فرحة الأعياد… الملوثة بالغضب

د. سلوى خليل الأمين

تهلّ مواسم الأعياد على وطننا لبنان والمواطنون محبطون، بل تسكنهم الحسرة على وطن كان يُعدّ من أجمل الأوطان، فدوامة الظلم والقهر والاستكبار العالمي، ما زالت تدقّ إسفينها في مجريات الحياة في بلادنا المشرقية، وما زالت «تتحفنا» بعصابات الإرهاب المنظمة، التي رعتها وموّلتها وأعطتها مساحات الضوء الخضراء، كي تجتاح بلاد الشام وتقتل شعوبها، وتدمّر أنظمتها، وتقضي على علومها ومعارفها، وتطمس حضارة أغنت التاريخ بأمجادها المثقلة بالمعارف والعلوم والفلسفات الدينية والحزبية والعقائدية، والهدف موثق ومعلوم، حين الشرّ مستفحل في البيانات وكواليس الأمم الضالة، التي لا تدرك، وربما عن قصد، أهمية تمزيق هذه المنطقة، ورفدها بالدواعش الإرهابيين، تحت شعارات مفبركة ومزيفة، أطلق عليها زوراً وبهتاناً، شعارات حقوق الإنسان، والديمقراطية، والحرية، والادّعاء برفع الظلم المتعمّد في نظرهم عن شعوب المنطقة، بالرغم من أنّ منطقة الخليج الواقعة تحت سيطرتهم الدولية، تغصّ بالديكتاتوريين من حكامها الذي ينهبون ثروات الناس من دون شفقة أو رحمة، ومن دون أيّ التزام بالدين الإسلامي الحنيف الذي يتاجرون به على الدوام.

فعن أي حقوق للإنسان يتكلمون؟ وأيّ حضارة يصدّرون؟ وكيف لتلاويح الغدر والكذب والضلالة أن لا تكشف نواياهم المزيّفة، المتحركة على دبابات من الطراز الحديث، مشبعة بالأسلحة المتطوّرة التي لا تملكها الجيوش النظامية في المنطقة، حين تلك العصابات الإرهابية والداعشية تستعملها على عينك يا تاجر، وحين القول من الرأس الأكبر المدبّر، عنيت أميركا وربيبتها «إسرائيل»: «علينا القضاء على الإرهاب»!

تأتي أعياد المخلص يسوع المسيح، وأميركا وحلفاؤها «الميامين» المنذورين بأمرها، من أجل القضاء على الإرهاب، لم ينجحوا لتاريخه من الاقتصاص من عصابة «داعش» الإرهابية المنتشرة على عينك يا تاجر في جرود عرسال اللبنانية، وعلى الأرض العراقية والسورية المكشوفة للجميع، علماً أنهم على بيّنة أنّ المسيحيين المشرقيين، الذين نكّلت بهم «داعش» وباعت نساءهم وهجّرتهم من ديارهم، مشوا على طريق الجلجلة من دمشق على خطى القديس بولس الرسول، وانتشروا في بلاد الشام، من العراق حتى فلسطين والأردن ولبنان، وها هم اليوم مهجرون من العراق وفلسطين، بل مضطهدون ومغلوبون على أمرهم، في الوقت الذي ترفع فيه سورية رغم مآسيها المركبة تركيباً عالمياً، شجرة الميلاد رمزاً للسلام والمحبة باحتفال مهيب رعاه البطريرك غريغوريوس الثالث لحام والسفير البابوي المطران ماريو زيناري والعديد من الفاعليات الدينية والمدنية في العاصمة دمشق.

والمعروف عن سورية، التي اختارت النظام العلماني مسيرة درب طويل، لم تضطهد في تاريخها أصحاب المعتقدات الدينية، حتى اليهود منهم، بل احترمت الجميع انطلاقاً من مسيرتها العلمانية الحضارية التوحيدية المؤمنة بأنّ الدين لله والوطن للجميع، والتي حافظت عبر مسيرتها التصحيحية على احترام حرية المعتقد وحرية الرأي، ولو خالفها أصحاب الغايات من أجل بذر فتنهم وحقدهم وغلواء ضمائرهم المنخورة بالسوس، ظناً منهم أنّ معارضة الحكم والدولة والنظام تكون بالقتل والتدمير والسبي والذبح وخراب الوطن.

لهذا، لم يكن الظن أنّ الأزمة السورية ستطول، وأنّ سورية بقيادتها وشعبها وجيشها ستصمد أمام هذه الحرب الكونية والعربية المتخلفة، وكان ظنّ من راهن من اللبنانيين على الخلاص من حكم الرئيس بشار الأسد في سورية، الداعم بقوة للمقاومة ضدّ «إسرائيل»، سوف يكون بسرعة الضوء، مع العلم أنهم لضيق الأفق السياسي لديهم والمنطق المعوج، تصوّروا أنّ لبنان بمنأى عن كلّ ما أصاب سورية ويصيبها، فهم لم يقرأوا التاريخ، ولم يطلعوا على الحدود الجغرافية، ولم يروا أنّ البحر أمامهم و«إسرائيل» خلفهم، ولا عون لهم في الحالتين سوى أبواب سورية الآمنة! فها هم جنود الجيش اللبناني في الأسر عند «الدواعش» و«النصرة»، والدولة واقعة تحت رحمة مطالبهم التعجيزية التي هي فخ محكم، والمسؤول اللبناني يناشد الدول فك هذه الأزمة، حيث لا ناصر ولا معين، حين سورية الشقيقة، القادرة رغم جراحها على التعاون مع لبنان من أجل إيجاد الحلّ الملائم، مغيّبة، والهدف عدم إزعاج من بيده فتح الضوء الأخضر لحلّ المسألة، ممّن هم خلف «داعش» والإرهاب برمّته، من ذوي القربى.

بالأمس، وأنا كمواطنة لبنانية ألاحق محطات التلفزة المتنوّعة، هزّني مشهد توزيع الهدايا على أطفال أسرى الجيش اللبناني من قبل هيئة حزبية لبنانية، هنا تساءلت: هل هذا الموضوع هو للمزايدات السياسية والانتخابية والحزبية، أما كان الأحرى بالجميع الدعوة إلى اجتماع عام موسّع يضمّ كلّ الأطراف السياسية في الوطن، ويُقام في ساحة اعتصام الأهالي المغلوبين على أمرهم، للنظر بشأن وضع خطة عمل لإنقاذ أولئك الجنود الذين ارتضوا الوطن ومؤسسة الجيش حامياً لهم. أليس لأولادهم الحق في فرح الأعياد وبابا نويل وشجرة الميلاد التي تعمّ البيوت كلها بمختلف طوائف الوطن، ثمّ أليس من الوطنية على المسؤول أن يرفع الصوت بصريح القول والعبارة كي يعرف كلّ اللبنانيين من هم المتحركون من دون التوافق على خطة عمل ممنهجة تدعمها سورية وحزب الله بمقاومته من أجل تحرير الجنود؟

في عيد ميلادك يا عيسى بن مريم لا بدّ من القول: رعى الله أمة عرفت حقوق مواطنيها ونبض كراماتهم المطلوبة في كلّ عصر وزمان، فالحرية المطلوبة ليست شعاراً يكتب على الورق، وليس خطاباً سياسياً مملوءاً بالخزعبلات، بل هي قول صراح وفعل قويم، لهذا لا بدّ من العودة إلى الفكر المنبسط من ألسنة الأشداء في وطنيتهم، ونقرأ ما كتبه الزعيم أنطون سعاده الذي نعى الأمة المتهالكة على الخراب من خلال سوء التقدير المطعم بخراب الأنفس والعقول حين مضمون القول: «… نعتقد اعتقاداً راسخاً أنّ أعظم أدلة على خراب أمة، أنّ تلك الأمة تقف على شفا الخراب، أو أن ترى الخراب آتياً إليها، وتظن أنه العمران». لهذا لا بدّ قبل «خراب البصرة» أو حصول ما لا نشتهي أن تعمد الحكومة بشجاعة إلى التواصل مع الدولة السورية وحزب الله الموجود في الحكومة باعتراف دولي ومحلي، من أجل العمل على وضع خطة محكمة تحرّر أسرى الجيش اللبناني، ولو اقتضى الأمر عملية كوماندوس يقع ضحيتها البعض، يبقى الأمر أسلم من التهديد بالذبح والقتل المتواصل… وكي لا تبقى فرحة الأعياد ملوّثة بالغضب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى