عدوى الانفتاح إلى «الجماعة»

هتاف دهام

عاشت الجماعة الاسلامية في لبنان مع بداية الفوضى التي حلت بالإقليم ارتباكاً سياسياً واضحاً، تمثل في تدهورعلاقاتها مع مختلف الأحزاب السياسية المنضوية في فريق 8 آذار.

تأثرت الجماعة الاسلامية بالمناخ الاقليمي العام، فحجمت علاقتها بالقوى السياسية المقاومة. تبحث اليوم على غرار حركة حماس عن السبل لتقويم وضعها بعد الانهيار الذي لحق بالإخوان المسلمين في سورية ومصر وتونس.

لم يعد بإمكانها انتظار عودة الإخوان إلى ما كانوا عليه قبل ما يسمى «الربيع العربي». بدأت الانفصال التكتيكي عن مسارهم في المنطقة، فهي لا تريد تحمّل عبء فشل السياسة الإخوانية في الداخل اللبناني.

قرّرت الجماعة الانفتاح على كلّ القوى السياسية من دون استثناء لتوضيح صورتها التي قصّرت في إيصالها في شكل صحيح الى اللبنانيين، كما يؤكد المسؤول السياسي للجماعة في بيروت عمر المصري لـ«البناء». بعد الحوار المفتوح مع عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب آلان عون، والذي شمل القضايا السياسية والثقافية والفكرية التي ينطلق منها التيار الوطني الحر، والمشتركات التي يمكن اللقاء فيها مع الجماعة على المستوى الوطني، تستعد الجماعة كما يقول المصري إلى حوارات مع حزب الله، حزب الكتائب، الحزب السوري القومي الاجتماعي، وتيار المرده، في إطار الحوارات المفتوحة التي تنظمها مع الشخصيات والقيادات السياسية في 8 و14 آذار.

وكانت الجماعة ضيّقت من علاقتها مع حزب الله من دون أن تصل إلى حدّ القطيعة التامة مع بداية الأزمة السورية، بغضّ النظر عن أنّ العلاقة مرت بمحطات عدة. كان أبرزها محطة ما بين عام 2005 وعام 2007 حيث تراجعت لتصل إلى حدّ الجفاء، لتعود وتنشط في عام 2008، وتتطوّر من خلال الاجتماعات الدورية التي كانت تعقد بين الجانبين وصولاً إلى الزيارة التي قام بها رئيس المجلس السياسي في حزب الله السيد ابراهيم امين السيد إلى مركز الجماعة في بيروت، لتحافظ العلاقة على وتيرتها إلى حين بداية الازمة السورية، حيث تراجعت الى الحدّ الادنى ما بين 2013 و2014، وانحصرت بالاتصالات الشكلية، لكنها على رغم كل ذلك لم تصل إلى حد العداء، فأي من الفريقين لم يجاهر بالمواقف الحادة المتشنجة.

وفيما يؤكد الأمين العام للجماعة الاسلامية ابراهيم المصري لـ«البناء» «أن العلاقة لا تزال فاترة مع حزب الله، وأن اللقاءات معه محصورة في الشق الأمني لا سيما في صيدا، وبيروت، ومعدومة على المستوى السياسي، نتيجة تدخله في الأزمة السورية»، يرى المسؤول السياسي للجماعة في بيروت «أن الأزمة السورية فرقت الجماعة عن حزب الله، لكن على رغم ذلك فهناك نقاط وقواسم مشتركة بيننا، لجهة مقاومة «إسرائيل»، والخلفية العقائدية، إضافة إلى مقاومة حزب الله للفتنة السنية الشيعية».

وعليه انتقلت عدوى الحوار الذي بدأ بين حزب الله وتيار المستقبل إلى الجماعة الاسلامية، فقررت التواصل مع مختلف الافرقاء السياسيين من دون تمييز، وجرى تواصل بينها وبين أكثر من مكون سياسي، على غرار الحزب الشيوعي والقوات والتيار الوطني الحر. وها هي تستعد للمزيد من الحوارات، من أجل توضيح صورة الجماعة عند الرأي العام، ومن أجل تخفيف الاحتقان، على المستوى الداخلي. فالقواعد الشعبية عندها «نقزة» من الطرف الآخر، وهذا يتطلب اللقاء والحوار لتبديد الهواجس والمخاوف. فلا خيار أمام اللبنانيين الا الالتقاء مع بعضهم بعضاً كما يقول الشيخ عمر المصري.

ليس من توجه عند الجماعة الاسلامية لتوقيع أي وثيقة تفاهم مع الاحزاب السياسية، فما يجري لا يتعدى سياسة الانفتاح، لا سيما على التيار الوطني الحر، الذي كان على خصام معه، حتى عندما كان رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون في صلب 14 آذار في عام 2005.

وذكرت أوساط في التيار الوطني الحر لـ«البناء»، أن الحديث كان فجاً في اللقاء الذي جمع النائب عون مع مسؤولي الجماعة في عائشة بكار لأكثر من ساعتين عند طرح الكوادر «الإسلامية» تساؤلات حول موقف العماد ميشال عون من أهل السنّة في لبنان، وكان رد النائب العوني أن الجنرال لم يهاجم أهل السنّة على الاطلاق، وجل ما كان يتناوله في خطابه المجموعات الارهابية. وعلى رغم بعض «التوتر الكلامي»، فإن اللقاء الأول بين الجماعة والتيار العوني، وفق الشيخ عمر المصري، كسر حواجز كثيرة وسيستكمل، وإن اللقاءات الأخرى ستتابع البحث في الملفات الخلافية لا سيما لجهة نظرة الوطني الحر الى الحركات الاسلامية، والملف السوري، وتغطية التيار العوني لمشاركة حزب الله في سورية، فضلاً عن الكتاب البرتقالي، الذي وفق الجماعة يتناقض مع سياسة تيار الرابية الذي دخل في لعبة المحاصصة والتسويات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى