلة الأمين منير خوري وبناتها، وقد جمعتهن إلى الرفيقة ماري بربر جريج 1 أم وسيم وأولادها وسيم، إيمان وهني، مصاعب تلك السنوات التي أعقبت الثورة الانقلابية.

قبل ذلك بسنوات قليلة كانت الأمينة ديانا المير قد تخلت عن كل شيء في الأرجنتين وحضرت إلى الوطن كي ترعى بنات شقيقتها الأمينة الأولى، صفية وأليسار وراغدة، بعدما صدر الحكم الجائر الظالم في حقها.

وعندما لم أكن أراها كنت أسأل عنها وأطمئن من المناضلة القومية الاجتماعية التي لم تؤد القسم، إنما ناضلت في سبيل الحزب الذي عرفته في صباها في قلحات، ثم عبر أولادها، الرفيق الرائع رشا الذي خسرته باكراً، وخسره حزبه رفيقاً واعياً، مناقبياً، ومسؤولاً متفانياً، في الوطن وفي ملبورن، والرفيق جورج المقيم في ملبورن، والرفيقة سميرة التي اقترنت من الأمين والقدوة النضالية نبيل سيف 2 ، وفدى التي مثل أمها لم تنتم الى الحزب إنما سكن قلبها ووجدانها وعقلها.

ليت سنوات عمري تمتد كي أكتب عن المئات ممن شعّوا وفاءً وصدقاً، وكانوا أبناء الحياة لحزب أراده سعاده حياة جديدة لأمتنا، ونظاماً جديداً، وتقاليد جديدة. من هؤلاء أم رشا التي أخبرتني كم زارت الأمينة الأولى في سجنها في المزة، مع إبنها الرفيق رشا، وكم كان بيتها في رأس بيروت، بيتاً للقوميين الاجتماعيين، وكم عرفت الصدق في التعاطي وأخذت عن والدها الشاعر سليمان نصر عشق الأدب والشعر، فانكبت، وهي في سنواتها الأخيرة، على جمع قصائده وإصدارها في ديوان.

في أيلول 1939 تعرفت المواطنة جولييت المير إلى سعاده عندما قام بزيارة إلى أهلها. إذ كان شقيقها الأكبر جورج المير قذ انتمى إلى الحزب. تفيد في مذكراتها ص 39 : «لم أكن قد عرفت أو سمعت بوجوده في بيونس آيرس. كان جاء الى تلك البلاد قبل عودتي من نيويورك».

تركت هذه الزيارة أثراً كبيراً في نفسها. بعد فترة اتصلت بها الرفيقة مريانا فاخوري 3 وتعددت اللقاءات ثم قدمت لها كراس المبادئ. تضيف الأمينة الأولى في مذكراتها: «وأقسمت اليمين. بعد أيام أقسمت اليمين أيضاً شقيقتي كتالينا، وكانت تسكن وزوجها وابنها في طابق قريب من بيتنا. وهكذا فعلت شقيقتي ديانا. فأصبحنا نحن الثلاث قوميات حديثات في الحزب».

وفيما تولت الرفيقة كتالينا مسؤوليات حزبية في بيونس آيرس منها مديرة لمديرية السيدات، ليس في أدبيات الحزب ما يشير إلى أن الرفيقة ديانا عينت في إحدى المسؤوليات، إنما مسؤوليتها في رعاية بنات الزعيم في فترة أسر الأمينة الأولى، قاربت بأهميتها كل مسؤولية إدارية، فقد كانت لهن اماً، تعاني معهن، وتسهر على نموهنّ وتحرص على أن تؤمن لهن ما يجعلهن يحقّقن النجاحات الأكاديمية والشخصية.

كانت الأمينة ديانا تتصف بالهدوء والرصانة، وتتميز بسهرها على بنات الزعيم، خاصة الصغيرة منهن، راغدة.

أسجل اليوم أسفي إذ لم أكن منصرفاً الى موضوع تاريخ الحزب، وإلا كان مفيداً جداً أن أُدوّن للأمينة ديانا الكثير من المعلومات التي خسرناها مثلما خسرنا غيرها برحيل الرفقاء المعنيين.

من هنا دعوتنا الى جميع الرفقاء أن يعتبروا تاريخ حزبهم من أولويات عملهم فيدوّن كل منهم ما يعتبره مفيداً، ويرفعه الى لجنة تاريخ الحزب.

في أواخر الخمسينات، ومع آخر دفعة من الأمناء صدرت قبل الثورة الانقلابية، مُنحت الرفيقة ديانا المير رتبة الأمانة تقديراً من الحزب على الكثير من تضحياتها.

في بيونس آيرس وقد توجهتُ إليها عام 1977 بدعوة من الأمين رشيد سابا، تسنى لي أن ألتقي الرفيق جورج المير، والرفيقة كتالينا المير مسوح. ومع الأمناء رشيد سابا، توفيق للي، وانطون كسبو زرنا الرفيق جورج في منزله في إحدى ضواحي العاصمة الارجنتينية. «بيت اللعب» سميته، وما زلت أحتفظ في ذاكرتي بمنظر ذلك المنزل ضمن حديقة والغني بكل ما يُفرح، ويجعل الداخل إليه يمضي فترة من السحر كأنه في إحدى روائع «والت ديزني».

بنى الرفيق جورج المير بيته، لا للسكن، بقدر ما تعهد كل زاوية فيه للموسيقى، للقراءة، ولمتعة القعود مع الفن.

وفاتها :

عادت الأمينة ديانا الى بيونس آيرس بعدما كانت الأمينة الأولى قد خرجت من السجن، وباتت تعتني ببناتها. عام 1986 فارقت الحياة فووريت في الثرى في العاصمة الأرجنتينية.

هوامش

1 – عرفت بلدة بتعبورة القويطع، الكورة الحزب منذ ثلاثينات القرن الماضي، وفيها عائلة بربر التي انتمى من أبنائها العديد من القوميين الاجتماعيين والقوميات الاجتماعيات، بينهم أديب، د. حسيب، فؤاد، هولندا صعب، نازك صوايا وليلى حريق.

عن بتعبورة التي تحولت الى مركز للحزب في أوائل أربعينات القرن الماضي عندما انتقل اليها على مرحلتين المسؤولون المركزيون في حينه: جبران جريج، مـأمون اياس، عبدالله قبرصي، جورج عبد المسيح ونهاد ملحم حنا. يصح أن يُكتب تاريخها، ونحن نعمل على ذلك.

2 – نشرت عنه نبذة بتاريخ 18/08/2014، للاطلاع عليها، الدخول الى أرشيف تاريخ الحزب على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info .

3 – اقترنت بالرفيق الياس فاخوري راشيا الفخار . انتقلا الى سان باولو. فيها أسّست مجلة «المراحل» ثم انقلبت على الحزب.

هذه النبذة تعرّف عن الأمينة ديانا، إنما لا تفي بكل سيرتها،

لذلك نأمل ممّن عرفها في الوطن وفي الأرجنتين، أن يكتب عنها أو أن يزوّدنا بما يفيد في إغناء سيرتها .

رئيس لجنة تاريخ الحزب

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى