قراءة تحليلية لـ«عملية القنيطرة»

علوان نعيم أمين الدين

عنوان قد يعكس حقيقة لم نتعمّق في سبر أغوارها. فاعتبار العمل «عدواناً» ستترتب عليه آثار كثيرة تقلّل من قيمة الصراع الفعلي الموجود. لذلك، يجب وضع بعض المعايير لتحديد التوصيف الصحيح والدقيق لما يجري، وأهمّها:

1. المعيار الأول: إذا اعتبرت العملية «عدواناً»، سنكون في صدد الاعتراف بالحدود القائمة من حيث الاعتبار أنّ الضربة وقعت في الإقليم البري السوري اذا ما اعتبرنا انه عدوان على إيران ولبنان أيضاً لوجود مواطنين تابعين لهاتين الدولتين من قِبل دولة أخرى. بذلك، سيتمّ حصر الصراع ضمن الأقاليم التي أقامتها سايكس – بيكو فقط. فإذا ما التزمت هذه الدول او الكيانات او المقاومة بتلك الحدود، نكون أمام عدوان بالمعنى المتداول والمتعارف عليه، وأكثر ما يمكن تحصيله تحميل المعنيين مسؤولية هذه العملية ومطالبة «إسرائيل» بمحاكمتهم ودفع التعويضات مشهد سوريالي طبعاً . ومع التزام الدول والمقاومة بتلك الحدود، سيكون الجميع بمأمن من أيّ خطر طالما لم يتمّ تجاوزها ام خرقها

2. المعيار الثاني: إذا ما اعتبر انّ «إسرائيل» قد «اغتصبت أرض فلسطين»، سنكون أمام إرهاب منظم كذاك الموجود في سورية والعراق اليوم، وبذلك لا تقدّم قواعد القانون الدولي العام الحالي أية حماية قانونية لها، بالعكس اذ يمكن استخدام كافة الوسائل لإنهاء حالتها القائمة حتى زوالها تماماً. ولتوضيح الأمر أكثر، ماذا لو استطاع تنظيم «داعش» البقاء في العديد من المناطق التي يسيطر عليها اليوم لمدة عقد او عقدين من الزمن؟ هل سيصبح الأمر الواقع من المسلمات وعدم اعتباره حركة ارهابية؟! بالطبع لا. وقد يكون واقع «داعش» أفضل بكثير من واقع «إسرائيل»، حيث أنّ الأخير يتمتع بشعبية وتأييد وطني سواء من بعض العراقيين، أو السوريين، أو اللبنانيين، أو غيرهم من دول أخرى، إضافة إلى وجود «بيعة» من قبل بعض القيادات الدينية، بينما «إسرائيل» لم يتمّ «ملء الفراغ» فيها إلا من خلال الهجرات التي شهدها القرن الماضي، ولا تزال الدعوة إليها قائمة على غرار خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على اثر عملية «تشارلي إيبدو» في فرنسا بتاريخ 7/1/2015.

انّ ما يحمي «إسرائيل» من تطبيق أحكام القانون الدولي هو تمكنها من السيطرة والتحكم بمفاصل القرار في العديد من الدول الغربية، ناهيك عن إمساكها بقطاعي الاقتصاد والإعلام وقدرتها على توجيه الرأي العام العالمي كي يصبّ في مصلحتها كما يعرف الجميع

3. المعيار الثالث: قد يكون التوصيف الأقرب إلى ما يجري هو اعتبار هذه العملية حلقة من ضمن حلقات «الصراع المستمرّ»، وهو ما يتفق مع الطبيعة القائمة للأمور. انّ ما يميِّز هذه الفرضية عن سابقاتها هو وجود عقيدة يقوم على أساسها هذا الصراع، وليس أعمال قتل وتدمير القصد منها التخريب، ما يجعل هذا الصراع مفتوحاً من حيث الزمان والمكان. من هنا، نرى كيف قامت «اسرائيل» بعمليات اغتيال وتصفيات عديدة في أماكن كثيرة في هذه المنطقة وضمن المنطق نفسه، وفي ذات الوقت تقوم باتخاذ إجراءات كثيرة لحماية مصالحها في الخارج. هي تعمل على محورين متلازين، مما يثبت فرضية المعيار الثالث ويغلبه على ما سبقه.

في الختام، يعي كلا الطرفين المقاومة و«اسرائيل» بأنّ الصراع مفتوح على كافة الاحتمالات، والردّ يتجاوز المكان والزمان خصوصاً أنّ المقاومة كانت دائماً مستعدّة لحماية الوطن وردع هذا العدو.

باحث في العلاقت الدولية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى