السعودية ما بعد عبدالله

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

رحل الملك السعودي عبدالله، وجرت التعيينات بسرعة قياسية. ويبدو أنّ التوافق على المناصب والمراكز القيادية، جرى بين قيادات العائلة الحاكمة مسبقاً. وبما أننا أمام نظام ملكي توريثي، فإنّ سياسة الخلف ستكون استمراراً لسياسة السلف، وإن حدثت تغييرات فهي لن تمسّ مفاصل السياسة الخارجية السعودية، وإن كانت هناك بعض التغييرات أو البصمات للحاكم الجديد فإنها ستقتصر على الإطار الداخلي، وستبقى محدودة ومحكومة بفكر وهابي يسير عليه قادة المملكة. ومن غير المستبعد أن يجري تغيير، على سبيل المثال، يتعلق بحقوق المرأة في الانتخاب والتصويت والترشُّح، أو حتى في قيادة السيارة.

إنّ السياسة الخارجية السعودية تجاه الملفات الكبيرة والحساسة، والتي لها صلة بموقع المملكة وأمنها واستقرارها ومصالحها ودورها ونفوذها في المنطقة، لن تطاولها تغييرات جوهرية، فالذين يرثون الحكم، لديهم ثوابت محدّدة وواضحة، هي بمثابة الدستور الذي يسير على هديه الجميع، ومن يخرج عنه يجد نفسه خارج الحكم، بل ربما خارج المملكة كلياً. فأي خلافات أو صراعات يمكن حلها في الإطار العائلي والعشائري، بحسب نظام التوريث الأبدي للحكم، من خلال توزيع المناصب والوزارات الحكومية، لكنّ ما يهمُّ أميركا والغرب الاستعماري هو الرؤوس المسيرة والمتحكمة في السياسة الخارجية للمملكة، لذلك يشاركون في تحديدها، كونها من عوامل الاستقرار، وهي تشكل الضمانة الموثوقة للحفاظ على مصالحهم ومصادر طاقتهم وقواعدهم العسكرية، في وقت باتت المنطقة على فوهة بركان ومرجلها يغلي على صفيح ساخن. فالأخطار محدقة بالمملكة وهي تقترب من بيتها الداخلي، وما يركز عليه الأميركيون والغرب هو ثالوث ولي العهد، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية مع الملك، حتى لا تحدث أي مفاجآت تعرض مصالحهم للخطر، وما دون ذلك فإنّ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات مجرّد شعارات يرفعونها عندما تخدم أهدافهم ومصالحهم، أو يلوِّحون بها من أجل قلب أنظمة حكم أو التدخل في شؤون دول وشعوب لا تخدم مصالحهم وأهدافهم، كما يفعلون في العراق وسورية وغيرهما من البلدان العربية الأخرى.

تركز السعودية اهتمامها اليوم على ما يجري على حدودها الجنوبية، فالوضع في اليمن، حيث كانت تحرص دائماً على وجود حكومة موالية لها، أصبح غير مضمون ومن يسيطرون على الحكم الآن أو يشكلون القوة الرئيسية فيه، هم «الحوثيون» وهؤلاء على نقيض مع المملكة وسياساتها، ليس بالمعنى الفكري والسياسي فقط، بل لجهة ما يطرحونه عن ثورة اجتماعية وعدالة في توزيع الثروات، وكذلك ارتباطهم وصلتهم بإيران، أحد أبرز أعداء ومنافسي السعودية على الدور، عربياً وإقليمياً، ناهيك عن الخلاف الفكري والمذهبي. وقد لعبت السعودية دوراً بارزاً في التحريض على إيران ومارست ضغوطاً كبيرة على الولايات المتحدة الأميركية، من أجل منع توقيع اتفاق معها في شأن برنامجها النووي، وهي ترى في إيران المنافس، إن لم يكن العدو المركزي لها، والمهدّد لدورها ونفوذها في أكثر من ساحة عربية، كما أنها تعتبرها خطراً داهماً على الأمة العربية أكثر من «إسرائيل»، لذلك ساهمت إلى حدّ كبير في تسعير الفتنة المذهبية السنية الشيعية، وصورت إيران وأتباعها من «حزب الله» والمحور الدائر في فلكها على أنهم فرس ومجوس وروافض ومرتدّون وكفرة، إلى غير ذلك من المصطلحات والمفردات التحريضية، كيف لا وإيران تنافسها على الدور والوجود في العراق المفتوح على كلّ الاحتمالات في الصراع الدائر الآن، وفي سورية حيث كانت تريد إسقاط النظام ووفرت لمعارضيه كلّ أشكال الدعم المالي والسياسي واللوجستي والإعلامي والتدريبي، كما وفرت الغطاء للتنظيمات الإرهابية، وخصوصاً «النصرة» و»داعش»، قبل أن يرتدّ إرهابهما إليها، وأوكلت تلك المهمة إلى وزير استخباراتها الأمير بندر بن سلطان. كلّ ذلك لم يؤدِّ إلى إسقاط النظام السوري الذي ترى السعودية أنّ دعم إيران له كان من أهم عناصر صموده، من خلال مدّه بكلّ مقومات القوة. أما بالنسبة إلى لبنان، فإنّ الرياض ترى أنّ حزب الله، حليف إيران، هو الذي وقف إلى جانب النظام السوري وهو الذي يعيق سيطرة أتباعها من فريق 14 آذار على الحكم والدولة في لبنان، وهو الذي يمنع انتخاب رئيس لبناني موالٍ للسعودية. ومن المتوقع الآن وبعد رحيل الملك عبد الله، أن تزداد أوضاع ابنها المدلل سعد الحريري، وأوضاع فريق 14 آذار سوءاً، فالمتغيرات الجارية في المنطقة ليست لمصلحته ولا لمصلحة السعودية وتركيا و«إسرائيل».

الملف الآخر المهم في السياسة الخارجية السعودية، هو الملف المصري، لذلك دافعت عن النظام المصري بشتى الوسائل، ومن أجله انقلبت على «الإخوان المسلمين» فطاردتهم وكان لها الدور الكبير في صدور قرارات عربية تجرِّمهم وتصنِّفهم جماعة إرهابية، فهي معنية بتأمين استقرار هذا النظام أمنياً وسياسياً واقتصادياً. والسؤال المطروح الآن: هل ستواصل السعودية، مع الملك الجديد، دعمه ومساندته كالسابق، في ظلّ التغيرات والتطورات الحاصلة في المنطقة، خصوصاً أنّ الأخطار تقترب من المملكة بعد أن أصبح «الحوثيون»، حلفاء عدوتها إيران، على حدودها الجنوبية؟

تبقى القضية التي غابت عن الاهتمام السعودي، ولم ترد في خطاب العرش قضية فلسطين،

وهي القضية الكبرى، وما نحن متيقنون منه هو أنّ السياسة الخارجية السعودية تجاه القضايا الكبرى ستبقى على حالها.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى