هل من «وقفة إسلامية شجاعة» ضدّ الإرهاب؟

د. وفيق ابراهيم

يتنصّل المسلمون، عادة، من أي عمل إرهابي يقترفه مسلمون في بلدان عربية. لكنهم يصمتون عن أعمال إرهابية أكثر وحشية تدكّ بلدانهم.

وها هي سورية تتعرض لأكبر هجوم إرهابي أصاب بلداً منذ الحرب العالمية الثانية، وكذلك العراق حيث يستبيح الإرهاب «الداعشي» مدنه وقراه وأهله، وسط صمت قاتل من المراكز الإسلامية الكبرى من مختلف المذاهب والقراءات.

والأكثر خطورة أنّ جامع الأزهر الذي عقد مؤتمراً حول سبل مواجهة الفكر الإرهابي التكفيري، رفض تكفير «داعش» و»النصرة»، وذلك بتفسير سطحي للإسلام، اعتبر فيه أنّ مجرد لفظ «الشهادتين» يمنح المرء صفة «مسلم دائم». أما ما يقترفه من إرهاب فيُحسَبُ عليه كمواطن «مسلم».

فكيف يجوز لنا فصل «العبادات» عن «المعاملات»، وكأنّ «الأولى» لا تملك تأثيراً على الثانية؟ وأين ما يشجّع عليه الدين من مكارم الأخلاق، وقد قال النبي محمد: «إنما بُعثت لأتمِّم مكارم الأخلاق»؟

فهل يندرج الإرهاب في إطار مكارم الأخلاق؟ وهل يُبيح إبادة البشر وقتل المسلمين وغير المسلمين واسترقاق نسائهم واستباحة أملاكهم؟

وهنا نستحضر ما قاله الإمام علي: «الناس صنفان أخٌ لك في الدين ونظير لك في الخلق». فإذا كان أخوك في الإسلام له واجب عليك، فإنّ لنظيرك في الإنسانية واجب الإخاء والمساواة أيضاً.

هذا هو الإسلام كما أراده الله، لكنّ ما يتم تطبيقه اليوم يتعلق بطبقات من الكهنوت الديني تمتلك امتيازات هائلة اكتنزتها من خلال «إفتاء سطحي» يتعامل مع المسلمين وكأنهم يعيشون في العصور الغابرة ويصرّون على أسرهم في تلك القرون السحيقة، كلّ ذلك لمصلحة «تخليد امتيازاتهم» الأسطورية.

وما كان صحابة الرسول والخلفاء الراشدون على هذا النحو من الخِفة، بل كانوا عظماء استحقوا مكاناتهم العظيمة للاستنارات العقلية التي اتسموا بها. هكذا كان أبو بكر وعمر ومجمل القادة والأئمة.

ومن موقع الحرص على هذا التراث الإنساني الهائل، يجب الاتفاق على مفهوم للإرهاب ينطلق من أنه ليس مجرد عصابة ترتكب جريمة آنية وترحل، بل إنه فكر له مرتكزاته وأسسه ويتمتع بجهاز دعوي وآخر تمويلي وله تحالفات. وما أن يتمكن حتى ينتقل إلى ما يسميه «الجهاد» أي استعمال السيف للإقناع، محاولاً استحضار الصور السلفية القديمة وإعادة إنتاجها في الوقت الحاضر، ونرى ذلك في اللباس والذقون واستحضار الجواري والقيان وأشكال السلطات البائدة وأساليب الثواب والعقاب. ويتناسى هؤلاء «الكهنة» أنّ الأحوال الاجتماعية والمادية والسياسية شديدة الاختلاف عما كانت عليها في العصور السابقة، حيث كانت كلّ الإمبراطوريات من رومانية ويونانية وفارسية، ترتكب أعمال إبادات ورِقّ وسلب وتهجير، لذلك لا يمكن اتهام واحدة منها ومسامحة أخرى، فتلك المرحلة كانت على هذا النحو المشين. أما اليوم، فما يضمنُ حقوق الرجل والمرأة هي القوانين الوضعية الحديثة، التي تحرِّم نظام الجواري والقيان والإماء والعبيد…

صحيح أنّ هذا الفكر السلفي مرتبط بالتاريخ، لكنّ من استحضره هو المذهب الوهابي وما اتصل به من قراءات سيد قطب ورشيد رضا، وصولاً إلى «القاعدة» والمتأثرين بها من «داعش» و»غلاة الإخوان».

لقد تمّ استثمار هذا الخط بنفخه دعوياً بواسطة الإعلام الخليجي والتركي والغربي، وجرى تمويله خليجياً وتركياً بغضّ طرف وصل إلى حدود الدعم من الغرب، وبرعاية تركية كاملة يكتشفها حتى الأعمى.

لذلك فإنّ الاستثمار في الفكر الديني المتطرف جعله إرهاباً عالمياً له انتشار واسع يستطيع تهديد أمم بأسرها وضربها.

وللحقيقة، فإنّ هذا الاستثمار بدأ عثمانياً عندما استغل السلاجقة الدين الإسلامي واستعملوه وسيلة لتغطية حروبهم. كذلك فعل أحفادهم العثمانيون الذين رفعوا شعارات الإسلام للتمويه على قوميتهم الطورانية.

أما في الوقت الحاضر، فإنّ الأميركيين هم أول من استثمر الدين الإسلامي بعد محاولات نابوليون الفاشلة في القرن التاسع عشر. أقحموه في معارك أفغانستان في وجه الاتحاد السوفياتي بتغطية سعودية، وعادوا إلى استغلاله في وجه الخطوط القومية في المنطقة وقسَّموه مذهبياً في وجه إيران. وأخيراً جعلوه يفجر دول المنطقة من ليبيا حتى اليمن. فاستباحوا سورية والعراق واليمن ومصر وأفغانستان وباكستان، وهزوا لبنان والأردن وصولاً إلى الخليج. وها هو الإرهاب «الإسلاموي» ينتقل إلى الغرب الذي دعمه سابقاً.

الإشكالية هنا ليست في تحديد المسؤول عن الإرهاب أو استنكار الاعتداء على «شارلي إيبدو» في فرنسا وما قد يجري من اعتداءات على مناطق أخرى لاحقاً، بل في مكافحة هذا الوباء الأصفر بدءاً من مراكزه الوهابية في الخليج وحتى امتداداته في جمعيات باكستان ومصر وأفغانستان وتركيا.

فهل من وقفة شجاعة للمراكز الدينية الإسلامية والمسيحية تدين الإرهاب في «دار الإسلام» و»دار الغرب» لأنّ الإرهاب وحش عندهم وعندنا أيضاً، وخصوصاً أنّ ما فعله هذا الإرهاب في سورية والعراق لم يرتكبه حتى هولاكو وتيمورلنك؟

المطلوب وقف الاستثمار الغربي والدعم الخليجي والرعاية التركية، وإلا فإنّ كلّ أمم الأرض مهدّدة بهمجيات لم يعرفها التاريخ من قبل. هناك أربعون مليون مسلم في بلدان غربية يحملون جنسيتها، ولا شكّ أنّ قسماً منهم تأثر بالفكر الإرهابي فعاجلوا بتجفيف المنابع ومصادر التمويل قبل أن تلتهم الضواري من يربيها ويحاول تدجينها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى