تولا زغرتا… أساس يرتقي إلى العهود القديمة وثروتها في سحرها وطيبة أهلها

تحقيق: رانيا الدويهي

تولا، تلك القرية الهانئة الواقعة في أعلى جرد قضاء زغرتا، الواصل إليها لا بدّ أن يلاحظ مدى جمال الطبيعة الذي سُكب على معظم قرى جبل لبنان خصوصاً وباقي الأقضية في لبنان عموماً. ثروتها إضافة الى سحرها، تتمثل في طيبة أهلها المحافظين على تقاليد أهالي الجبل من كرم وشهامة ومحبة وحسن ضيافة أمام أي وافد غريب. الأهالي منهم المقيم ومنهم المنتشر في مختلف أصقاع العالم، وذلك كما حال باقي اللبنانيين في قراهم ومدنهم.

لاسمها احتمالات ومعان عدّة منها: تولا «Towla» من السريانية ومعناها الديدان والزواحف الصغيرة. تولا «Tela» ومعناها ساميّ مشترك يفيد العلو والتدلّي. الاحتمال الآخر يعني الثلاثية «تولتا»، وتعني الثلث، وتولا قد تكون «بتول» أو «مجموعة خيطان حرير ـ كبكوبة» أو أحد الأبراج الفلكية، تلة أو ربوة.

والرأي السائد أن تولا تعني ربوة، لأن القرية مبنية على تلة جميلة تشرف على البحر غرباً، لذا دعيت تولا ونسبت تولا إلى الجبة، لأنها كانت تابعة لها في الاحصاءين الأول والثاني 1519 ميلادياً و1571 ميلادياً، ثم دعيت بعدئذٍ «تولا الضنية» بعدما سيطر عليها ملتزمو الضنية، ثمّ ألحقت بقصبة إهدن عام 1911 وسبب ذلك تميَّزها بدفع «اليوركو» عن ضرائب تولا البترون، كيف لا، وتولا تعد من القرى المشتركة راسكيفا ، تولا وبشري .

إذاً، يرتقي أساس هذه القرية إلى العهود القديمة جداً، وعُرف العمران فيها أيام الرومان، إذ تنتشر النواويس في مناطق عدّة. في الحقيلة وعريض الجرب وبرعل امتداداً إلى مزيارة.

ويؤكد المواطنون الذين التقتهم «الوكالة الوطنية للإعلام»، أن قناة ماء بلغت في النهر في أسفل تولا منذ العهد الصليبي وهي صليبية كما آثارها ظاهرة في بعض المناطق، كما وُجدت آثار مدافن في المنطقة نفسها، ولا يزال المواطنون يتذكرون «بلاطة المنزول» المعروفة من قبل كافة السكّان، و«جوزة المرج» وآثاراً كثيرة مطمورة ضمن أرض تولا. فسكانها الحاليون وعندما وصلوا إليها، وجد كثيرون منهم نقوداً من ذهب قديمة استبدلت بالنقد اللبناني في طرابلس.

مدخل تولا وموقعها

لتولا مدخلان، من الجهة الشمالية ـ الشرقية من خلال بسلوقيت، البحيري وأسلوت ومن الجهة الغربية طريق مزرعة التفاح . فهي كما سبق وذكرنا قرية قديمة العهد، تتفرع منها قرى عدّة، وهي مميزة ولعبت دوراً معروفاً في النزاعات والخلافات مع عدّة مناطق مجاورة، كما دافعت بشراسة عن أرضها عام 1488 ميلادياً، ولا تزال أحداث معركة مرج تولا متداولة في كتب التاريخ.

وهنا نذكر أن هذه البلدة الوادعة تقع على أكمة وسط سهل مكسوّ بالجنائن والبساتين دائمة الاخضرار، مناخها جميل جدّاً وتتحلى طبعاً بمميزات الاصطياف كما باقي القرى المحيطة.

يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر حوالى 1120 متراً، وتبعد عن مركز القضاء 29 كيلومتراً، وعن مركز المحافظة 35 كيلومتراً، وعن العاصمة بيروت حوالى 105 كيلومترات. أما سكانها المسجّلون فيبلغ عددهم 1256 نسمة، منهم 812 ناخباً، كما يربو عدد وحداتها السكانية على 122 وحدة.

عائلاتها

اليزبكيون: يفيد ابراهيم يزبك في كتابه «كلمات مبعثرة» أن اليزبكيين تركوا منطقة الشويفات في جبل لبنان إلى سمار جبيل. بدأت أولى أيام قدومهم عام 785 ميلادياً. وتفرعت هذه العائلة إلى فروع عدة في تولا والجوار، ولم يبق في تولا منها سوى آل فياض وآل لحود من اليزبكيين.

آل بركات: أصلهم من تنورين من آل يونس، أتى جدّهم الأول بركات مع عائلته هرباً من الثأر لقيامه هو وابنه بقتل رجل يدعى أقرع مدلج، ومن هذه العائلة تفرّعت عائلات صافي، يونس، زاده، ضاهر وصهيون.

آل سعد: أتوا من برمانا بحسب رواية أخرى تدّعي أن آل سعد أصلهم من آل طوق، وعلى إثر حادثة حصلت ضدّ العثمانيين، هرب أحدهم إلى تولا واستبدل اسمه تخفياً، خوفاً من ملاحقته من قبل العثمانيين، وتفرع من هذه العائلة آل شهلا وآل الخواجة وآل أبو ملحم وأبو أنطون وأبو خير وآل الفلبوني.

آل جلوان: أتوا من سمار جبيل وجدّهم الأول الخوري ابراهيم جلوان من تلامذة مدرسة روما، انتشروا في البحيري عند تركهم دير قزحيا حيث كانت مكتشفة حديثاً.

آل المقدسي: وصلوا حديثاً من بزعون.

أما آل فرح في تولا والبحيرة، فقد أتوا من قرية جاج قضاء جبيل، وبعضهم يقول إنهم من يانوح أو من عبرين، ومن المؤكد أنهم أتوا مؤخراً من بلاد البترون على إثر الهجوم عليهم وحرق قراهم في القرن السابع عشر.

كنائس

شهدت تولا كنيسة قديمة العهد على اسم مار يوحنا المعمدان، وجد القدماء آثاراً لها، هي حجارة محفورة عليها كتابات سريانية. أما الآن فأصبح مكان الكنيسة هذه خالياً من كل أثر. اشترى الخوري بولس جلوان عام 1911 قطعة الأرض، وبنى عليها بيته الحالي، وأقام معبداً جانبياً لمار يوحنا المعمدان لذكرى تلك الكنيسة القديمة. كما يشترك التولاويون بالذبيحة الإلهية في عيد مار يوحنا المعمدان في هذا المزار ويذكر الأهالي أنها كانت ديراً للرهبان.

بنيت كنيسة تولا على أنقاض كنيسة صغيرة قديمة العهد. لم يعرف تاريخ تأسيسها إنما كانت قديمة، بدأ الأهالي ببناء الكنيسة الحالية أواخر القرن التاسع عشر، وهي كنيسة فخمة في بنائها وشكلها وموقعها، فتح لها باب من جهة الغرب وسطحها أصبح مقرمداً وبنيت تحت ساحتها الواسعة قاعة للاستقبال في الأفراح والعزاء، كما بني مزار لسيدة لورد أمام الباب الغربي لتصبح الكنيسة ذات مظهر مميز على تلة تشرف على أنحاء القرية كافة. وفي الأحد الأخير من شهر أيلول يتنادى جميع التولاويون للاحتفال بيوم عيد مار آسيا، وكان قد استبدل العيد من يوم في فصل الشتاء إلى آخر في فصل الصيف نظراً إلى أشغال سكان تولا خارج القرية خلال أيام الشتاء وذلك لعدم توفر مؤسسات للعمل ولصعوبة العيش في المنطقة وباقي القرى الجردية في هذا الفصل.

ولا بدّ من ذكر أن القرية أنجبت عدداً من الرهبان والكهنة والشمامسة قديماً وإلى يومنا هذا، وهم الذين كان لهم دور مميز في عدد من المجالات الدينية والأدبية، ومنهم الخوري أنطوان بركات ابن الخوري مارون، والخوري لويس شهلا، والقس أنطونيوس جلوان، والخوري ابراهيم جلوان ابن الخوري بولس جلوان الذي كانت له آثار علمية مدوّنة في كتب أجنبية وقديمة عدّة، وغيرهم كثيرون من الوجهاء والمقامات والشخصيات الدينية.

المدرسة

بما أن تولا قرية قديمة العهد، قدمها منذ عهد الصليبيين، تولّى التعليم في مدرستها كهنة تولا القدماء، وكان أجر المعلم على نفقة الوقف والأهالي، كما درّس فيها عدد كبير من الأجانب نذكر على سبيل المثال لا الحصر: الخوري أرسانيوس من محمرش البترون، القس أسطفانوس الحصروني، الخوري يوحنا يونس من حميص، الخوري يعقوب شباط، ثمّ ابن تولا خليل يوسف الخوري جلوان، والخوري عبد الله فرح بركات، والخوري يوسف نصر من مزيارة وكثيرين من بعده، وصولاً إلى أواسط الثلاثنيات، إذ تسلّمها ضومط يعقوب شباط ثم تحوّلت بعدئذٍ على نفقة وزارة المعارف اللبنانية إلى أن تسلمتها مدارس المطران المارونية لتقفل بعد ذلك، ثمّ أعيد افتتاحها أيام الحرب عام 1975 لمدة سنتين، وألحق ما تبقى من تلاميذ فيها بعد انتهاء الأحداث في هذه الفترة، بمدرسة البحيري الرسمية مع موظّفي المدرسة وذلك بسبب إقفالها مجدّداً.

شخصيات أدبية وفكرية

مرّ عدد من الشخصيات الفكرية والثقافية والشعراء على القرية ومنهم: الشاعر ميخائيل طنوس فرح 1927 ـ 1975 الذي نهل مبادئ القراءة والكتابة على يد الخوري جلوان. هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1953 حيث عمل ونجح. سنة 1958 أسس في طرابلس مكتبة «الثقافة الجديدة» التي كانت ملتقى أدباء الشمال ومثقفيه. وتمتع بموهبة شعرية نادرة، فنظم الزجل وهو صغير. ناضل بقصائده ضدّ الاستبداد والظلم والقهر ودعا إلى الثورة والتغيير في المجتمعين اللبناني والعربي، كذلك له قصائد في الغزل والحب والغربة.

ختاماً، نلفت إلى أنّ مزروعات هذه القرية تتمحور كما باقي قرى الجرد حول زراعة التفاح والإجاص والدراق والكرز والكرمة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى